قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الأول

بعد القراءات السابقة التي كانت بمثابة إشارات أولية، نقف عند الشاعر محمد علي الرباوي ودراسة بعض دواوينه الشعرية. ونظرا لطول الدراسة ارتأيت تقسيمها إلى أجزاء حتى لا نطيل على قراء وجدة سيتي. ومعكم اليوم الجزء الأول الذي يتضمن إشارات حول عتبة العنوان وغلاف الديوان.
قراءة في ديوان (الأحجار الفوارة) لمحمد علي الرباوي
ذ- محمد دخيسي أبو اسامة
مقدمة:
تتعدد المفارقات التي تبني العلاقة بين المبدع والمتلقي، والدافع الأول الذي لا يخالطه إشكال في بناء اللون والجنس الأدبي؛ هو ضرورة الخلق الثاني بعد نقطة البداية التي تشكلها الإبداعات بتجلياتها وروابطها. وإن كل خلق- كهذا- لا يشكل اللبنة الأساسية إلا إذا تحققت من ورائه استجابة وإرادة قويتان. ونحن في هذا البعد التزامني والقراءة الفعالة لا نتوخى التضليل بقدر ما نحاول الإنارة. والسبيل الأوحد هو القراءة الداخلية المتأنية.
« محمد علي الرباوي »: ليس ذلك الشاعر المتوتر الذي يصدر الأوامر والنواهي من خلال تبنيه الموقف الأحادي من « الإنسان والكون والحياة » كما جلاها محمد قطب1، وليس كذلك، الشاعر الثائر الوهاج؛ بل المعبر عن الأحاسيس الدفينة التي تغطي الذات من خلال معاناتها الأبدية، وتجلياتها في الواقع لا تعدو أن تكون مكابدة وحرقة عليه. والدليل الذي يثبته بنفسه هو قوله في موضوع (الالتزام في الأدب الإسلامي) حيث أوجد الصيغة الملائمة في نظره. وقد كان البديل موضوعيا من زاوية الفهم الأكاديمي/ ودالا على الفهم المتفرد بالصيغة التي تحتاجها المفارقات الأدبية. يقول محمد علي الرباوي : » إن الأديب المسؤول يحقق ذاته عندما يخوض عملية الإبداع للحرية التي يتمتع بها وتكبر هذه الحرية إذا تلقى الأديب ثقافة شرعية تعصمه عند الزلل، وبهذا نخلص إلا أن الأدب الإسلامي المسؤول أدب ينسجم مع طبيعة الإسلام الذي هو دين التوازن بين المادة والروح، وبين الأنا والهو، على أن المسؤولية عندنا لا يتولد عنها قلق ولا هجران ولا يأس، لأن الأديب المسلم لا يخاف غلا الله، وهذا سر طمأنينة الأديب المسلم. » 2
تبرز هذه التوطئة مدى التناغم الحاصل في قلب العملية الإبداعية التي يتميز بها الشاعر محمد علي الرباوي. فإلى جانب التنظير للشعر والأدب بصفة عامة، يقف معها الشاعر متميزا على الساحتين المغربية والعربية.
وما هذه الالتفاتة إلا لأنه يعبر عن (هلوساته الشعرية) تعبيرا صادقا متدفقا من الأعماق. يقول حول تجربته الشعرية: » إني أومن أن الشعر إذا خلا من عنصر الذات سقط. لهذا تجد عنصر الذات في كل شعري حتى تلك الأشعار التي يبدو فيها الطابع الموضوعي واضحا. ذلك أني لا أكتب إلا بعد معاناة والمعاناة هي البوتقة التي تنصهر فيها الذات. »3
وبما أن الخطوة الأولى اتضحت منذ البداية، ما دام الجمع فيها بارزا بين متغيرات الذات وحتمية الموضوع، فإنه لزاما سيكون عملنا على هذه الثنائية التي تركها المتن الشعري الرباوي وراءه. وسؤالنا هو : ما مدى هذا التناغم؟
لن نترك المجال يطول لنسائل المتن الشعري ونتعرف الحدود والاتجاهات. لذلك نقول: إن محمد علي الرباوي مارس الشعر عن دراية وإيمان. وما دام هذا الانشغال طاغيا عنده، فقد ارتأى أن يحول الأنظار المتأنية في شعره نحو الهموم اليومية. لذلك فالحرمان الذي كان يشكو الشاعر منه في تلك المرحلة- والذي لا زال أثره إلى حد ما مع (أول الغيث). يقول:
هو العيد في الطرقات
يوزع جمرا على الشعراء
وخمرا على الأمراء
فماذا يخبئ للفقراء؟
هل يلتقي الجمر بالخمر؟
هل يعطيان لكل المساكين وجها جديدا؟4
فكان هم محمد علي الرباوي هو استخلاص العبرة من الموروث الثقافي والشعري ليحفظ ما وجه الفقراء والشهداء. وكان همه الدفين في أعماقه لا يسعه المحيط ولا الخليج:
يا راحلا عبر المحيط،
إذا مررت ذات ليلة بجيرة المحيط،
فأقر السلام، قل لهم:
إنا ذكرناهم هنا وذكرهم سقم،
ثم بكينا.. هل ترى لمن بكى حلم؟
5
إن ديوان (الأحجار الفوارة) يأخذ من الحيز الزماني لمحمد علي الرباوي الوقفة المتأنية نحو الخلود: خلود الكلمة الشعرية أولا، وخلود الذات المبدعة ثانيا. لذلك فقد استهدف الدخول الشعري مجموعة من العتبات ذات البعد الإيحائي أكثر منه القرائي. وقبل اللجوء على الخطوة الأولى، لا بد من التذكير بضرورة الاتكاء على عنصر الذات في شعر محمد علي الرباوي، لأنه المنهل المتفرد، المحفز على الإبداع.
1- الأحجار الفوارة- العتبات الأولى: الدلالة والإيحاء.
إن الحديث عن موضوع العتبات ليس حديث العهد، بل إن القدامى اهتموا به من خلال استهلال مؤلفاتهم بمقدمات، إما خاصة أو عامة، كما تنبهوا إلى أهمية الهوامش في إثبات المتغيرات واللوازم الموضوعية. لذلك فالتعرض لهذه الزاوية مهم بالقدر نفسه الذي تحاط به أهمية الدراسة الأدبية.
1-1- غلاف المجموعة: العنوان والتشكيل.
يحمل الغلاف جملة من التشكيلات الفنية 6، أولاهما الخط؛ فالرسم ثم الألوان المتنوعة. فالخط المشكل به خط مغربي أصيل، وهذا الأمر لا يحتاج إلى تفسير ما دام الشاعر متشبت بمغربيته. والخط المغربي كذلك ينسخ به القرآن الكريم والمراسيم الرسمية. إذن فالمجموعة الشعرية وثيقة رسمية في نظر المبدع. كما أن :
(الأحجار الفوارة- محمد علي الرباوي- شعر) عبارات شكلت التقديم المباشر للمجموعة الشعرية. إضافة إلى الرسم الذي يختلط فيه اللونان الأحمر والأخضر: رمزا الجهاد من جهة، من خلال لهب النار المتدفق، والسكون والطمأنينة من خلال الصومعة والكرة الصخرية من جهة ثانية. فالتوحد المستلب في الغلاف أساسه العقيدة، ومبتغاه الجهاد والثورة على الكئيبة والحزينة على الأوضاع المتأزمة التي تحملها أكتاف الأمة العربية. أما الصفحة الأخيرة (الرابعة) من الغلاف، فقد حملت توقيع لوحتين للفنان مصطفى أجماع، القاسم المشترك بينها
– إلى جانب وحدة القياس بين الطول والعرض-
تكرار بعض الرموز كالصخرة التي رأيناها في الصفحة الأولى للغلاف ثم العنصر الجديد الأساس، وهو قوس الباب أو المدخل المؤدي على ذات الشاعر (سنؤكد ذلك من خلال الرسوم الداخلية) ثم أخيرا حرف (الدال) المتكرر في الرسم الثاني سبع مرات، وفي الرسم الأول مرة واحدة إلى جانب لفظة (بسم) التي كان من المفروض أن تأتي في الصفحة الأولى لا الأخيرة. فاللوحتان بهذا، تذكير لما فات، وتحويل ذهن القارئ إلى البوابة المؤدية إلى الداخل.




Aucun commentaire