Home»Correspondants»مهزلة فكرية في جنيف .. دعوة لوقف العمل بالحدود في الإسلام!! – بقلم ذ. ياسر الزعاترة

مهزلة فكرية في جنيف .. دعوة لوقف العمل بالحدود في الإسلام!! – بقلم ذ. ياسر الزعاترة

0
Shares
PinterestGoogle+

من حق الدكتور طارق رمضان أن يسوق نفسه في الأوساط الغربية بالطريقة التي تحلو له، لكن قيامه بذلك على حساب قيم الإسلام وشريعته الغراء هو من الخطورة بحيث لا يمكن السكوت عليه، مع أننا ندرك أنها من الرسوخ بحيث لا يمكن أن تؤثر فيها دعوة بائسة تصدر من هنا أو هناك.

نقول ذلك على خلفية الدعوة التي أطلقها الدكتور طارق رمضان يوم الأربعاء (30/3) خلال مؤتمر صحفي في سويسرا، وخلاصتها « تعليق العمل بمبدأ العقوبات الجسدية وعقوبة الرجم، وحكم الإعدام في العالم الإسلامي ».

لسنا نشكك في طارق رمضان، لكننا ندرك بالمقابل أن الخوف والمصلحة هما ما يحفزان الرجال على اتخاذ هذا الموقف أو ذاك، كما يقول أرسطو، وفيما يتعرض الرجل إلى حملة من أوساط يمينية وصهيونية في الولايات المتحدة ة والغرب فإن استيعابها كان يمكن أن يأتي عن طريق مواقف سياسية أكثر تصالحاً مع الدولة العبرية، كما يفضل الصهاينة عموماً، فيما يقول المنطق الإسلامي إن عليه أن يصبر ويواصل النضال أو ينزوي بعيداً فتنتهي الحملة ضده، أما أن يأتي « تراجعه المنظم » على حساب شريعة الإسلام فلا يمكن أن يكون مقبولاً ولا منطقياً.

لعل أسوأ ما في معركة طارق رمضان الجديدة هي أنها معركة دون كيشوتية، أي أنها ضد عدو وهمي، إذ يعلم الجميع أن أحداً في العالم الإسلامي باستثناءات محدودة في المملكة العربية السعودية، يطبق العقوبات الجسدية التي نص عليها القرآن الكريم، أو السنة النبوية، اللهم باستثناء حكم الإعدام الذي لا يبدو حكراً على العالم الإسلامي، إذ يطبق أيضاً في الولايات المتحدة والنسبة الأكبر من دول العالم ما خلا دول الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن قدراً من التأثر بالغرب والانبهار بتجربته يقف خلف الدعوة الجديدة، وإلا فكيف يمكن تفسير هذا النزوع نحو التصادم مع نص قرآني صريح يقول « ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب »، تؤكده نصوص أخرى واضحة لعقوبات بعينها، فيما لم يتجرأ أحد ينتمي صراحة إلى أمة الإسلام على الدخول في تناقض مع مسائل كهذه تثمنها التجربة الإنسانية، لاسيما حين تؤخذ في إطار أبعادها الجماعية بعيداً عن تقديس الفرد كما هو سائد في الفكر الغربي الرأسمالي. أما استشهاد رمضان بموقف عمر بن الخطاب من حد السرقة في عام المجاعة فلا قيمة له، لأن الخليفة الراشد لم يلغ الحكم بل علقه، ولسبب واضح ومقنع، ويبقى أن التعليق لم يشمل سوى حد واحد لا كل الحدود.

من المؤكد أن القصاص هو الذي يصنع حياة المجتمع الآمنة بدءً بتجلياته الأولية من حيث عقوبة الأب لابنه المذنب، مروراً بعقوبة القائمين على الأمر على من يعتدي على سواه من الناس، وليس انتهاءً بالقصاص ممن ينتهك حرمة المجتمع على نحو سافر، وهذه الأخيرة هي الأكثر أهمية لأنها المتعلقة بالأمن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.

لقد وضع الشارع الكريم أسساً مهمة للقصاص في الإسلام تقوم إلا على قاعدة الدفاع عن المجتمع في مواجهة من يريدون تحديه والاعتداء عليه، ذلك أن أحداً لا يمكنه منع الزنا أو شرب الخمر في الدوائر المغلقة، لكن العقوبة تغدو ضرورية على من ينتهكون حرمة المجتمع ويتحدونه في وضح النهار, ولو تأملنا شروط حد الزنا، من حيث توفر الشهود الأربعة العدول الذين يرون الجريمة بتفاصيلها الدقيقة، لما وجدنا أن القصد هو الزاني المستتر، وإنما ذلك الذي قرر الدخول في عملية تحد مقصودة لقيم المجتمع.

الحدود في الإسلام هي الوصفة الربانية لحماية المجتمع المسلم من الفوضى وغياب الأمن بمعناه الشامل، ولو جشم « المفكر الكبير » نفسه عناء الدخول إلى بعض المواقع وقرأ عن سجون الولايات المتحدة وكيف تتحول إلى مدارس للإجرام والشذوذ والاتجار بالمخدرات، الأمر الذي يتكرر حتى في عالمنا العربي والإسلامي لأدرك أن الحدود أفضل مليون مرة، ثم ألا يرى فضية الأستاذ أن في ما فعل تشكيك بصلاحية هذا الدين وهذه الشريعة لكل زمان ومكان، وهي المقولة التي ترددها الأمة منذ قرون دون كلل أو ملل؟!

لعل أسوأ ما في دعوة رمضان، إلى جانب عبثية توقيتها، هو تجاوزها لكل الحدود في تغريب الرسالة الإسلامية، وإلا فما معنى أن يقول ما نصه: « من الضروري أن يرفض المسلمون في كل أنحاء العالم التشريع الأصولي المصدر لتعاليم دينهم، وأن يستوعبوا جوهر الرسالة الإسلامية التي تحضهم على الروحانية وتتطلب المعرفة والعدل واحترام التعددية ».

هل هي دعوة إلى إسلام مسيحي أو لعله إسلام علماني، « ما لقيصر لقيصر وما لله لله »؟ أظن أن تلك هي الحقيقة وإن لم يقل مولانا رمضان ذلك!!

إنها دعوة للتخلي عن الشريعة برمتها، وهي دعوة بالغة الخطورة لا يمكن السكوت عليها، فضلاً عن القبول بها، وهي في كل الأحوال تعبر عن جهل مفرط بجوهر الرسالة الإسلامية التي يزعم صاحب الدعوة التمسك بها، لأن الإسلام عقيدة وشريعة ولا يمكن لهما أن ينفصلا عن بعضهما البعض، ورب العزة يقول « واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك »، ويقول « أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ».

خلاصة القول أننا إزاء دعوة بائسة تعبر عن فهم قاصر للإسلام، إذا أحسنا الظن، أو تعبر عن نوازع شخصية بصرف النظر عن طبيعتها إذا أسأنا الظن. ومن أسف أن تصدر عن رجل كان أولى به أن يبشر بالإسلام الحقيقي الذي يحتاجه الغرب اليوم، لكن الذين لا يرون من الغرب إلا تعدديته الظاهرية، من دون الإدراك الحقيقي للأبعاد الأخرى في منظومته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن يكونوا قادرين على تمثيل رسالة بمستوى عظمة الرسالة الإسلامية، وتلك للأسف هي أزمة الإسلام في زماننا هذا.

ياسر الزعاترة

عن جريدة : التجديد

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *