Home»Correspondants»أميركا تطالب العرب بتمويل أخطائها في العراق!

أميركا تطالب العرب بتمويل أخطائها في العراق!

0
Shares
PinterestGoogle+

كلنا في الهمِّ شرق. يكاد الهمُّ بالعراق يقارب همَّ العرب بفلسطين. غير أن اميركا تعيِّر العرب بأنهم لا يغارون على العراق غيرتهم على فلسطين. وهي تطالبهم اليوم بدعم حكومة العراق، وسترعى مؤتمرا في عمان في الشهر المقبل، أغلب ظني أنه سيكرَّس للضغط عليهم لإعفاء العراق من ديونه، وللمساهمة في تمويل إعمار ما دمرته الغزوة الاميركية في هذا البلد العربي المنكوب

.

هل العرب حقا يتلكؤون في تقديم الدعم السياسي والمالي للنظام العراقي الجديد؟ وإذا كان الأمر كما تدعي أميركا بوش وكوندوليزا، فما هي أسباب التردد العربي؟

كتَّاب السياسة العرب لا يحبون الاقتصاد، ليس لأن القارئ العربي لا يحبه أيضا، وإنما لأنهم يجهلون تأثيره الكبير على السياسة. من هنا عذري أقدمه للقارئ، إذا كان حديثي في الاقتصاد مملا أو متعبا

.

بعد النصر الأميركي السهل على صدام، انبثقت آمال براقة في ليبرالية اقتصادية تجعل العراق منطقة تجارية حرة تشكل أنموذجا مغريا للدولة العربية بتقليده، لا سيما تلك الدول التي ابتليت نحو نصف قرن بتقليد الاقتصاد الستاليني. تركز الأمل في أمركة الاقتصاد العراقي وعولمته على الاستثمار الاجنبي فيه: استثمارات متدفقة مع ضمان عراقي بحمايتها من كل مكروه حكومي وحاسد مرتش بيروقراطي. إخراج الأرباح والرساميل بحرية تامة، بلا ضرائب أو رسوم. لا جمارك على استيراد الأدوية والأغذية. غض الطرف عن الشركات متعددة الجنسية اذا ابتلعت الشركات المحلية، أو قضت على الصناعة الوطنية. إنعاش الاقتصاد الخاص العراقي بشكل يعمل رديفا أو تابعا للعولمة الاقتصادية. تشريعات عراقية استُصدرت بسرعة لتسهيل الاستثمار

.

بعد مرور عامين على احتلال العراق، تبخرت الأحلام الليبرالية والاستثمارية. تعطلت آلة الاعمار. أصيب الاقتصاد العراقي بالجمود، حتى أميركا لم تعد قادرة على إنفاق كل مليارات المعونة، وراحت شركاتها والشركات الرديفة تهرب من السوق العراقية الواحدة تلو الاخرى، وانضم عشرات ألوف العمال المستوردين من آسيا وافريقيا الى مئات ألوف العمال العراقيين العاطلين عن العمل

.

لم تعد أسباب تعثر الليبرالية الاقتصادية سرا. نعم، المقاومة العراقية و«الجهادية» على اختلاف فصائلها عمياء بلا مشروع أو رؤية، وبلا قاعدة تأييد عريضة، غير أنها نجحت في تغييب الأمن والاستقرار الضروريين لانعاش الاقتصاد. بل تمكنت من شل قدرة القوات الأميركية والعراقية الرديفة على الحركة، اللهم في ترتيب غارات مفاجئة، ثم ما يلبث المقاومون أن يعودوا الى المناطق التي تم تمشيطها

.

العجز الأميركي العسكري في العراق يذهل العالم والعرب. أكبر قوة برية وجوية عاجزة عن السيطرة على رقعة لا تتجاوز مساحتها مائة ألف كيلو متر مربع. جنرالات اميركا يعترفون بالعجز. ساسة الكونغرس مع ارتفاع الخسائر يدعون الى جدولة زمنية للانسحاب، ويحثون رامسفيلد على الاستقالة. الرأي العام الاميركي أدرك ان قواته غرقت في شبر من مياه الفرات. يبقى الرئيس دابليو المتفائل الوحيد بإنجاز «المهمة» في العراق

.

العرب راغبون فعلا في إنقاذ العراق من محنته. لكن ترددهم في التورط السياسي والاقتصادي هناك راجع الى عدم الثقة اساسا بالمشروع الاميركي. كلما ازداد الضغط الاميركي «لاصلاح» العرب، ازدادت شكوكهم في نجاح «اصلاح» أميركا للعراق

.

سياسيا وديبلوماسيا، اعترف العرب ضمنا بـ «الأمر الأميركي الواقع» في العراق، واعترضوا عليه علنا. لكن النظام العراقي الجديد الذي يلح مع أميركا على طلب «المدَدَ» من العرب، لم يبادر في المقابل، الى طمأنة العرب على عروبة العراق

.

