Home»Correspondants»جزيرة ليلى بيريخيل .. كانت منتجعا لحكام الاندلس المسلمين وتحولت حقلاً لزراعة البقدونس يقتات منه الماعز

جزيرة ليلى بيريخيل .. كانت منتجعا لحكام الاندلس المسلمين وتحولت حقلاً لزراعة البقدونس يقتات منه الماعز

1
Shares
PinterestGoogle+

ثلاث سنوات على الازمة بين المغرب واسبانيا للسيادة على الجزيرة

منطقة بنيونيس (شمال المغرب): عبد الله الدامون

في مثل هذا الشهر، قبل ثلاث سنوات كانت تلك الصخرة الكبيرة في مضيق جبل طارق على مرمى حجر من البر المغربي التي أطلق عليها اسم ليلى محط صراع عسكري وسياسي جاد بين المغرب وإسبانيا كاد أن يتحول إلى أول مواجهة عسكرية بين البلدين منذ الاستقلال

.

ثلاث سنوات مرت الآن على نزاع دام بضعة أيام ذهبت ضحيته بضعة عشرات من رؤوس الماعز التي ألقت بنفسها في البحر في قلب الليل بعدما أرعبتها أصوات طائرات مروحية إسبانية أنزلت جنودا في الجزيرة ليلاً من أجل « استرجاع » ما قالت الحكومة الإسبانية وقتها إن المغرب أخذه بالقوة

.

بعد كل هذه الفترة لا يوجد أي متضرر من ذلك النزاع الذي اندلع وانتهى كالوميض أو خلسة المختلس باستثناء السيدة رحمة التي فقدت ماعزها وهددت برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الإسبانية من أجل تعويضها عن الخسائر. لكن مع مرور الوقت لم تجد هذه السيدة الجبلية الدعم المعنوي ولا المادي اللازم كي تقاضي حكومة اليمين بزعامة خوسيه ماريا أثنار التي أرسلت فرق كوماندو من نخبة الجيش الإسباني كي تعيد الاستيلاء على الصخرة

.

وفي الثاني عشر من الشهر الحالي، وهو اليوم نفسه الذي شهد قبل ثلاث سنوات نزول ستة من أفراد الجيش المغربي عليها، بدت هذه الجزيرة الصغيرة وكأنها لم تكن يوما على حافة دفع بلدين جارين إلى حافة حرب. فالرياح الشرقية التي تهب على منطقة بليونش، لا تعكر صفو الساحل الأزرق الناصع الذي يحاذيها. وعلى ظهر الجزيرة لا يوجد أثر للحياة. وعلى اليابسة المجاورة توجد أحراش كثيرة خضراء وراع صغير السن يبدو غير آبه بما حوله وهو يحمل عصا يهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى وهو يسير غير بعيد عن مركز مراقبة للجنود المغاربة. وقبل هذا النزاع، لم يسمع أحد من قبل بهذه الصخرة التي تبلغ مساحتها 14 هكتارا، باستثناء سكان القرى المجاورة التي ترتفع فوق الجبال المشرفة على مضيق جبل طارق من دون أن يشغلوا بالهم كثيرا بموضوع السيادة عليها. فالمغاربة كانوا دوما يعتقدون أن جزيرة صغيرة على بعد أمتار فقط من الساحل لا يمكن أن تكون خاضعة للسيادة الإسبانية، والإسبان العاديون اعترفوا بأنهم لم يسمعوا من قبل بهذه الجزيرة قبل نشوب النزاع. فهي ليست سوى صخرة جرداء تنمو عليها بعض الأعشاب التي يقتات منها ماعز القرى المجاورة التي تظل هناك لعدة أشهر بعد أن يتم حملها عبر قوارب خشبية صغيرة

.

وأسفل الصخرة كهوف ومداخل عبارة عن متاهات صغيرة غالبا ما يستغلها تجار ومهربي المخدرات. وفي أحيان أخرى كان يختبئ فيها مهاجرون سريون سواء من المغرب أو من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في انتظار اللحظة المناسبة لركوب القوارب الخشبية التي تعبر بهم مضيق جبل طارق في اتجاه السواحل الإسبانية

.

احتاج النزاع المغربي الإسباني حول هذه الصخرة التي تبعد بضعة أميال عن مدينة سبتة، التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب أيضا إلى تدخل الولايات المتحدة وفرنسا لوضع نهاية سلمية أعادت الأشياء إلى بدايتها، أي أن يبتعد عنها عسكر البلدين وتعود في ملك الماعز الذي كان على مر سنين طويلة يرعى من أعشابها المتوحشة ويتوالد بين أحراشها الكثيفة شتاء، ويقضم أشواكها صيفا

.

وتطورت الأحداث بشكل متسارع منذ أن قام المغرب بإنزال أفراد من قوات الدرك في الجزيرة التي يقول المغاربة إنهم يعتبرونها دائما جزيرة مغربية، وكان التفسير المغربي بإقامة مركز مراقبة فيها هو من أجل منع تسلل المهاجرين وتهريب المخدرات، فيما اعتبرت إسبانيا ذلك تعديا على سيادتها على صخرة سمع الكثير من السياسيين والعسكريين الإسبان اسمها لأول مرة بعد نشوب النزاع حيث قامت بعد ذلك بإقامة مركز للمراقبة قرب الجزيرة قبل تدخلها عسكريا و »أسرها » للجنود المغاربة الذين اقتيدوا إلى مدينة سبتة المجاورة قبل أن يتم تسليمهم إلى المغرب في وقت لاحق

.

ولا يختلف المغاربة والإسبان على موضوع السيادة على الجزيرة فقط، بل يختلفون أيضا على تسميتها. فالإسبان يسمونها جزيرة « بيريخيل »، أي جزيرة البقدونس. ويقول سكان محليون إن الجزيرة كانت في السابق حقلا خصبا لزراعة البقدونس « المتوحش » الذي لا يثير شهيتهم بسبب طبيعته المالحة والذي لم يكن يغري أبدا ربات البيوت في المنطقة بإدخاله إلى مطابخهن. غير أن الوجود المكثف للماعز على الجزيرة دفع البقدونس، أو « المعدنوس » حسب تسميته بالعامية المغربية، إلى الانقراض. أما المغاربة فأطلقوا عليها اسم « ليلى » لأسباب يقول عنها المؤرخ المغربي محمد بن عزوز حكيم إنها مرتبطة بكلمة إسبانية تعني « لا إيسلا » التي تنطق باللهجة الأندلسية الإسبانية مخففة من دون حرف السين وحورت مع مرور الوقت لتصبح « ليلى ». ويقول حكيم إن الإسم الحقيقي للجزيرة والذي عرفت به تاريخيا هو « تورة ». ويعرف حكيم، كونه أحد المؤرخين القلائل الذين لديهم اطلاع واسع على تاريخ منطقة شمال المغرب. أصبح اسم « ليلى » أكثر شعبية من كلمة « بيريخيل » بسبب حمولته العاطفية. وتظاهر العشرات من المغاربة في بداية النزاع أمام الجزيرة وهو يحملون الأعلام المغربية وطالبوا برحيل القوات الإسبانية عنها، فيما قام البعض بمحاولة الالتحاق بالجزيرة إما سباحة أو عبر قوارب صغيرة دليل رفض على قيام القوات الإسبانية بالنزول عليها ورفع العلم الإسباني الذي لم يستمر طويلا. واعتقلت القوات الإسبانية في الحادي والعشرين من يوليو (تموز) 2002 شابا مغربيا نجح في الوصول إلى الجزيرة وهو يحمل علما مغربيا وأطلق سراحه فيما بعد

.

وتزامن هذا النزاع مع استعداد العاهل المغربي الملك محمد السادس لحفل زفافه، وهو ما ألقى بسيل من التساؤلات في الشارع المغربي عن أسباب ودواعي هذا النزاع وتوقيته

.

وانتهى النزاع بضعة أيام بين الشد والجذب قبل أن تضع الولايات المتحدة له حدا عبر وساطتها التي اشتهرت فيها عبارة وزير الخارجية آنذاك كولن باول، التي قال فيها إن « هذه الجزيرة غبية »، في إشارة إلى خلو النزاع من أية أهداف عسكرية أو استراتيجية

.

