Home»Correspondants»فرنسا : ثورة – ألأوباش –

فرنسا : ثورة – ألأوباش –

0
Shares
PinterestGoogle+

الرئيس المصري الراحل سماهم حرامية، أولئك الذين خرجوا للتظاهر ضد رفع أسعار الخبز، كما اعتبرها الرسميون الجزائريون فوضى مدبرة، عندما نشبت مواجهات بسبب شاب اسمه قرماح قتله شرطي. أما وزير الداخلية الفرنسي فقد سماهم أوباشا وحثالة.

وهم ربما حرامية وأوباش وفوضويون، لكن لهم قضية لا فكاك من الاستماع اليها والتعامل معها. هم مجرد عود ثقاب في بيت محتقن، بدليل ان تسعين مدينة وبلدة فرنسية طالتها النيران. الحادثة التي أشعلت الغضب لا تستحق الغضب، لأن الشابين الذين قتلا في الصعق الكهربائي ليسا ضحية للشرطة، كما ظن الناس، ورغم تبيان الحقيقة استمر الاحتجاج واندلعت الحرائق الى خارج الحي المصدوم. هي حالة احتجاج على الوضع السيئ الذي يعتقد شريحة كبيرة من الناس انهم يعانون منه. ومهما نعتهم الوزير بالحثالة او الاوباش، فإن الاهانات وتقاذف الشتائم لن تحسم الأزمة التي ستعود، وان هدأت لفترة من الزمن.

فرنسا عرفت بأنها أكثر دول اوروبا اختلاطا مع المناطق الأخرى في العالم، وأكثر قربا الى الدول المتوسطية الجنوبية، وثقافيا أكثر ميلا لليسار العطوف من اليمين الأوروبي القاسي. لكن بلد القانون والحريات أخفق في معالجة المشكلة القديمة الموروثة منذ نهايات الاستعمار، إنهاء أوضاع المهاجرين وتجاوز تركتها. فخمسة ملايين بينهم فرنسيون من اصول اجنبية يعيشون في أوضاع مزرية، ومهاجرون مقيمون منذ زمن طويل لم تنه أوضاعهم. أيضا لا يعقل في بلد الحرية والديموقراطية الفرنسية ان اقلية كبيرة بهذا الحجم لم يطأ فرد منها البرلمان، الذي يفترض انه يمثل كل شرائح المجتمع، أوباشه وسادته. فالأحزاب الفرنسية الكبيرة لم تسع لإدماج ممثلين عن ملايين الفرنسيين من اصول اجنبية، عربا ومسلمين، في صفوفها ولم تدافع بما فيه الكفاية وبالنيابة عن حقوقهم.

في مثل هذا النسيان الطويل، من الطبيعي ان يستيقظ الباريسيون على حرائق في كل مكان. أحياء مضطربة منذ زمن تحتاج الى المناسبة لإيقادها ونفخها وتحدي المجتمع الكبير من خلالها.

في تصرفاتهم يظهرون كأوباش بالتأكيد، فالذين يتقدمون الثورات عادة هم الأوباش، لأنهم أقدر على الصراخ وأقل تفكيرا في العواقب. نعم، ممارساتهم بحرق المدارس، والاعتداء على المارة، وبعضهم ضرب حتى الموت، فيه تصرف حثالة المجتمع. بكل أسف هذه أصوات المجتمع الذي لا صوت له في العملية السياسية.

ولنفرق بين الأوباش والمطالب المرفوعة، فما كان للأوباش ان يجدوا كل هذه التعاطف، على الرغم من قبح اعمالهم لولا الإحساس بالظلم.

امام المجتمعات الاوروبية مشكلة ملايين من مواطنيهم لا يمكن تجاهلهم كأنهم سكان بلد بعيد. قضايا المهاجرين ليست مستحيلة، من أوضاع قانونية تحتاج الى إنهاء، الى مساعدة ابنائهم على الانخراط في المجتمع تعليما وتوظيفا. هذه الجيوب الفقيرة التي مورس التمييز ضدها ستستمر عود كبريت يهدد بالاشتعال عند كل إشاعة.
عبد الرحمن الراشد
جريدة الشرق الأوسط

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *