قصة قصيرة / رحلـــة
09/03/2009
قصة قصيرة « رحلة «
ذ. محمد مباركي
يتمايل القارب بعنف شديد كالقشة، تتلاعب به أمواج » المتوسط » الجائعة ،يحمل كائنات تسمى بشرا ، بيض و سود ، ذكور و إناث ، مكدسة كأعواد الثقاب ، شاخصة أبصارها إلى الأفق البعيد ، رعب و أنين و صراخ و قيئ و عويل . و الموج يزداد جنونا كالطود في تعنت ، تزداد معه خفة القارب ومن فيه ، أيام من التيه فوق الماء ، و الجوع و العطش جباران ينهشان الأمعاء ، و الوطن طيف كريه بعيد مسافة و صورة و فكرا .. « أين نحن يا قائد المركب الملعون ؟ » فيرد ردا تكرر حتى عاد بلا معنى » تائهون ننتظر » ، » ننتظر من ؟ » خفر السواحل ؟ سفينة بضائع ؟ يخت ملكي ؟ مروحية ؟
بدا لهم قائد المركب كإبليس اللعين. كان قائدا مغوارا في بداية الرحلة ، يأمر و ينهى و يسب و يلعن ،
و الكل مطأطئ الرأس مطيع ، و ها هو يخنس حقيرا كالجفل، أصبح واحدا منهم بلا حول، لما صمت هدير المحرك .. بصقوا عليه واحدا واحدا ،فلم يرد ، و انكمش على نفسه كالهر ، فصرخوا فيه « كيف تبحر بنا بمحرك تعرف أنه سيتعطل ؟ » أقسم بكل الأيمان الغليظة أنه لم يكن يعرف ، فلم يصدقوه .
تعطل محرك القارب سويعات بعد الإبحار فقط ، حاول إصلاحه تحت نظرات الجميع الصامتة المرعوبة من هول ما سيقع ، لكن دون جدوى .
قال أحدهم بجنون « بقينا هنا » و قال آخر » انتهت الرحلة و كفى » و تعالت الحناجر بالصراخ و السخط على صاحب المركب ، ليرد هذه المرة بالأمازيغية فلم يفهمه أحد .
و أحمد قابع هناك في مؤخرة المركب ، يتلو آيات من الذكر الحكيم في يقين الزهاد ، و يهمهم بأدعية
لا يسمعها إلا هو، و هذه اليافعة حامل تتوسل إلى بارئها بالخطيئة التي في بطنها تتحرك ، هاربة بها إلى أوطان تعترف مجتمعاتها و قوانينها بالحامل العزباء ، و ذاك صاحب الشهادة العليا يصرخ من أعماقه عن وطن تقيأ شبابه في هذا البحر ، إذ تفنن سمكه في قضم العينين و الأنف و الشفتين للغرقى بالجملة ، وطن يحتفل بالعقائق و الختانات و الأعراس حتى التخمة و لا يناقش كل الميزانيات ، يستقبل السفلة في مهرجانات عروا عن مؤخراتهم في عاصمته ، وطن غنت فيه غجرية من غابات الأرز أربع ساعات أمام جمهور مهزوم أغدق عليها ألف ألف درهم إكرامية بالعملة الصعبة ، وطن تستجوب فيه جريدة صباحية لوطيا ، في أربع حلقات متتالية ، يدعي أنه سيحقق فتحا مبينا ، باستاجار مؤخرته ……….. أهكذا أنت أيها الوطن ؟ .
1 Comment
Karima de Bruxelles,
je te salue pour ces mots qui refletent la pure vérité.
Bravo.