المعروف عن ابراهيم الجعفري رئيس الحكومة الانتقالية انه طبيب بشري خجول. طبه لليلى المريضة في العراق سمح له بتدشين جولاته الخارجية بزيارة واشنطن، قبل زيارة العواصم العربية النافذة كالرياض والقاهرة، فكيف يمكن ارسال السفراء العرب الى العراق في غيبة الأمن الكبرى؟ من يؤمن لهم ولسفاراتهم ولديبلوماسييهم الحماية؟ هل هي الحكومة المحاصرة في المنطقة الخضراء التي باتت هي العاصمة؟ أم القوات الأميركية العاجزة؟ أم القوات العراقية التي حطمتها معنويا الخسائر الهائلة التي أنزلتها بها المقاومة؟

ثم ماذا يفعل السفراء العرب لدى نظام عراقي يرى في النظام الايراني السند الاقليمي الاكبر له؟ ماذا يقولون لحكوماتهم دفاعا عن نظام يذهب الى بروكسل وواشنطن، ليلح على بقاء الاحتلال، ولا يملك من خطة متكاملة للاستقرار والإعمار، سوى وعود مشكوك في تحقيقها؟

اقتصاديا، لا بد من الاعتراف بأن لا تنمية واعمار واستثمار في العراق بلا أمن واستقرار وتخفيض للديون الهائلة (تتراوح بين 120 مليارا و 500 مليار دولار). لقد أبدى العرب المانحون استعدادهم لتخفيض ديونهم للعراق (80 مليار دولار). الواجب القومي يفرض ذلك، لكن الاقتصاد يرتبط بالسياسة. أليس من حق العرب التردد في المنح والاعفاء عندما يسمعون عبد العزيز الحكيم صاحب الحصة الاكبر في الحكومة يطالب بأن يعوض العراق ايران بمائة مليار دولار عن حربها مع صدام؟! أعتقد بأن لا تخفيض للديون قبل التأكد من الالتزام بعروبة العراق ووحدته والمساواة بين قومياته وطوائفه، وبالذات الطائفة السنية التي تُدك قراها ومدنها بالقصف برا وجوا، وكل جريمتها عجزها عن اخراج الإرهاب الدموي الذي استوطن مناطقها

.

كانت اميركا واوروبا تستنزفان العرب بصفقات السلاح وبمشاريع البنى التحتية المتشابهة. الآن، تجرى محاولات لاستنزاف الدول الخليجية بحجة مساعدة العراق (الغني العاجز). والغرض الحقيقي حرمانها من العوائد التي راكمتها مع ارتفاع سعر النفط، وهي عوائد مبالغ بقيمتها مع سقوط سعر الدولار، وانخفاض قوته الشرائية عن مستوى السبعينات

.

كوندوليزا تنسى أن الخليج العربي راكم عجزا ماليا ضخما عندما انهار سعر النفط الى ما وراء عشرة دولارات في الثمانينات، من دون أن يُرسل ملايين العمال العرب والأجانب الى دولهم، وفيما كان عليه ان يتحمل عبء حربين عراقيتين مجنونتين، ساهمت أميركا بتوريط صدام في الاولى، وعاقبته عسكريا واقتصاديا في الثانية. اعترفت كوندوليزا، خلال زيارتها «الديمقراطية» الاخيرة بما جاء في تقرير التنمية العربية الدولي الذي قال ان اجمالي الناتج القومي العربي (نصف تريليون دولار) يكاد يعادل اجمالي الناتج الاسباني، واضيف من عندي القول انه يعادل جزءا من اربعين من اجمالي الناتج الأميركي (20 تريليون دولار سنويا)، فكيف تمول دول، بما فيها دول الخليج، عراقا يملك ثاني اكبر احتياطي عربي وعالمي من النفط، فيما عليها مجابهة بطالة تبلغ ثلث الايدي المؤهلة للعمل، بما فيها 300 ألف يد خليجية شابة تبلغ سنويا سن العمالة؟

كوندوليزا تقول ان اميركا صالحت «الاستقرار على حساب الديمقراطية» في المنطقة. فهل مصالحة الديمقراطية تقضي بتفجير الاستقرار، باطلاق قوى كأمنة مجهولة الهوية، واستنزاف دول عربية فقيرة وغنية، هي بأمس الحاجة، كالعراق الحبيب، الى كل دولار في تطوير تنميتها الاقتصادية والسياسية؟

يبقى لديّ سؤال لم تفكر عاصمة عربية بتوجيهه الى ادارة بوش: لماذا لا تطالب اميركا شركات النفط العملاقة، ومعظمها اميركي، بتقديم العون المادي الى مشروع «أمركة» العراق وعولمته، بعدما حققت هذه الشركات ارباحا، خلال الفورة النفطية الاخيرة، تقدر بمائة مليار دولار، لا تعرف كيف وأين تستثمرها؟

!

مجرد سؤال الى ادارة اميركية مشبعة من رأسها الى ادارتها برائحة النفط. إن كنتم لا تصدقون، سلوا نائب الرئيس ديك تشيني عن أرباح شركة هاليبرتن التي حققتها فقط في العراق

.

غسان الأمام

جريدة الشرق الأوسط

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *