الغضب الجزائري يتأجج : جريدة العلم
بقلم محمد العربي المساري
في وقت حاسم من تطور ملف الصحراء في خريف
1975، جردت جزائر بومدين كل ما كانت تمتلكه من ذخيرة الضغوط والإغراءات لكي تجر حكومة أرياس نافارو إلى أن تبرم الصفقة معها بدلا من المغرب وموريتانيا. ولكن رأى الإسبان أن يوفروا على أنفسهم محنة مماثلة لما عرفته جارتهم البرتغال، وقرروا أن يحسموا ملف الصحراء مع الطرف المعني حقا، لكي يتفرغوا لبناء ما بعد فرانكو
الآن يحدث شيء مماثل، تنجذب جزائر بوتفليقة بقوة نحو محاولة التدخل بنفس الصرامة المعهودة حينما يتعلق الأمر بالمغرب، لأنها تحس بأن ملف الصحراء ربما يعرف الآن تطورا حاسما، وتتصور من جديد أن نفس الذخيرة من الضغوط والإغراءات، قد توصل إلى التأثير في مسار الملف
. ولهذا تحاول أن تجتذب إلى منطقها الأطراف الدولية، الفاعلة، وتلك التي تريد أن تؤكد حضورها ضمن –فريق الأصدقاء-.
والتصعيد ضد المغرب، الذي لاحت ملامحه اليوم، ومنه رفض التجاوب مع قرار إلغاء التأشيرة، يدخل في هذه المقاربة الخاطئة التي لن تسفر، مرة أخرى، عن شيء سوى التشويش على المغرب، وبكل تأكيد لن تأتي هذه المحاولة بنتيجة لفائدة الجزائر
. بعبارة أخرى يمكن للجزائر أن تضايق الموقف المغربي، وتجعله يدفع ثمنا أكبر من أجل الحصول على أهدافه، وبكل تأكيد لن تستفيد هي من ذلك الثمن. فغضبة الجزائر فرقعة جديدة، يجب أن نرصدها بسكينة، مثلما فعلنا دائما، في انتظار عودة الوجدان المغاربي إلى نصابه.
في متم أكتوبر وبداية نوفمبر
1975، كان وفد جزائري كثيف برئاسة وزير الداخلية عبد الغني، قد رابط بالعاصمة الإسبانية، من أجل التشويش على المباحثات التي كانت جارية مع المغرب وموريتانيا، وكان في جعبة الوفد ما لا حد له من الإغراءات. وقد روى أندري لوين، الناطق باسم الأمم المتحدة إذ ذاك، ومبعوث الأمين العام فالدهايم إلى مدريد في تلك الأيام بالذات، أن سفير الجزائر هناك دعاه لمأدبة عنده، بمحضر أعضاء الوفد المشار إليه، ليبين له أن الحوار جار بين الجزائر وإسبانيا. وبعد العشاء ، دعاه إلى قاعة أخرى حيث كان هناك وفد صحراوي يتألف من ستة أشخاص، بعضهم أعضاء في الكورطيس ( البرلمان الإسباني ) ليتأكد المبعوث الأممي بنفسه من أن الجزائر ماسكة بكل أطراف اللعبة. وقد ورد ذكر هذا الفصل في شهادة كتبها الديبلوماسي الأممي ونشرت في 1990. ولكن الذي حدث في تلك الأيام الحاسمة هو أن الحكومة الإسبانية فضلت، لأسباب واقعية، التفاهم مع الرباط، وصرفت النظر عن الضغوط الشديدة التي تعرضت لها من قبل الجزائر. كانت تلك الضغوط كثيفة وملحة وحينما أدركت الجزائر أن الأمور تهرب من السيطرة، أذاعت الخارجية الجزائرية، وكان على رأسها السيد بوتفليقة ، بلاغا حانقا ( المجاهد 3/11/1975) جاء فيه –أن الجزائر تعتبر نفسها معنية ومتأثرة interéssée affectée et ، أكثر من أي وقت مضى، بمسألة تصفية الاستعمار في الصحراء. . . وهي تنبه إلى أنها لن تقبل أن يتم قرب حدودها إحداث حالة على أساس الأمر الواقع-.
وفي
12/11/75 نشرت صحف مدريد أن سفير إسبانيا في الجزائر قد حل بالعاصمة الإسبانية حاملا رسالة عاجلة من الرئيس بومدين إلى رئيس الحكومة الإسبانية آرياس نافارو، تتعلق بسير الأمور. أي حاملة لإنذارات مشددة، والحال أن المفاوضات مع المغرب كانت قد تقدمت كثيرا، لتسفر بعد أيام، عن اتفاق 75/11/15 ,
مثل هذا يحدث الآن من جديد
. فقد تحركت آلة الضغط ابتداء من بلاغ الخارجية الجزائرية ( « الوطن-21/7/04 ) الذي هاجمت فيه –بعض الشخصيات الحكومية الأجنبية، التي تتعمد الخلط بشأن مسألة الصحراء الغربية لحد اعتبارها خلافا مغربيا جزائريا-. وهذا –الخلط– الذي أدانه البلاغ الطويل للخارجية الجزائرية، نعرف أنه يتكرر منذ سنتين على الأقل، حيث ذكر باول و بيرنز في الجزائر نفسها أنه –على المغرب والجزائر أن يتفاوضا بجد حول مسألة الصحراء-. وهو ما ردده شيراك، وأخذت إسبانيا منذ أبريل تسعى إليه.
وجاءت رسالة الرئيس بوتفليقة بتاريخ
3/8 الموجهة إلى كوفي عنان لتؤكد مبلغ ضيق الجزائر من احتمال بحث الأمم المتحدة عن مقاربة جديدة للتخلص من ملف يثقل كاهل المنظمة بدون طائل. وكانت الرسالة في منتهى الشدة، وصلت إلى حد اعتبار المغرب دولة مستعمرة. ولتأكيد الرغبة في التصعيد نظم –أسبوع تضامني مع الجمهورية الصحراوية–، حفل بطقوس طريفة منها استدعاء فخامة الرئيس محمد عبد العزيز لزيارة العاصمة الجزائرية، فضلا عن التعبير بكرم زائد عن مشاعر دفينة إزاء المغرب الشقيق.
ولنا أن نتصور أن الغضب الجزائري سيزداد تأججا، لأن المغرب أخذ من اهتمام الأطراف الدولية قسطا كبيرا، وسجل عدة نقط لصالحه، بالتسليم له بأن مقترح بيكر لا يمكن أن يتم فرضه، وبتكرار الدعوة مرة تلو الأخرى، إلى تصفية المشكلة فيما بين المغرب والجزائر
. وبالإضافة إلى ذلك لا يتوانى المجتمع الدولي (اجتماع الثمانية واجتماع الحلف الأطلسي في اسطنبول . وكذا في الاتحاد الأوربي) عن تقديم المغرب كمثال للتطور السياسي. وفي المدة الأخيرة أعلنت الولايات المتحدة تصنيف المغرب كدولة حليفة من بين الدول غير المنتمية إلى الحلف الأطلسي. وأجريت في مياهه الإقليمية مناورة بحرية بمشاركة 12 دولة، تضمنت تمرينات على كيفية التصدي بكيفية مشتركة لمواجهة هجوم مفترض يقوم به متطرفون على نظام ضعيف في الساحل الأطلسي.( يقرأ : جمهورية صحراوية مفترضة).
على إيقاع هذه الأحداث، كان الغيظ الجزائري يتجمع وانفجر في فرقعات ستتلوها أخرى، لأن الجزائر الآن كما في خريف
1975، ستتحرك ضد تشكل –أي حالة تمثل أمرا واقعا بجانب حدودها-. التسابق الذي حدث في خريف 75 في مدريد، قصد التشويش على الموقف المغربي، يتجدد اليوم في شكل تسابق على أبواب البيت الأبيض، لترويج فكرة يعمل على ترويجها لوبي يتحرك بميزانية سخية، مفادها أنه إذا كان هناك من شريك جدير في المنطقة فهي الجزائر، لا المغرب.
