Home»Correspondants»ديناميكية السياسة الاسرائيلية ، وسبات السياسة العربية

ديناميكية السياسة الاسرائيلية ، وسبات السياسة العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

 
بقلم: ماجد كيالي

مكمن التفوق الإسرائيلي على العرب إنما يكمن في طبيعة النظام السياسي بالذات، في حراكه وديمقراطيته وشكل إدارته.

ميدل ايست اونلاين
من منظور السياسة العربية السائدة يبدو المشهد السياسي الإسرائيلي، على الأغلب، دليل عدم استقرار أو نتاج أزمة وربما كناية عن تفكك أو انهيار! هكذا يبدو ا للسياسة العربية خروج شارون من حزبه الليكود (الذي ساهم في تأسيسه أواسط السبعينيات)، وتشكيله حزبا جديدا: "المسؤولية القومية"؛ ونجاح عمير بيريتس الشرقي وسليل مدن التطوير (سديروت) وسقوط شمعون بيريز (وهو من هو) في المنافسة على قيادة حزب العمل.

اللافت أن دليل السياسة العربية لانهيار السياسة الإسرائيلية، هو بالضبط دليل إفلاسها ومواتها هي بالذات! فالسياسة الإسرائيلية، لحوالي خمسة ملايين ونصف إسرائيلي مؤطرة بحوالي 14 حزبا، يمثلون مختلف التيارات والأهواء السياسية والأيدلوجية. وثمة 80 بالمئة من أصحاب حق الاقتراع الإسرائيليين يشاركون في الانتخابات، وهؤلاء لا يتعبون ولا يملون من الذهاب لإجراء الانتخابات التشريعية كل أربعة سنوات على الأكثر (وليس على الأقل!) لاختيار ممثليهم في الكنيست. والأهم من كل ذلك، أولا، أنه ثمة واقع من الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ وثانيا، أن الانتخابات الإسرائيلية تتم بالطريقة النسبية، بحيث تتمثل كل القطاعات أو الجماعات، مهما كان حجمها، في الكنيست (البرلمان)؛ وثالثا، أن النظام السياسي الإسرائيلي يرتكز على تداول السلطة؛ ورابعا، أنه ثمة احتكام لصناديق الاقتراع لحل القضايا الخلافية؛ وهذه الأمور كلها مفتقدة في الحياة السياسية العربية إجمالا.

بالمقابل فإن واقع حال السياسة العربية يفيد بغيبوبتها وبالأحرى مواتها، بسبب هيمنة السلطة والتسلط (في المعارضة أو في الحكم)، فالحياة الحزبية (إن وجدت) مجرد ديكور (على الأغلب)، وهي تعاني من الجمود والترهل، منذ خمسة عقود، أما الحياة البرلمانية فليست أفضل حالا، ونسبة المشاركة في الانتخابات (حيثما تحدث) جد متدنية، والأهم من كل ذلك أنه ثمة اغتراب في علاقة الشعب بالسلطة كما بالعكس، وثمة غياب شعبي عن السياسة بمعناها الواسع. ومشكلة السياسة العربية الراكدة أنها تنظر إلى الأمور من منظارها هي، وليس من منظار الآخر! فهي بنظر نفسها في غاية العافية، وعلى مايرام، طالما أنها "صامدة"، ببقاء الزعماء أو الرؤساء أو الأمناء العامون في مناصبهم؛ وطالما أن الأحوال الحزبية مستمرة رتيبة وهادئة لا يشوبها أي "تعكير"، بمعنى التغيير أو حتى التطوير.

وفي واقع كهذا بديهي أن لا تفهم السياسة العربية الجامدة ماهية التغيرات في الخريطة السياسية الإسرائيلية، وضمنها توجه شارون للتخلي عن الزعامة في الليكود وتأسيس حزب جديد. وبديهي ايضا أن لا تستوعب القيادات الحزبية العربية "المخلدة" واقع التغيير في الزعامة الحزبية الإسرائيلية، وأن تعتبره مجرد هرطقة أو خروج عن المألوف.

وبدلا من أن تخرج السياسة العربية من غيبوبتها، ومن عقليتها الجامدة، بقراءة المشهد السياسي الاسرائيلي بشكل موضوعي، تستسهل، مثلا، الاتجاه نحو المبالغة بضعف الاستقرار السياسي في إسرائيل، الذي هو، على الأرجح، دليل حيوية للسياسة الاسرائيلية وشاهد على فعالية الحراك السياسي فيها. حيث يحدث أن رجلا من المهمشين الشرقيين (عمير بيريتس) يصل في دولة، نخبتها من الاشكناز، إلى زعامة حزب رئيسي فيها، برغم انشقاقه عن هذا الحزب بالذات قبل سنوات، وعودته إليه قبل أشهر فقط! أيضا فإن السياسة العربية السائدة تنحو نحو تفسير ما يجري بتكرار مصطلحات الأزمة والانهيار، برغم من أنه يمكن اعتبار ما يجري دليل إعادة صياغة أو إعادة بناء للسياسة الاسرائيلية، لتكييفها مع التطورات الداخلية في إسرائيل، وأيضا مع المتغيرات الدولية والاقليمية.

ربما أن السياسة العربية في تهويماتها هذه تحاول التغطية على واقعها البائس، وحجب حقيقة عجزها عن مواجهة التحدي الذي تشكله إسرائيل بالنسبة لها، ليس في الميدان العسكري أو التكنولوجي أو الاقتصادي فحسب، وإنما في ميدان النظام السياسي بالذات، وفي طريقة إدارة السياسة والمجتمع. علما بأن النظرة السلبية للعدو والاستخفاف بالميزات التي يتمتع بها، والتي تزيده قوة، لا تفيد، فهي لا تضعفه أو تقلل من أهميته، بقدر ماتضرّ بالسياسة العربية، التي تقصر عن إدراك كنه عوامل التميز الاسرائيلية، والتحديات التي تمثلها للواقع العربي الراهن.

طبعا لا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أن الاوضاع في إسرائيل على مايرام، فمثلما أنه ثمة شطط وضرر في المبالغة بما يجري، فإنه لا يجوز الاستهانة به، بمعنى أن المطلوب التعامل مع إسرائيل بشكل موضوعي (بغض النظر عن رأينا بها) بوصفها ظاهرة عادية، تعج بالتناقضات والتحولات. وبهذا المعنى تبدو إسرائيل، كغيرها من الظواهر الاجتماعية والسياسية، تعاني من أزمات ومن تحديات ومن نوع من عدم النضج أو الاستقرار، بسبب من طبيعة تكوينها، والتناقضات الكامنة فيها؛ وضمن ذلك التناقض بين كونها دولة علمانية أو يهودية، وبين كونها دولة ديمقراطية وعنصرية (إزاء العرب)، وايضا بسبب طابعها الاستعماري وسيطرتها بالقوة على شعب أخر.

لكن مع كل ذلك من المهم الانتباه جيدا إلى أن إسرائيل تتمتع بميزة السيطرة على أزماتها ومشكلاتها (بحكم طريقة إدارتها لأوضاعها)، بل إنها تستطيع أن توجهها نحو الخارج، وبما يخدم مصالحها.

وفي الحقيقة فإن مكمن التفوق الإسرائيلي على العرب، إنما يكمن في طبيعة النظام السياسي بالذات، في حراكه وديمقراطيته وشكل إدارته، فهذا النظام هو الذي يضفي على إسرائيل قوة مضافة، تجعلها قادرة على تحويل عناصر ضعفها إلى قوة؛ على عكس الواقع العربي الذي يفتقد لهذا الميزة، ما يجعله يعجز عن تجيير عوامل تفوقه، التي تبدو، عبئا عليه على الأغلب: المساحة ـ الكثرة العددية ـ الثروة النفطية، عوامل تكوين الأمة..الخ، بسبب تخلف النظام السياسي والطريقة السلطوية في إدارة الدولة والمجتمع! وهذا في الحقيقة ما يفسر أن السياسة العربية تقصر عن مواجهة التحديات التي تمثلها إسرائيل سواء كانت في حال أزمة أم من دونها.

وثمة مفارقة هنا تتمثل في أن إسرائيل، التي نشأت، فقط، منذ أكثر بقليل من نصف قرن، ومع بداية تشكل الكيانات العربية، وبرغم تناقضاتها وتحدياتها الداخلية والخارجية، وضمن ذلك برغم تداعيات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تبدو أكبر من حجمها وأكثر قوة من امكاناتها وأفضل استقرارا من غيرها، خصوصا بالقياس لحال الكيانات العربية السائدة!
عن شبكة ميدل ايست اون لاين

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *