بوتفليقة والحنين لسياسة زرع القنابل
الطيب المصباحي
لقد سبق لنا القول من هذا المنبر أن موقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من مسألة استكمال وحدتنا الترابية لاتخضع لمنطق المعطيات التاريخية والقانونية والدينية كما لاتخضع أيضا للمصالح المشتركة الحاضرة والمستقبلة، بل تختزل أولا وقبل في رهان قار لاتزيده الايام إلا استقرارا والتصاقا بشخص وضمير حاكم قصر المرادية بالجزائر ويتلخص في أن العراك سينتهي بفوز الجزائر بالضربة القاضية ويعتمد هذا الرهان في الظرف الراهن على الاعتقاد السائد بأن الجزائر القوية بغازها ونفطها ونفوذها الديبلوماسي العربي والافريقي والعالمي والاجراءات الانتقالية والترتيبية والتنظيمية التي يشهدها العالم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ستمكنها من تمرير الحل الوحيد والاوحد الذي يتجاوب مع مصالحها في قضية الصحراء المغربية وهو انفصال هذا الجزء من ترابنا الوطني عن المملكة المغربية
وعلى ضوء هذا الرهان تتحدد وتيرة تطورات الموقف الجزائري هبوطاً وتصعيداً، توددا وتشنجا باتجاه المغرب ونظرا لخطورة هذا النهج، كنا قد نبهنا إلى مخاطر استراتيجية التخدير التي استهدفت بعض منابرنا الاعلامية التي بدت وكأنها تسوق بحسن نية لدعاة أطروحة الانفصال في حين طلعت أوساط المجتمع المدني بتخريجة بدت وكأنها تمتلك حلا سحريا يطوي ملف الصحراء بمجرد فتح قنوات الاتصال مع عناصر البوليساريو متناسية أن مفتاح هذا الملف يوجد أولا وأخيرا بين أيدي قادة الجزائر وفاتهم جميعا أن هؤلاء القادة عقدوا العزم، استجابة لتطلعات وتوازنات داخلية، على ابتزاز المغرب وارتهان المنطقة المغاربية ككل واليوم لايسعنا إلا أن نحذر، في ضوء تصريحات الرئيس الجزائري الجديدة، من استراتيجية الاستدراج التي ينهجها نحو بلدنا وبهذا الصدد يجب أن نعترف صراحة أن المواقف الفولاذية لهذا الرجل في هذا الموضوع والمعلنة في كل الاوساط لايمكن أن يستشف منها أي تنازل لفائدة المغرب بل إنها تنخرط كلها في معزوفة انفصال الصحراء عن المغرب تحت غطاء شعار تقرير المصير لذلك نراه يعد العدة لبلوغ هذا الهدف بكل الوسائل فسياسته الممنهجة لشراء الاسلحة، وحركته الديبلوماسية المحمومة، وارتفاع المداخيل التي ترتبت عن ارتفاع أثمان النفط في السوق العالمية، والعودة الطنانة لمسرح السياسة الدولية كلها عوامل تستقوي بها الجزائر المنتشية بانتصاراتها على جبهات الحرب على الارهاب من جهة والاستحقاقات الانتخابية، لتحصين الموقع التفاوضي أو الديبلوماسي لصالح جبهة البوليساريو أي الموقع الذي يصب في تقوية المصالح الجزائرية وفي هذا الاطار سنكون مخطئين إذا اعتقدنا أن هم بناء وحدة المغرب العربي وفتح الحدود ومواجهة تحديات الغزو الصيني لمنتوجاتنا المغاربية والمفاوضات مع الاتحاد الاوربي الذي يستحوذ على عقولنا هو نفس الهم الذي »يؤرق« بال حكام الجزائر إن أسبقية الاسبقيات الموجودة على رأس جدول أعمالهم قد أعطيت بلا رجعة لتحقيق المآرب الاستراتيجية للسياسة الجزائرية انطلاقا من وضع اليد على هذا الجزء من ترابنا الغالي إلى محاولة احتواء المغرب غربا وجنوبا وبسط النفوذ على موريتانيا والسنغال والتموقع كمحاور له الكلمة العليا بالنسبة لإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية لقد لاذ الرئيس الجزائري بالصمت في موضوع الصحراء وهو يحضر لاستقبال القمة العربية وتفنن في إظهار مظاهر الليونة والتقارب والود نحو بلدنا لأن الهدف الذي كان نصب عينيه هو إنجاح قمة الجزائر التي لم تكن على استعداد لتقبل فشلها ورغم قصر المدة التي تفصلنا عن مؤتمر القمة العربي، هاهو اليوم يقرر السباحة في الاتجاه المعاكس غير مكترث بمصير قمة البلدان المغاربية، أيام معدودات قبل افتتاحها ولاتدخل بالطبع طلعاته الاعلامية هذه فقط، في سياسة الحنين لزرع القنابل في طريق القمة المغاربية، إنما هي أبعد من ذلك بكثير، باعتبارها رسائل مفخخة وموجهة بصفة خاصة للمغرب وليبيا في آن واحد وتقول هذه الرسائل بصريح العبارة إن انطلاقة قطار وحدة المغرب العربي لايمكن أن يحدث دون أن تكون الجزائر هي المتحكمة في قيادته في كافة محطاته، خصوصا وأنها تدرك أن قناعة بلدان المغرب العربي الاربعة في ضرورة انطلاقة هذا القطار أصبحت غير قابلة للانتظار والسبب يتجلى في كون الرئيس بوتفليقة يجد نفسه أمام اختيارين لا ثالث لهما
