Home»Correspondants»الحرب الوقائية الإسرائيلية على إيران

الحرب الوقائية الإسرائيلية على إيران

0
Shares
PinterestGoogle+

الحرب الوقائية الإسرائيلية على إيران
السيناريوهات والتداعيات المحتملة

محمد بوبوش: باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي-جامعة محمد الخامس-أكدال-الرباط

اعتادت الدول التي تلجأ إلى استعمال العنف في وقت السلم إلى إضفاء طابع المشروعية على أعمالها ارتكازا على الاستثناءات الواردة في مبدأ تحريم القوة في العلاقات الدولية،وبخاصة حالة الدفاع الشرعي الفردي و الجماعي.

بيد أنه إلى جانب هذه التبريرات، تعمد الدول للاستناد إلى الظروف والملابسة وخطورة المواقع وإلى الملابسات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
وهكذا يبدو من العسير التفريق بين الإعلان عن النوايا وبين الأهداف المرسومة، علاوة على الاعتبارات السياسية الخارجية والسياسية القانونية الخارجية التي تنهجها الدولة والتي تتقدم غالبا على التطبيق البحت للقاعدة القانونية المجردة.
فالدفاع الوقائي لا يفترض في حالة الاعتداءات القائمة والأضرار الحاصلة وإنما على العكس من ذلك يستهدف منع الاعتداءات و الأضرار التي يحتمل وقوعها مستقبلا.
وقد ذهب البعض إلى أن سرعة الأسلحة النووية وقوتها التدميرية تجيز ممارسة الدفاع الوقائي لأنه لا يمكن أن نطلب من الدول في عصر الصواريخ والأسلحة الهيدروجينية أن تنتظر وقوع العدوان المسلح عليها حتى يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وأنه بسبب التطور الكبير في التسلح وعدم فعالية نظم الأمن الجماعية المعاصرة،أصبحت فكرة الدفاع الوقائي مشروعة،مقبولة في ممارسة أجهزة الأمم المتحدة إذا توافر فيها شرط اللزوم والتناسب.

وقد ادعت بعض الدول انه يجوز لها ممارسة حق الدفاع الشرعي في حالة وجود تهديد بالعدوان المسلح نفسه، فقد بررت الولايات المتحدة حصارها على كوبا سنة 1962، بالاستناد إلى حق الدفاع الشرعي ضد تهديد بالعدوان، مدعية بأنه في عصر الذرة لا يمكن لدولة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر محدق منتظرة وقوع الاعتداء عليها حتى تباشر عملها الدفاعي.
وقد طبقت نظرية الدفاع الوقائي في مجال الحماية المسلحة للرعايا الموجودين في الخارج، فالدول التي تذرعت بهذا النوع من الحماية لم تكتف بوقوع الاعتداءات أو الأضرار على رعاياها لتبرير عملها المسلح بل بررته أيضا بالأخطار المحتملة. فالوقاية من الأخطار المحتملة كانت بالفعل المبرر المعلن عنه للتدخلات العسكرية الأمريكية في لبنان عام 1958 وفي سان دومينيك عام 1965 وفي غرينادا عام 1983.
وبحسب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، فعندما تنتشر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية مع تكنولوجيا الصواريخ الباليستية فإن الدول الضعيفة والجماعات الصغيرة ستكون لها القدرة الكارثية على ضرب الأمم الكبيرة.
وقد طورت الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية الوقائية الجديدة كبديل لسياسة الردع والاحتواء- وهما أهم سلاحين تقليديين استخدما للمحافظة على السلام بين الدول، واستقرار العلاقات الدولية- اللتان أصبحا لا يجديان نفعا في تأمين أهداف الأمن القومي الأمريكي.
وتفترض الضربات الوقائية التحول من الرد على هجوم فعلي، إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، لا سيما إذا استطاعت أجهزة المخابرات من اكتشاف نوايا مبكرة للخصم لشن عمليات عدائية.

وتختلف الضربات الوقائية عن الضربات الاستباقية في أن الأولى توجه مبكرا عند اكتشاف نوايا بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن نشر وسائل هجومه أم لا. أما الثانية(الضربات الاستباقية) فإنها توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلا في أوضاع هجومية استعدادا لهجوم فعلي.لذلك يجري استباق الخصم بتوجيه ضربة إجهاضية ضد هذه القوات لإفشال هجومها المتوقع. وأكبر مثال على الضربات الوقائية ما زعمته إسرائيل من أن حربها ضد مصر عام 1956 كانت بهدف منع القوات المسلحة المصرية من استيعاب صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها عام 1954، حتى لا تشكل تهديدا ضدها. وكذلك ضرب المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) عام 1981. أما عدوان إسرائيل في يونيو 1967 فقد زعمت إسرائيل أنه ضربة استباقية ضد القوات المصرية التي تم حشدها في سيناء في ماي 1967 لإجهاض هجوم مصري متوقع ضد إسرائيل بعد أن أغلقت مصر مضايق تيران وسحبت قوات البوليس الدولي من سيناء وقطاع غزة.
وإلى جانب نظرية الدفاع الشرعي الوقائي تحاول بعض الدول العودة لمفاهيم القانون الدولي التقليدي التي عفا عنها الزمن كمفهوم حالة الضرورة كظرف مسقط لمسؤولية الدولة المتدخلة،ومفهوم المصالح الحيوية.
ويبدو من الأحداث الأخيرة أن إسرائيل تحاول إعادة إحياء هذه النظرية من جديد وتفعيل مضامينها بسبب تخوفاتها من البرنامج النووي الإيراني.
فقد أمضى القادة الإسرائيليون الأسابيع الماضية وهم يطلقون تصريحات نارية ضد إيران ويهددون باتخاذ عمـل عسكري ضـدها.

بدا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن كمن يعطي إسرائيل ضوءا اخضر كي تهاجم ايران، عندما صرّح لقناة «  »آي بي سي » الأمريكية بأن ادارة الرئيس باراك اوباما لن تقف في وجه قرار إسرائيلي مماثل، واصفا سلوكا عدوانيا من هذا النوع، كفعل من أفعال السيادة تقرره دولة مستقلة بما يخدم مصلحتها، الأمر الذي « حيّر » المراقبين ودفعهم للتساؤل عمّا إذا كانت « حليمة قد عادت لعادتها القديمة في التهديد والوعيد »، سيما وأن حبر خطاب القاهرة التصالحي لم يجف بعد.
بعض المعلقين أدرج تصريحات بايدن في سياق زلة اللسان، مستندا إلى واقعة أنه أدلى بها تحت إلحاح الأسئلة الصحفية التي أُمطر بها، والبعض الآخر رأى فيها تعبير عن « انقسام » حاد داخل البيت الأبيض حول الموقف من إيران أولا، ومن صراعها مع إسرائيل في المقام الثاني، حيث يقف الرئيس ونائبه على ضفتين متقابلتين حيال هذه المسألة، والبعض الثالث رأى أننا أمام لعبة تقاسم أدوار، هدفها توفير أفضل استخدام لتكتيك العصا والجزرة حيال إيران،حيث يتقمص الرئيس بموجب هذا السيناريو دور « الشرطي الجيد » فيما يتولى نائبه القيام بدور « الشرطي السيء ».
وقد تزايد الحديث في الفترة الماضية عن الإجراءات الاستفزازية والتصعيدية من جانب إسرائيل، وهي تنم عن رغبة دفينة وملحّة للتعجيل بالضربة لإيران بغية الحيلولة دون إنتاج طهران قنبلة نووية في غضون عام بحسب ما تزعم الاستخبارات الإسرائيلية، ونظراً لما ينطوي عليه هذا العمل العسكري المحتمل من مخاطر ومحاذير، وما يحفّه من تحديات، عمدت إسرائيل إلى ممارسة ضغوط هائلة على (واشنطن) لحملها على المضيّ قدماً في هذا الدرب بشكل مباشر من خلال الانفراد بتوجيه الضربة العسكرية الإجهاضية للبرنامج النووي الإيراني، أو بالتعاون مع إسرائيل.
وتشير كافة التقديرات إلى أن الخطة تتضمن ضرب المنشآت النووية الإيرانية بضربة جوية، أو ضربة جوية وصاروخية وليست عملية غزو.
وتعددت التقديرات للأهداف المتوقع قصفها في العدوان مابين عشرين هدفاً أحياناً إلى مئتي أو ثلاثمائة هدف، إلى أن وصلت إلى أكثر من ألف هدف تتضمن المواقع النووية الإيرانية، والمواقع العسكرية، والأهداف الاستراتيجية … وغيرها.

إن العمل من أجل إنجاح سيناريو الحل العسكري للبرنامج النووي الإيراني يستلزم تهيئة الرأي العام الدولي، لتنفيذ أعمال عسكرية واسعة النطاق بخسائر بشرية قد تتعدى حدود إيران بما يطال منطقة الشرق الأوسط وحتى منطقة قزوين، وهذا التحضير سيتطلب حزمة من الإجراءات على المستوى الإقليمي والدولي، ولذلك ، يتوقع أن تلجأ (واشنطن) إلى استنفاد الجهود الإيرانية في مسألة العقوبات الاقتصادية وتدريجها من حيث الشدة، لاستغلال هذا الوقت في التحضير للأعمال العسكرية المتوقّعة.
إن أية ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران محدودة أم شاملة، لن تمنع الحرب من التمدُّد في كل الاتجاهات على الرقعة الجيواستراتيجية للشرق الأوسط؛ فالعمليات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية تضع القواعد الجوية يضع العمليات البحرية داخل دائرة الحرب. من هنا، يمكن التكهُن بأن مسرح المواجهة العسكرية سيكون ممتداً من بحر العرب إلى الخليج العربي إلى البحر المتوسط، وهي المناطق التي ستشهد انتشاراً بحرياً لقوات التحالف الأمريكي. أما بريّاً فسيكون مسرح الحرب عبارة عن دائرة مركزها إيران، وتشتمل على مناطق وجود القوات الأمريكية في العراق، وفي أفغانستان، ويمكن أن تتخطاها إلى الدول المحيطة والتي تشهد وجوداً عسكرياً أمريكياً من آسيا الوسطى إلى تركيا إلى منطقة الخليج التي ستكون في مجملها عرضة للهجمات الانتقامية الإيرانية بالصواريخ الباليستية.
وبرغم تأكيدات المخططين العسكريين في المحور الأمريكي الإسرائيلي، بعدم توريط القوات البرية في المعركة، إلاّ أنهم يضعون في حساباتهم أن تقود ضربة جوية ضد إيران إلى مواجهة برية ضد القوات الإيرانية، وربما السورية على الأرض، وبخاصة إذا أقدمت الأولى على اجتياز الحدود العراقية للدخول في اشتباك مباشر ضد قوات التحالف، وإذا ما تحركت (سوريا) عسكرياً، ما يحتّم مهاجمة القوات الإسرائيلية لها.
وفي مثل هذا السيناريو المتمثل في الحرب الوقائية، يمكن أن يتطوّر النزاع من الشرق الأوسط ليصل إلى حوض بحر قزوين، حيث تقوم القوات البرية الأمريكية الموجودة في كل من: جورجيا، وأذربيجان بمهاجمة إيران من حدودها الشمالية الشرقية، ولن يكون لبنان بدوره في منأى عن مجريات الحرب، خصوصاً إذا قرر (حزب الله) كسر الهدنة القائمة في جنوب لبنان، ما قد يؤدي إلى اشتعال الحدود اللبنانية الإسرائيلية من جهة، واندلاع المواجهات ما بين القوات الدولية و (الحزب) من جهة أخرى، وتطوّر كهذا من شأنه أن يوسِّع مناطق الصراع لتمتد من (أفغانستان) شرقاً حتى الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.
في هذا الإطار، فإن الأهداف السياسية هي التي تحدد طبيعة العمليات العسكرية، إذ لا يمكن تصوّر اندلاع عمليات عسكرية محدودة أو كبرى من دون تحديد هدف سياسي لها، ولذلك تتوقّف كثافة الأعمال العسكرية وقوّتها على الهدف السياسي المرجوّ تحقيقه، والذي يراوح في حال إيران بين سيناريوهات متدرجة الكثافة والقوة.

قد لا ترتبط هذه السيناريوهات بتوقيت زمني محدد، بل على العكس تبدو آفاق حدوث هذه السيناريوهات واردة في العديد من الأوقات، فقد تأتي تطويراً لسيناريو فرض العقوبات الدولية على إيران، إذا رأت الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية أن العقوبات لم تعد فعّالة، أو أنها ترغب في وقف إيران من امتلاك السلاح النووي، كما يمكن أن تحدث في أوقات الجمود والتأزُّم التي تمر بها عملية المفاوضات بين إيران ومجموعة (5 + 1). ويمكن إرجاع حدوث أي من هذه السيناريوهات إلى أن هناك تياراً هاماً داخل الإدارة الأمريكية ينتقد برودة موقف الرئيس أوباما و يطالب وبشدة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، للحيلولة دون تمكينها من إنتاج السلاح النووي، ويؤكّد هذا التيار من وقت لآخر أن المسألة هي مسألة وقت لا أكثر، في حين أن هناك تياراً محافظاً لايزال يرى في النموذج الأوروبي مخرجاً في جميع الأحوال.
تفترض هذه السيناريوهات القيام بتوجيه ضربة عسكرية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، بهدف تدميرها، سواء أكان ذلك من خلال عمل عسكري أمريكي مباشر، أم من خلال ضربة إسرائيلية لهذه المنشآت، وسوف نستعرضها على النحو التالي:
السيناريو الأول: القصف الجوى للبرنامج ومنصات الصواريخ. في هذا السياق، سوف تستخدم إسرائيل سلاحها الجوي من طائرات F-15 Eو F-16 l لضرب المواقع ويتم ذلك عبر أحد ثلاثة مسارات؛

المسار الشمالي: تتجه القاذفات الإسرائيلية نحو زاوية التقاء الحدود السورية ـ التركية، ثم تميل في تجاه الشرق لتمر بمحاذاة الحدود السورية وصولاً لإيران.
المسار الأوسط: حيث تنطلق الطائرات من إسرائيل ثم تعبر المجال الجوي الأردني مرورًا بسوريا ومنها إلى العراق ثم إلى إيران، وتكمن المشكلة الرئيسة في هذا المسار أن إسرائيل تربطها بالأردن معاهدة سلام وبالتالي عليها أن تخبرها بأي تحرك جوي تقوم به داخل مجالها الجوي، وإلا اعتبر ذلك انتهاكًا للاتفاق المبرم بينهما، ذلك فضلاً عن رفض سوريا والعراق لاستخدام مجالهما الجوى لقصف إيران.

المسار الجنوبي: تبدأ القاذفات الإسرائيلية رحلتها لتمر عبر الأردن، ثم عبر المجال الجوى للملكة العربية السعودية، ومنها للعراق ثم إلى هدفها إيران، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل أن تنتهك المجال الجوى السعودي وذلك للحيلولة دون إفساد علاقتها الاستراتيجية معها.
السيناريو الثاني: القصف الباليستي للبرنامج ومنصات الصواريخ. أن تستخدم إسرائيل الصواريخ الباليستية من طراز جيركو 3 “Jericho 3” طويلة المدى حيث تصل إلى ما بين 2600 ميل و3500 ميل ذات قوة اختراقية 5PSI، بموجب صاروخين لكل موقع من منصات الصواريخ بإجمالي 10 صواريخ، وصاروخين لموقع أصفهان، و15 صاروخ لمنشأة ناتانز، وصاروخ واحد لمفاعل أراك، وذلك بإجمالي عدد 28 صاروخ لكل المواقع.
لكن تكمن المشكلة الرئيسة لاستخدام الصواريخ الباليستية هو إمكانية إصابة دول أخرى بها مثل الأردن في حالة تبادل إطلاقها بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن إمكانية تفاقم الأمر ليصل لحرب نووية نظرًا لقدرتها على حمل رءوس نووية.

وفى إطار تحديد الأهداف الرئيسة للضربة الإسرائيلية المحتملة لإيران والمدعومة أمريكيًّا، تؤكد الدراسة على أن تدمير المنشآت والمواقع النووية الإيرانية سوف تكون هي الهدف الرئيس لها وذلك بغية حرمانها من الحصول على الأسلحة النووية التي تسعى طهران للحصول عليها وتطويرها. كما تجدر الإشارة إلى أن توقيت الضربة في حالة تقديم دعم أمريكي لإسرائيل سوف يكون أسرع مما نتوقع وأسرع من أي عملية أمريكية سابقة.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن إسرائيل سوف تواجه عدة عقبات حال اتخاذها قرار استخدام القوة ضد إيران لعل أبرزها؛ أن إسرائيل لا تملك حاملة طائرات في المنطقة مما يعني أن سلاح الطيران الإسرائيلي لابد أن ينطلق من إسرائيل مباشرة تجاه طهران، كما أنها لا تملك قاذفات طويلة المدى من طرازB1 أو B2 ولا أساطيل ضخمة للتزويد بالوقود في المنطقة. وبالتالي فإن إسرائيل عليها العبور عبر المجال الجوى لمجموعة من الدول أبرزها تركيا، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية، والعراق، مما يثير إشكاليتين أساسيتين؛ الأولى: أن الطائرات الإسرائيلية عليها بمفاجئة تلك الدول حتى لا تستطيع نظم دفاعاتها الجوية التعرض لها،

الثانية: أن على إسرائيل توجيه موجة واحدة فقط من القاذفات ضد إيران على اعتبار أن الثانية بطبيعة الحال سوف يتم رصدها من قبل الدفاعات الجوية لتلك الدول سالفة البيان وهو ما يزيد من صعوبة العملية الإسرائيلية.
ولعل أهم ما يميز هذا الأسلوب بالنسبة للولايات المتحدة أن المجتمع الدولي لن يستطع تحميل واشنطن مسئولية ما تقوم به إسرائيل، وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفها وهو التخلص من البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل تعطليه دون أن تقحم نفسها في معركة جديدة ليست في حاجة إليها ولا على استعداد لها الآن.
أما على الصعيد العملي فإن الضربة الجوية الإسرائيلية سوف تكون أضعف من مثيلتها الأمريكية مما قد لا يؤثر بشكل كبير على البرنامج النووي الإيراني ومما يخول إيران الفرصة لتطوير الأسلحة النووية التي تسعى للحصول عليها.

أ- صعوبة المسارات الجوية المفترضة، حيث سيكون المسار الأول عن طريق (تركيا)، بينما يكون المسار الثاني عن طريق كل من: (الأردن العراق)، ولأن كل مسار جوي يتطلب أثماناً إقليمية يتوجب دفعها، وبالتالي فالأرجح أن يعتمد الخيار الإسرائيلي على المسار الثاني، لأنه الأقل كلفة إقليمياً، في حين أن الخيار الأول يمر عبر دولة إقليمية كبرى لابد من مراعاة حساباتها وبالتالي مكاسبها، ومردّ ذلك أن الدولة التي ستسمح للطائرات المغيرة بعبور أراضيها وأجوائها ستكون في حالة مواجهة هي الأخرى مع إيران وتتعرّض لضربات انتقامية منها بالتالي.

ب – من الناحية العملية، لا تستطيع الطائرات الإسرائيلية استهداف كل المنشآت النووية الإيرانية في غارة طيران واحدة، بسبب عدم توفّر أعداد الطائرات الكافية للقيام بالمهمة، وبسبب مجموعة متداخلة من العوامل اللوجستية، والجغرافية، والإقليمية، والقانونية، وتتمثل الصعوبات اللوجستية لنقل وتموين الطائرات في أن إيران تبعد أكثر من (1600) كيلومتر عن الحدود الإسرائيلية، وهو ما يعني أن الطائرات الإسرائيلية المغيرة يتوجب عليها أن تقطع (3200) كيلومتر ذهاباً وعودة، وهو أمر صعب دون إمكانية التزوّد بالوقود في أراضي دولة ثالثة.

ج- العامل الجغرافي المتلخص في توزيع المنشآت النووية الإيرانية على طول البلاد وعرضها، يزيد من صعوبة المهمة ويتطلب ساعات طيران أكثر ووقود أكثر.

د -العامل التسليحي الخاص بكفاءة الدفاعات الجوية الإيرانية، وبخاصة حول المنشآت النووية، سوف يجعل مهمة الطائرات المغيرة أكثر تعقيداً، ويحضر الاعتبار الإقليمي بوضوح في احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.
ه – آخر العوامل هو الثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل لإيران في حالة توجيه الضربة، لأن إسرائيل لن تستطيع الظهور بمظهر (المعتدى عليه) كما اعتادت، وستستدرج الضربة بالتالي قصفاً صاروخياً انتقامياً من طرف (حزب الله) ضد أهداف في شمال إسرائيل.

لهذه الأسباب يُعتقد بعدم إمكانية إسرائيل من تنفيذ هذا السيناريو.
تطرح الحرب الاستباقية ضد إيران، في حال نشوبها، الكثير من المخاوف والمحاذير، وترسم الكثير من علامات الاستفهام عما يمكن أن تسفر عنه من انقسامات حادة على المسرح الدولي، وما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج عسكرية واستراتيجية، إلى الحيّز الجغرافي الذي يمكن أن تمتد إليه، وصولاً إلى التداعيات السياسية التي قد تنتج عنها؛ فالحرب أية حرب لا يمكن التيقُّن من نتائجها مهما بلغ التخطيط لها من دقة ومهما أُعدّ لها من إمكانات، وحتى لو كانت الدولة التي تخوضها قوة عظمى في مستوى الولايات المتحدة تمتلك كل مقومات القدرة العسكرية والاستراتيجية، ما يجعل نهايات الحرب (المتوقعة) ضد إيران محفوفة بالشكوك، وما يستدعي التأمُّل في السيناريوهات القائمة انطلاقاً من القاعدة الأساسية، وفي حال الشك علينا توقّع الأسوأ. وبعيداً عن النتائج العسكرية التي يمكن أن تولّدها الحرب على مستوى الرابحين والخاسرين، تبقى النتائج في ما يمكن أن تتمخض عنه المواجهة العسكرية من نهايات وتداعيات يمكن إيجازها على النحو التالي:

1. على الجانب الإيراني:

أ- توجيه ضربة جوية إلى المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يؤدي إلى كابوس نووي أكبر حجماً وأبعد تأثيراً من كارثة (تشرنوبل)، بسبب تسرُّب الإشعاعات النووية من المفاعلات والمصانع، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر بشرية بالغة الخطورة والمدى.

ب- الحرب على إيران وما سينتج عنها من ضحايا ستكون بالنسبة إلى الشارعين الإسلامي والعربي الحرب الثانية ضد دولة مسلمة تشنّها الولايات المتحدة والغرب المسيحي، هذا الهجوم سيقوي في الدرجة الأولى القوى المتطرفة داخل النظام الإيراني، ويجهض أي محاولة للديمقراطية من الداخل، وقد يؤدي إلى تأجيج المشاعر الدينية ضد الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وإحياء مقولة صراع الحضارات على المستوى الدولي.

ج – المواجهة الدولية ما بين المعسكر الأمريكي الغربي، والمحور الإيراني يمكن أن تؤدي إلى استقطابات داخلية في الكثير من دول المنطقة تحمل في طيّاتها مخاطر اندلاع حروب أهلية فيها، سواء في العراق، حيث تشكّل المناخات الانقسامية أرضية خصبة لمثل هذا الاحتمال، أو في الأراضي الفلسطينية التي تشهد صدامات داخل الصف الواحد حيال الخيارات الوطنية، أو في لبنان حيث التوترات على أشدّها ما بين معسكر (حزب الله) وحلفائه، والمعسكر المقابل من قوى (14 آذار).
وسواء لجأت إسرائيل أو الولايات المتحدة في ضرباتها الوقائية- ضد ما تبقى من الدول المارقة (إيران-كوريا الشمالية) – إلى استخدام أسلحة تقليدية أو نووية، فمما لا شك فيه أن هذه الدول ستحتسب مسبقا لمثل هذه الضربات.
ولأنها لن تكون في موقف استراتيجي يسمح لها بالتصدي للتفوق العسكري الغربي ممثلا في إسرائيل أو الولايات المتحدة،ببعديه التقليدي وفوق التقليدي،فإن هذه الدول المارقة ستلجأ منذ اللحظة الأولى للاعتماد على أسلحة الدمار الشامل ونشرها بالطريقة التي تمكنها من تحمل الضربة الأمريكية أو الإسرائيلية الأولى حتى وإن كانت نووية، ثم توجيه ضربة ثانية كيميائية أو بيولوجية بالصواريخ الباليستية التي ستنجو من الضربة الأولى ضد أهم الأهداف و المصالح الأمريكية والإسرائيلية التي في متناول يدها. لأنه مما لا شك فيه أنه لن تنجح الضربة الإسرائيلية أو الأمريكية في تدمير كافة وسائل وإمكانات أسلحة الدمار الشامل في دول مثل إيران وكوريا الشمالية.

من أخطار إستراتيجية الضربات الوقائية، أنها ستقنن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يعتمد أساليب العدوان ضد الفلسطينيين والدول العربية والإسلامية تحت مسمى الضربات الوقائية، هذا رغم تيقن إسرائيل ومن يساندها في الولايات المتحدة أنه لا توجد نوايا هجومية من جانب أي من الدول العربية والإسلامية ضد إسرائيل، حيث يفعل الرادع النووي فعله في الحد من أي تهديد حقيقي لإسرائيل.
الهوامش

:

 

د.عبد القادر القادري: العنف المضاد الأحادي الجانب ظاهرة في لعلاقات الدولية-مجلة الوحدة-العدد 67-أبريل 1990،ص: 51.
د. عبد الواحد الناصر: العلاقات الدولية الراهنة،مطبعة النجاح الجديدة ، 2003، ص:148-149-150 ،

وكذلك: د.محمد تاج الدين الحسيني: المجتمع الدولي وحق التدخل، سلسلة المعرفة للجميع،العدد 18، يناير 2001, (الفصل الأول).
– د. عبد الواحد الناصر: حق الدفاع الشرعي في العلاقات الدولية، رسالة عير منشورة لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق،الرباط، 1978،ص: 110-126.

د. عبد الواحد الناصر: مدى مشروعية استخدام القوة لحماية الرعايا الموجودين في الخارج، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة(غير منشورة)، كلية الحقوق،الرباط، 1985، ص: 529-540.

اللواء حسام سويلم: الضربات الوقائية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، مجلة السياسة الدولية، العدد 150، أكتوبر 2002.ص:291.
– سيناريوهات ضربة إسرائيلية لإيران،تقرير واشنطن، العدد عدد 214، 13 يونيو 2009,

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *