وقــــــف الوقــــــــت

وقف الوقت الوقت كما يرى بن منظور، هو مقدار من الزمن، وكل شيء قدرت له حينا: قال بن سيده: الوقت مقدار من الدهر معروف. (بن منظور ص 107 الجزء الثاني)وفي المتداول اليومي، يقصد بالوقت الزمان الفارغ من أي انشغال، فيقال ليس لي وقت، أي ليس لي زمان فارغ. كما يقال تعالى نقتل الوقت، أو نفوت الوقت، أو نمضي الوقت… أي نشغل أنفسنا في الزمان الفارغ .أما مفهوم الوقف فمعناه في اللغة الحجز، والمنع، والحبس. ويعرفه الفقهاء بأنه :( إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا .) ومن وجهة نظري أن للوقف وجهان: (1) الأصل ويضل تابعا للواقف أي للمالك الأصلي، دون أن يكون له الحق في بيعه، أو رهنه، أوهبته، أو توريثه… بعد أن تنازل عنه برضاه، طاعة لله تعالى. (2) المنفعة وهي وجهان أيضا: (أ) المنفعة المادية، وتصرف على أبواب الخير، والإحسان، والصالح العام، طبقا للشروط التي يحددها الواقف، دون أن يكون له نصيب منها. (ب) المنفعة المعنوية، وأقصد بها استمرارية تدفق الأجر العظيم على صاحب الوقف حيا وميتا.والوقف يستمد أصله الشرعي من القرآن الكريم ، والسنة الشريفة ، فهناك العديد من الآيات الكريمة ، والأحاديث النبوية ، التي تدعوا إلى الخير، والعمل الصالح وتحث على إعطاء الصدقات ، التي تقرب إلى الله تعالى ، كقوله تعالى :{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} (آل عمران آية 92) وقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } (البقرة آية267) وقوله تعالى { وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون }(البقرة آية 280) . وقوله صلى الله عليه وسلم [ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ] ( رواه أبو هريرة) وقوله صلى الله عليه وسلم إن مما يخلف المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لأبناء السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه بعد موته ] (أخرجه ابن ماجه)والوقف له قيمة اقتصادية واجتماعية عالية ، يمكن الاعتماد عليها في التنمية البشرية للمجتمعات ، وفي ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي ، مع تجاوز أو تقليص الشعور بالانتماء الطبقي ، أو القبلي ،والالتفاف حول فعل الخير كهدف الأسمى ، كما له القدرة على تمويل المشاريع الخيرية الكبرى، التي يعتمد عليها في التنمية البشرية ، في ضمان الحياة الكريمة للفقراء والمرضى و المحتاجين …وهو أفضل وسيلة لاستمرار تدفق ريع المشاريع الخيرية ،كما يتضح من خلال استقراء تاريخ الوقف والأدوار التي لعبها في المجتمعات الإسلامية . والوقف ، أنواع لا حصر لعددها، ما يهمني منها إلا نوع واحد هو : »وقف الوقت » .أرى أن للوقت أهمية بالغة في نظر الإسلام ،وذلك لأن الله سبحانه وتعالى ربطه من جهة ، بالعبادة التي من أجلها خلق الإنسان ،{ ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات 56) وجعلها في أوقات ومواعيد محددة ومعلومة : الصلاة = { إن الصلاة كانت ‘على المومنين كتابا موقوتا}(سورة العصر) { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا }( الإسراء 78) . زكاة الأموال = بعد مرور الحول على النصاب. زكاة الفطر = حلول فجر عيد الفطر . الصوم = {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات} . الحج = {الحج أشهر معلومات} (البقرة 197). ومن جهة أخرى أقسم به في آيات كثيرة منها : { والعصر إن الإنسان لفي خسر …}(سورة العصر) .{ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى …} (سورة الليل) { والفجر وليال عشر..}( سورة الفجر) . والسنة بدورها سجلت هذا الاهتمام بالوقت ، في العديد من الأحاديث الشريفة .[ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به » ] [ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ « ].كما أن الصحابة رضوان الله عليهم أدركوا قيمة الوقت ،وعبروا عنها . فهذا سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:( إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ) .والحكماء هم الآخرون ، لم يغفلوا أهمية الوقت ، في حياة الإنسان وهذا أحدهم يقول :( من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه. )إن حجم التحديات التنموية والتربوية والاجتماعية والعسكرية والحاجات اليومية للأفراد …التي تواجهها أمتنا الإسلامية ، أكبر بكثير، من إمكانيات وقدرات الدولة، وعليه فلا بد من تدخل المجتمع المدني ، أفرادا وجماعات ، لينهض بالعمل التطوعي ، في شكل وقف وقت معين ، ولو ساعة من نهار أو ليل ، كل حسب تخصصه وإمكانياته المادية والمعرفية . مثلا يمكن للعالم ،أن يخصص وقتا يزور فيه الجامعات والمدارس والمعاهد العليا… لينشر علما لا يتقنه غيره، وقد يضيع إن هو لم يفعل. كما يمكن للمعلم أو الأستاذ أن يساهم في التربية الغير النظامية (محو الأمية) أو إعطاء بعض الدروس لدعم وتقوية المتخلفين من تلامذتنا ، أو مساعدتهم على تهيئ امتحاناتهم . أو تحفيظ القرآن، أو حفظه ،كما يمكن لكل واحد منا مهما كانت معرفته ، وكي




1 Comment
سلام الله على كاتب المقال و قارئه
راقني ما ناديت به ويا ريت كل مسلم و كل مسلمة يتمعن فيه و يستصيغ فكرة وقف الوقت للصالح العام دون مساومة و لا مقارنة بالاخرين و يحاول المساهمة في عمل جمعوي حسب قدراته و امكانياته الخاصة. متمنياتي بالتوفيق للجميع انشاء الله