إما ركوب هذا القطار بحيث سيكون من الصعب عليه سياسيا وأخلاقيا أن يعمل على تعطيل محركاته وإما العمل على تفخيخ هذه المحركات كي لايتحرك القطار أبدا وقد جنح إلى اختيار هذا الحل الثاني عملا بقاعدة المصيبة إذا عمت هانت هناك ثلاثة مؤشرات، فضلا على ماقيل، تفسر الموقف الجزائري من القمة المغاربية التي كان عليها أن تلتئم بعد أكثر من 11 سنة من الجمود أولا إن مواقف الرئيس الليبي واختياراته الافريقية والمغاربية، وإن كانت قابلة للتغيير في كل لحظة، فإنها تبقى مع ذلك لصالح مشروع بناء اتحاد المغرب العربي، ويأمل العقيد القذافي في استغلال بداية مسلسل هذا البناء انطلاقا من ليبيا، ليتبوأ مكانة أرقى وموقعا أفضل في مجال السياسة الدولية وبالحسابات التكتيكية السياسية والدبلوماسية، لايستسيغ الرئيس الجزائري الذي فشل في عقد هذه القمة في بلاده تقديم هدية من هذا الحجم للرئيس الليبي ثانيا إن تعيين الدكتور البجاوي وزيرا للخارجية في الجزائر، وهو الرجل المعروف بمواقفه العدائية السياسية والديبلوماسية والقانونية لموقف المغرب من استكمال وحدته الترابية، يحتوي على إشارة صارخة تفيد أن النهج الجديد للديبلوماسية الجزائرية هو العودة بالعلاقة المغربية الجزائرية إلى مربع الخلافات الماضية والحاضرة، عاجزة عن اختراق العقبات واستشفاف آفاق المستقبل المغاربي ثالثا إن الوضع السياسي في الجزائر رغم الانتخابات التي فاز فيها الرئيس الجزائري لازال مطبوعا بهشاشة ترجع إلى تركيبة النظام العسكرية والمنافسة على مواقع القرار والاستفادة من الموارد النفطية واعتبارا لهذه الهشاشة الحقيقية فإن التئام القيادة الجزائرية رئيسا ومراكز نفوذ حول موضوع تأزيم العلاقة مع المغرب تبقى هي القاسم المشترك الموحد لأطراف هذه القيادة رغم ان الشعب الجزائري ونخبه تتطلع الى علاقات أفضل مع بلادنا لقد قلنا في ماسبق أنه يتحتم على المغرب أن يستعد دائما للأسوء من جانب النظام الجزائري مادام الرئيس بوتفليقة متربعا على دفة الحكم فيه إن الرؤيا التي تستحوذ على تفكير هذا الرجل ترجع ولادتها إلى فترة تاريخية معقدة ومفخخة بمكائد حرب التحرير وحرب الصحراء الشرقية وحرب الصحراء الغربية والحرب الباردة والحرب الاهلية وحرب المواقع التي تخوضها الجزائر على أكثر من صعيد في المنطقة المغاربية والافريقية والاوربية والعالمية ومن هنا تكون إمكانية الوفاق أو التوافق مع عقلية شربت من معين مدارس التحارب والتناحر والانقالبية، بعيدة المنال إذا لم نقل مستحيلة التحقيق في ظل اختيارات هذا الرئيس لذلك فإن المغرب وهو يستعد لكل الاحتمالات أن يدرك أن الفصل في قضية الصحراء يتوقف على حصيلة موازين القوى بيننا وبين الجزائر في السنوات القادمة على الصعيد الاقتصادي والديبلوماسي والسياسي تلك هي العناوين التي يجب أن نضعها نصب أعيننا والعمل على تفعيلها وتحقيقها بكل الوسائل وهي الطريق لبناء اتحاد المغرب العربي تكون السيادة فيه للقانون وللديمقراطية ولحقوق الانسان وسيكون الرهان على تركيع المغرب رهانا فاشلا إذا تعبأ شعب المسيرة وقواه الديمقراطية والوطنية وراء صاحب الجلالة وقرر تحقيق معجزة أخرى من نوع معجزة المسيرة التي استطاعت أن تفشل مؤامرة فرانكو وتواطأ قادة الجزائر ومن بينهم الرئيس بوتفليقة آنذاك
عن جريدة : العلم
Aucun commentaire