2005/05/31

باريس القدس العربي ـ من عبدالإله الصالحي

:

بتعيين الرئيس الفرنسي جاك شيراك دومينيك دوفيلبان رئيسا للوزراء، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية يتبوأ شاعر منصب رئيس الوزراء، ثاني أهم منصب في الهرم السياسي الفرنسي بعد منصب رئيس الدولة

.

وُلد دومينيك دوفيلبان في العاصمة المغربية الرباط عام 1953 وقضي فيها سنوات طفولته الأولي. تخرج في نهاية السبعينات من المعهد الوطني للإدارة، وهو المعهد الذي تتخرج منه النخبة السياسية والاقتصادية الفرنسية

.

دومينيك دوفيلبان شاعر وكاتب متمرس وقد أصدر حتي الآن ثلاث مجموعات شعرية ودراستين متميزتين مزج فيهما بين الشعر والتأمل الفكري. وحتي الآن صدرت له مجموعتان شعريتان بالعربية. الأولي جاءت تحت عنوان استعجال الشعر عن دار توبقال من ترجمة الشاعر المغربي محمد بنيس وأخري تحت عنوان الأرض الملتهبة عن دار النهار من ترجمة الشاعر أدونيس بالإضافة إلي دراسة تحت عنوان سمك القرش والنورس البحري صدرت الشهر الماضي عن المجلس الوطني للثقافة في قطر من ترجمة هاشم صالح

.

وإذا كان اسم دوفيلبان معروفا لدي المثقفين والكتاب والشعراء العرب فلأنه مرتبط بصداقات عميقة مع أبرزهم مثل محمود درويش ومحمد بنيس وأدونيس الذي نظم له خلال أيام الحرب الأولي ضد العراق سهرة عشاء جمعته مع مجموعة مختارة من الكتاب والمبدعين العرب في إحد المطاعم الباريسة حضره كاتب هذه السطور. وكان هذا اللقاء الحميم والمفتوح، الذي حضرته زوجته إلي جانبه، مناسبة ليعبر فيها دوفيلبان عن ولعه بالثقافة العربية الكلاسيكية والمعاصرة علي السواء ويشرح تفهمه للواقع العربي وأزماته من العراق إلي فلسطين

.

ويتذكر الحاضرون في تلك الأمسية حتي الآن كيف كان دوفيلبان يتحدث ويجيب عن الأسئلة ويحاور بأريحية وقلب مفتوح وبأسلوب لا علاقة له بالبيانات الرسمية ولغة السياسة الخشبية. وحينما سُئل عن كيفية جمعه بين أخلاقية الشاعر واكراهات السياسة أصر علي أن السياسة فن وليست فقط حزمة من القواعد النظرية أو الميدانية، وأن فشل السياسيين في تحقيق العدل ونشر ثقافة السلام في العالم يعود تحديدا إلي غياب البعد الإنساني والأخلاقي الذي بدونهما تصير السياسة مجرد حيل ومرواغات هدفها تحقيق المنافع والمصالح بكل الوسائل الممكنة. وكان من ضمن ما قاله إن العراق أو فلسطين أو مصر أو الجزائر هي دول أجنبية وغريبة في منظار العقلية الأمريكية في حين أننا في أوروبا وتحديدا في فرنسا نري في هذه الدول جيرانا، بالمعني الثقافي العميق للكلمة، ومن هنا حرصُ فرنسا علي مسؤولية أخلاقية تجاه العالم العربي… إن العالم العربي يمر بأزمة خانقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلينا مَدُّ يد المساعدة لشعوبه ونخبه كي تذهب في اتجاه مستقبل أفضل وتجد مكانها اللائق في المشهد الحضاري العالمي…إن أمريكا خائفة ومذعورة من العرب والمسلمين والخوف هو محرك سياستها الحالية. و ليس هناك أفظع من سياسة يمليها الذعر والخوف. لهذا تلجأ أمريكا إلي سياسة القوة لتطرد عنها هذا الخوف وتبرهن لنفسها وللعالم أجمع أنها أكبر قوة في العالم. لكنني ألفت الانتباه هنا إلي أن أمريكا غارقة حاليا في نشوة إمبراطورية نرجسية أمام مشهد تفوقها التكنولوجي ولربما هنا تكمن نقطة ضعفها أيضا

.

مباشرة بعد تعيينه أمس رئيسا للحكومة تعالت بعض الأصوات مستنكرة هذا التعيين ذلك أن دوفيلبان له خصوم كثر بعضهم من عائلته السياسية وأكثر الانتقادات انصبت علي كون دوفيلبان غير منتخب من طرف الشعب، فالرجل، وهذه نقطة ضعفه وربما ميزته أيضا، لم يتقدم إلي أي انتخابات شعبية، بلدية كانت أم تشريعية. كما أن كونه كاتبا وشاعرا مسألة تثير حنق الكثير من خصومه الذين يعتبرونه ارستقراطيا متعجرفا

.

يبقي أن عرب فرنسا ينظرون بعين الرضي لهذا الرجل الذي يعرف العالم العربي وثقافاته أكثر من أي سياسي فرنسي آخر هو المغربي المولد الذي قرأ كل أشعار درويش وأدونيس المترجمة والذي يعشق تناول طبق الكسكس المغربي مرة كل أسبوع علي الأقل

.

عن القدس العربي