ما بعد
الرحلة—كان يئن بصوت منخفض وسط قاعة مجهزة بأحدث الآلات الطبية . طبيبة وممرضة
واقفتين على سريره .أمي أريد أمي حالا.كان هو المريض الوحيد المتواجد بالقاعة ..بعد
لحضات وصلت ممرضة تتكلم اللغة العربية .ما بك تسأله لا اتدكر أين أنا؟ أنت في
مستشفى بالجزيرة الخضراء أين هم  أصدقائي؟  أصدقاؤك رحلوا.أريد أمي ,
أمي …يتألم ثم يغيب فجأة فتأمر الطبية بحقنه في قنينة السيروم .يدا يسترجع
عافيته من جديد . بعد مرور عدة أيام تأمر الطبية الممرضة بإخراجه من قاعة العناية
المركزة. وينقل إلى قاعة أخرى في نفس الجناح تحت المراقبة.كانت غاية في النظافة
والممرضات في أحسن صورة الأناقة الجمال والابتسامة لا تفارقهن . رائحة طيبة ممزوجة
برائحة المسك المتواجد بالحديقة المجاورة.يسال جاره المريض بجانبه أين نحن  ؟ فيرد عليه بلغة لايفهما.تتقدم حوله الممرضة
وهي تحمل في يدها  استمارة لتحديد المعلومات
الأسئلة كانت مختصرة ما اسمك ؟ من أين أتيت ؟عنوانك ؟ فيسألها مرة أخرى أين أنا
أين أمي ؟…فتطمئنه بصوت ملائكي  ستخرج من
هدا المستشفى وتتجه مباشرة إلى أمك . آه كيف أقابلها وأنا قد سرقت مالها الذي
ورثته عن جدي رحمه الله. وأعطيته ببرودة  للحراك كي أصل إلى ما وراء البحر.كانت رحلة حافلة بالمخاطر لقد ذهبنا في
اتجاه الشرق لمدة ليلة كاملة, كان سائق القارب هو من يوجهه , ثم عاد من جديد في
اتجاه الشمال هدا ما كان يقول أما أنا فكنت صامتا في القارب الصغير الغاص بالناس. يسبر
في موج كالجبال وكل مرة يسكت المحرك حتى لا نكتشف من طرف حراس السواحل .كان يغطينا
بجلد ازرق حتى يصرف أنظار الحراس . يرن الهاتف أين أنت ؟ أنا وسط البحر. الم تصل
بعد ؟ لا هل يمكنك تحديد الموقع يلتفت إلى سائق القارب أين نحن لا يرد عليه .يرد
هو لا ادري على مخاطبه  إننا بين السماء
والبحر والأمواج الغاضبة  .

فجأة تنقطع
المكالمة ويبدأ في جدال عقيم لمادا قررت بان تلقي بنا إلى الحيتان ألا تخاف الله.؟
يا أخي أنت تنظر مصيرنا واحد لقد قطعت بهدا القارب العديد من المرات. لكن اليوم
حدث ما لم يكن في الحسبان ربما البنزين كان مغشوشا لا ادري. وفجأة سكت المحرك مرة أخرى
عن الدوران وتوقفت نبضة قلوب من كانوا في الرحلة وكل واحد يصيح صيحة قوية. منا من
تذكر أبناءه,  منا من تدرك عائلته. أما أنا
فخلفت من ورائي أمي الوحيدة بعدما اخدت منها ما كانت تملك من اجل الوصول إلى الضفة
الأخرى. لكنها كانت أسوء رحلة أتمنى أن تغفر لي أمي خطيئتي. لن أفكر في الابتعاد
عنها ولو لحضه واحد سأعود إلى عملي وسار دلها الصاع صاعين بادن الله… .الحمد لله
على السلامة أما المرفقين فإنهم في عداد الموتى. ومنهم من لا يحمل معه بطاقة
التعريف والكثير منهم نهشته الحيتان. سترجع من حيث أتيت. ولا تكررها مرة أخرى .أبدا
لن أكررها يا سيدي يرد على الشخص المكلف بالمحضر . وأنت هل ستكررها  نعم وببرودة دم سأكررها مرة أخرى- اما ربحة ولا
دبحة -.فعاد بعد شفائه مكسور الخاطر بعدما وجد أمه قد وفتها المنية بعد وصول خبر
غرق القارب الذي كان يقلهم إلى الضفة الأخرى. تمنى أن يعيش في البطالة المقنعة ولا
يخاطر بحاله بكي بكاء شديد في وقت لم ينفع معه الندم.