كانت جزائر الستينات تسعى لتنصيب نفسها يابان شمال إفريقيا
. وفي السبعينات بذلت ما وسعها الجهد لكي تقيم في المنطقة –توازنا– يكون في صالحها. ولما انفلتت من أيديها خيوط ملف الصحراء، وتمكن المغرب من تحرير أرضه، بذلت ومازالت، كل الجهود من أجل إبقاء الملف مفتوحا لإشغال المغرب واستنزافه. والآن وقد عادت إلى المجتمع الدولي بعد العشرية العصيبة التي اجتازتها، هاهي منشغلة باكتساب موقع في المشهد الإقليمي يمنحها الصدارة. نعم الصدارة لها ولا لغيرها. ويقوم الخطاب الجزائري على ثلاثة أمور. أولها مغالطة تدورحول أن الجزائر هي –البقرة الحلوب– للمغرب العربي. وهذه المغالطة تتكرر في الخطاب الرسمي والإعلامي، بكيفية تفيد عدم إدراك أن الجزائر رغم مداخيلها من النفط والغاز، هي مصنفة في عداد كوكبة من 83 دولة متوسطة الحال، من حيث مؤشرات التنمية البشرية. نعم ،إنها أفضل موقعا من المغرب مثلا ( الجزائر 108 المغرب 125) ، ولكنها تتفوق عليه من حيث عدد السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر. ( الجزائريون الذين يعيشون بدولارين في اليوم 15.1 % والمغاربة من نفس الفئة 14.3% ).
الأمر الثاني الذي يقوم عليه الخطاب الجزائري، هو وهم يصور لها أنها وحدها الأحق بأن تكون المخاطب في شؤون المنطقة
. فالصفقات السياسية والاقتصادية يجب أن تتم معها. و يعزز تعللها بهذا الوهم، أنها تتوفر على احتياطي هام من النفط والغاز، مما يجعلها جديرة بأن تكون الشريك الأول للأميركيين والأوربيين. ولا شك أن ثروتها الطاقية معطى له اعتبار. ولكن لسبب ما كانت قدرتها على الاستيراد محدودة في 17 % من دخلها الوطني الخام، بينما تمثل الواردات 43% و 32 % من الدخل الوطني الخام في كل من تونس والمغرب، كما سجل أحد الباحثين الإسبان. -Inigo Moré/ Mercados Emergentes).
الأمر الثالث هوس بتقديم المغرب في أسوأ صورة، بكيفية تضيع العديد من الفرص التي يمكن أن تتحقق فيها الفائدة المشتركة للبلدين
. وهكذا يحذف تماما من جدول الأعمال الجزائري التفكير في المغرب كشريك. وبسبب هذا الهوس، لا تفهم الجزائر مبادرات المغرب على حقيقتها. ولا يتساءل أحد، من اصحاب القرار فيها منذ ما يزيد على ثلاثين سنة، لماذا يتمكن المغرب من التغلب على أزماته وهي عديدة، ويخرج من الورطات التي تضعه فيها الظرفية العالمية وأخطاؤه، بأقل كثيرا من الأضرار التي تتعرض لها الجزائر.
ومن جراء كل هذا، لا تفلح الجزائر في النظر بواقعية وعقلانية إلى مسألة الصحراء، إذ تتضافر المغالطة، والوهم، والهوس، على خلق ميتولوجيا يظهر أنه لم يحن الأوان بعد لإدراك أن زمن صلاحيتها كان محدودا، والآن قد أصبح متجاوزا
1 Comment
لسلام عليكم اخواننا في المغرب ان سمحت لي ان اقدم رايا في هذه القضية و بدون اطالة :ان الخلاف الحاصل الان بين الجزائر والمغرب ما هوالا خلاف بين تيارين متنافرين في بلد واحد لان قرابة الجزائر والمغرب اكبر من قرابة الاروبيين فكلا النضامين سواء