مفكر أمريكي بارز يدرج بلاده ضمن الدول الفاشلة
"
بوش يقرأ الحرب الجزائرية
المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي (الشرق الأوسط)
خلص أحد أبرز المفكرين الأمريكيين المعاصرين، نعوم تشومسكي، إلى أن بلاده تعد دولة فاشلة لكونها لا تستطيع أو لا ترغب في حماية مواطنيها من العنف أو الدمار.. وتعتبر نفسها فوق القانون، وبالتالي تطلق يدها في ممارسة العنف والعدوان ضد مواطنيها والآخرين، وارتكاب الشنائع «الديمقراطية» بشكل يجرّد مؤسساتها من أي جوهر ديمقراطي حقيقي، فيما أنكب الرئيس الأمريكي جورج بوش على قراءة تاريخ الحرب الجزائرية من أجل للاستفادة منه بعد تعثر قواته في العراق.
وفي تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية السبت 27-1-2007، مضى نعوم تشومسكي، الموصوف من قبل عدد من الصحف الأمريكية البارزة، بأنه " أبرز مفكري الولايات المتحدة المعاصرين"، للقول إن أمريكا تعطي لنفسها الحق في شنّ الحرب كما يحلو لها بموجب مبدأ «الدفاع التحسبي»، وهذا السلوك القديم اتخذ أبعاداً جديدة في ظل إدارة المحافظين الجدد.
ويبدأ تشومسكي كتابه «الدول الفاشلة»، الذي ترجمه سامي الكعكي، وصدر أخيراً عن دار الكتاب العربي ببيروت، بالنداء الذي أصدره «برتراند راسل» و «ألبرت آينشتاين» في شهر يوليو (تموز) 1955 إلى شعوب العالم، طالبين منها أن تضع جانباً المشاعر الملتهبة التي تتملكها حيال الكثير من القضايا، وأن تعتبر نفسها «فقط أفراداًً من نوع بيولوجي له تاريخ رائع، ممّا لا يرغب أحد منّا في اختفائه». والخيار الذي يواجه العالم هو: هل علينا أن نعمل على وضع نهاية للجنس البشري، أم أن تعمد البشريّة إلى نبذ الحرب؟
لكنّ العالم لم ينبذ الحروب، بل على العكس، فالولايات المتحدة وبكثير من ادعاء الأخلاقية والعدالة، تخوض الحروب وتفرضها على الآخرين، مستخدمة مبدأ القوة لصنع الحق، معتمدة مبدأ الشمولية، بمعنى أن نطبّق على الآخرين ما نراه مناسباً لأنفسنا بشكل أشدّ صرامة. وهذا المبدأ موصوم بالفظاعة والشناعة، فـ«الوضوح الأخلاقي» العالي النبرة أصبح رطانة خطابية و«مثالية» تَحمل العالم على الالتزام بالقوة بمُثل أميركا وقيمها. فالرئيس الأميركي الذي «يحمل هذا الالتزام في روحه» أعلن في عام 2002 عن تأسيس «شركة تحدّيات الألفية» لمضاعفة الأموال المخصصة لمكافحة الفقر في العالم النامي.
لكنه في عام 2005 ألغى هذه الشركة واستقال رئيسها «حين أخفق في دفع عجلة المشروع قُدماً» بعدما قلصت إدارة بوش ميزانيتها المقررة بمليارات الدولارات. البلاغة الخطابية في سياسة الجزرة ترفع المعنويات دون شك، لكنها لا تلغي الفقر ووفيات الأطفال ولا تحافظ على البيئة ولا تطعم الجائعين.
لقد اعتمدت الإدارة الأميركية سياسة «المعيار الأوحد» وجوهرها: كل شيء لأنفسنا ولا شيء لغيرنا. ولو أخذنا «الإرهاب»، موضوع المرحلة البارز، فهنالك معيار وحيد وصريح: «إرهابهم ضدنا وضد من يوالينا شر مطلق»، بينما الإرهاب الأميركي ضد الآخرين غير موجود، وفي حال وجد فهو ملائم تماماً ولا يسمّى إرهاباً. والدليل على ذلك، ما حدث في نيكاراغوا مثلاً.
فعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة أدانتا الحرب الأميركية على هذا البلد، إلا إن الأوامر صدرت للقوات الأميركية حينذاك بمهاجمة «أهداف رخوة»، أي أهداف مدنية لا دفاعات لها. وأبيح ذلك تحت شعار النفقة ـ المنفعة، أي «كمية الدمار والشقاء التي ستقع من جهة، وإمكانية بروز الديمقراطية من جهة أخرى»، طبعاً الديمقراطية كما تعرّفها النخب الأميركية، وكذلك ما حصل في فنزويلا.
ففي الوقت الذي طالبت فيه فنزويلا باسترداد لويس بوسادا كاريلوس بتهمة تفجير طائرة شركة «كوبانا» وقتل 37 شخصاً على متنها، رفضت الولايات المتحدة هذا الطلب كي لا تعرِّض محاكمته وكالة الاستخبارات الأميركية للحرج، في الوقت الذي تقر فيه الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب قانوناً يحظّر المساعدات عن الدول التي لا تستجيب لطلبات الاسترداد.
والمعيار نفسه ينطبق على الإنفاق العسكري الأميركي الذي يناهز ما تصرفه دول العالم مجتمعة بحجة أنها «تضمن أمن العالم، وتحمي حلفاءها، وتبقي المسالك الحيوية مفتوحة، وتقود الحرب على الإرهاب».
بينما التسلح الصيني ـ مثلاً ـ يهدد الآخرين ويمكن أن يشعل سباقاً للتسلح، وهذا ما لا تتصوره أميركا مجرد تصور.إن النزعة العسكرية لدى واشنطن، حسب تشومسكي، ومنها عسكرة الفضاء، ليست هي العامل الوحيد الذي يدفع بالجنس البشري نحو «القيامة قريباً»، فإضافة إلى الأسلحة النووية، هناك خطر الكارثة البيئية الجسيم. فالعمل على الصعيد العالمي لخفض انبعاث غازات الدفيئة يقف دونه عائق واحد هو أميركا التي نجحت في حذف الفقرة الداعية إلى العمل سريعاً للسيطرة على الاحتباس الحراري في قمة «غلينغلس»، بحجة أن «الاحترار الكوني مسألة غير مؤكدة لتبرير أي شيء يتعدَّى الإجراءات الاختيارية»، كما قال الرئيس بوش، كما رفض القرائن العلمية الدامغة القائلة بأن نشاطات الإنسان هي المسؤولة عن الاحترار الكوني، وذلك في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم لعام 2005.
بالنسبة للعراق، يؤكد المؤلف أن الحرب عليه أدّت وستؤدي إلى مضاعفة التأييد للإسلام السياسي، وسيصبح الإرهاب غاية في ذاته، وستمزق العراق إلى جماعات متناحرة. فالمقاتلون الأجانب في العراق «ليسوا إرهابيين سابقين» بل «صاروا متطرفين بفعل الحرب». وستعود أعداد كبيرة منهم إلى بلدانهم الأصلية حاملين معهم المهارات الإرهابية والرؤية المتشددة للعالم، وسينشرون «الإرهاب والعنف».
ويرى تشومسكي أن الحرب على العراق تلعب دوراً محورياً في تبديل وجهات النظر، وفي تشكيل بؤرة مركزية لموجة جديدة من الهجمات الانتحارية. فالقوات الأميركية تستكمل عملية التحول الراديكالي في العالم الإسلامي، وكل استخدام إضافي للقوة هو نصر لبن لادن ويخلق «كادراً جديداً من الإرهابيين». إن بوش وبن لادن، بالنسبة إليه، يتشاركان في الصراع الكوني ما بين الخير والشر.
أما بالنسبة لإيران، فيشير المؤلف إلى إن إيران تخلت عن الآمال التي عقدتها على «تحرر» أوروبا من ربقة أميركا فقد أعاقت الولايات المتحدة صفقة تمّت بين إيران وأوروبا تنص على أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم مقابل أن يقدّم الإتحاد الأوروبي ضمانات أمنية لها. والضمانات الأمنية هي إحالة مبطنة إلى التهديدات الأميركية والإسرائيلية بقصف إيران.
بالنسبة إلى الشرق الأوسط، يرى المؤلف أنه بات على الحكومتين الأميركية والإسرائيلية أن تكيفا نفسيهما للتعامل مع حزب إسلامي (حماس) لا يعترف بحق إسرائيل بالوجود، مقابل عدم اعتراف أميركا وإسرائيل بحق فلسطين بالوجود. في الوقت الذي تقتطع وتحتفظ إسرائيل بأجزاء كبيرة ومهمة من الضفة الغربية ومن مرتفعات الجولان المنسية.
عودة للأعلى
بوش يقرأ الحرب الجزائرية
وفي سياق غير بعيد، ينكب بوش مع كبار المخططين في وزارة الدفاع على دراسة تاريخ حرب التحرير في الجزائر التي يبدو ان لها نقاط تشابه مع الحرب الدائرة حاليا في العراق. وكشف الرئيس الاميركي قبل فترة في حديث مع شبكة التلفزيون الاميركية "سي بي اس" اجراه الصحافي سكوت بيلي, انه ينكب على قراءة كتاب للمؤرخ البريطاني اليستير هورن يحمل عنوان "تاريخ الحرب في الجزائر (1954-1962)".
واكد وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر في حديث الى شبكة التلفزيون "بي بي اس" الاسبوع الماضي انه هو الذي نصح بوش بقراءة هذا الكتاب المرجع عن حرب التحرير في الجزائر والذي نشر عام 1977.
وقال كيسنجر الذي غالبا ما يستشيره بوش في امور كثيرة ان هذا الكتاب "يمكن ان يساعده لكي يقارن النزاع الشديد القسوة الذي دخل فيه في العراق مع ما عاناه اخرون" في بلدان اخرى. واضاف كيسنجر "لا اعتقد ان الوضع الذي كان يواجهه الفرنسيون في الجزائر يمكن مقارنته تماما بوضع الولايات المتحدة في العراق الا انني اعتقد ان هناك ما يكفي من نقاط التشابه والتعقيد والمآسي لدفع الرئيس بوش الى قراءة هذا الكتاب ووضع استنتاجاته الخاصة" بشأن الحرب في العراق.
ووافق المؤرخ اليستير هورن كيسنجر الرأي مشددا على ان الفارق الكبير بين حرب الجزائر وحرب العراق يكمن في ان الاولى لم تكن نزاعا دينيا بل كانت حرب تحرير وطني. وشدد هذا المؤرخ على ان اي هزيمة اميركية في العراق "ستكون بدون ادنى شك اكثر خطورة بكثير على الولايات المتحدة والغرب من الهزيمة في فيتنام".
واضاف المؤرخ البريطاني "اعتقد ان نظرية الدومينو تصلح تماما بالنسبة الى الوضع في العراق, وان اي فراغ تتسبب به مغادرة الاميركيين سيؤدي الى حالة كبيرة من اللاستقرار في كامل المنطقة كما سيتأثر التموين بالنفط وهو موضوع اساسي لنا".
وكان هورن قال ايضا للنيويورك تايمز في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي ان بوش ارتكب في العراق الخطأ نفسه الذي ارتكبه شارل ديغول في الجزائر عندما اعتقد ان هيبته (بوش) ستدفع المتمردين العراقيين الى القبول بالهزيمة العسكرية والموافقة على تسوية.
وكتب المراسل العسكري للواشنطن بوست توم ريك في نهاية العام 2006 ان كتاب اليستير حول حرب الجزائر بات الكتاب الاكثر رواجا حاليا بين موظفي البنتاغون منذ الاجتياح الاميركي للعراق عام 2003, وان "الجزائر باتت مرجعا لكل الخبراء الاستراتيجيين في واشنطن المتخصصين في مكافحة حركات التمرد".
وكشف ان المسؤولين في البنتاغون شاهدوا فيلم المخرج الايطالي جيلو بونتيكورفو "معركة الجزائر" عام 2003. ويقيم المؤرخ هورن مقارنة بين اعمال التعذيب في الحربين في اشارة بشكل خاص الى سجن ابو غريب في العراق. وقال "لقد مارس الفرنسيون التعذيب في الجزائر للحصول على معلومات تساعدهم للانتصار في حرب الجزائر, الا انهم في النهاية خسروا الحرب لان هذه الاساليب لقيت استياء واسعا في فرنسا وساهمت في قيام حركة معارضة كبيرة في اوساط المثقفين".
وكشف المؤرخ البريطاني ايضا انه اعطى نسخة من كتابه الى وزير الدفاع السابق دونالد رامسفلد اشار فيه الى المقاطع التي تكلم فيها عن التعذيب. وروى ان رامسفلد وجه اليه رسالة "غاضبة" ردا على الكتاب الهدية
Aucun commentaire