توجد جزيرة « ليلى » في منطقة عرفت تاريخيا كونها مهداً للأساطير والملاحم حيث وردت الإشارة لهذه الجزيرة المتنازع عليها في ملاحم إغريقية قبل آلاف السنين

.

وتقول الأسطورة إن جزيرة ليلى أو تورة أو بيريخيل، حسب تسمياتها الكثيرة، كانت على مر القرون مرعى للماعز ومهد الحب الكبير الذي جمع بين « كاليبسو » و »أوليس ». وحسب الأسطورة فإن ابنة الملك « أطلس » الإغريقية « كاليبسو » عينها والدها ملكة على هذه الجزيرة قبل ثلاثة آلاف عام. وفي صباح أحد الأيام وجدت جسد « أوليس » يطفو على الماء قرب الجزيرة فأمرت خادمتها بإدخاله إلى إحدى المغارات في الجزيرة حيث أعدت له فراشا وثيرا من جلود الماعز والخرفان التي كانت ترعى في الجزيرة وأطعم من حليبها

.

والغريب أن أسس هذه الأسطورة تجد سندا قويا لها في الوقت الحاضر حيث مازال استعمال جلود الخرفان والماعز كأفرشة شائعا بين السكان، وكذلك تقديم حليب الماعز للضيوف كدليل ترحاب

.

كما أن المكان نفسه يرمز إلى أسطورة هرقل الذي فصل بيديه القويتين إفريقيا عن أوروبا مما أدى إلى التقاء البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق. ويقول خبراء الجيولوجيا إن طبيعة الصخور والجبال على ضفتي المضيق تتشابه إلى حد كبير وأن طبيعة صخرة جبل طارق تتشابه حد التطابق مع طبيعة « جبل موسى » على الضفة الجنوبية من المضيق. وعندما حكم المسلمون الأندلس كانت منطقة « بنيونيس » حيث توجد « جزيرة ليلى » منتجعا للكثير من الخلفاء والحكام الأندلسيين حيث وصفها الرحالة الجغرافي « الإدريسي » المولود في سبتة سنة 1105 ميلادية أنها « كانت جنة تنبت في حقولها فواكه وثمار من كل الأنواع، وأيضا الكثير من قصب السكر. وقال عنها المؤرخ الأنصاري إنها كانت تحفة للناظرين حتى قبل سقوط غرناطة, بينما وصفها القاضي عياض كونها منطقة وهبها الله نعمة الجمال

.

بين زمن الأساطير وزمن الواقعية مر الكثير من الماء في هذا المضيق الفاصل بين قارتين وبين عقليتين. وبعد مرور ثلاث سنوات فإن هذا النزاع صار قطعة من الماضي. ويقول المسؤولون الإسبان إن ما حدث لن يتكرر، بينما يبادلهم المسؤولون المغاربة التفاؤل نفسه. ولم تكن جزيرة « ليلى » قبل ثلاث سنوات سوى الجزء الظاهر فقط من جبل النزاعات بين الرباط ومدريد إبان فترة حكم اليمين الإسباني بزعامة خوسيه ماريا أثنار. فالمغرب الذي كان قد رفض تجديد اتفاقية الصيد البحري بينه وبين إسبانيا كان يتعرض باستمرار إلى ضغوط إسبانية وأوروبية من أجل تجديد الاتفاقية التي كانت تسمح لمئات البواخر بالصيد في المياه الإقليمية المغربية، وكان يتعرض أيضا لضغوط كثيرة تتعلق بالهجرة السرية وتهريب المخدرات وموضوع الصحراء. وعندما جاء دور جزيرة ليلى فإن تلك الصخرة بدت مثل القطرة التي ستفيض الكأس. لكن الكأس لم يفض، وعاد كل بلد الى قواعده سالما، خصوصا بعد وصول الاشتراكيين إلى الحكم في أبريل من السنة الماضية

.

جريدة الشرق الأوسط

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *