Home»Correspondants»تحت الدف ( 11 ) الرجل الذي أعار حنكه

تحت الدف ( 11 ) الرجل الذي أعار حنكه

1
Shares
PinterestGoogle+

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلا من بني الأحناك والأبواق اشتهر بكثرة النفخ في كل أنواع المزامير والأبواق والمجامير . فكان أينما حل وارتحل إلا وأتاه الناس بكل الأبواق المصنوعة بالبلد الذي يقيم به ، حتى يقفوا على مهارته في النفخ والتبويق . وكان دائما وبفضل حنكة حَنْكِه يُعجز أمهر البواقين والنافخين . وحدث يوما أن اقترح عليه أحد الفضوليين أن يتخذ لنفسه مقرا يخصصه للنفخ والتحناك ( صناعة بوقية ) وكراء لوازم وأدوات التبويق. وفعلا تم له ذلك بفضل محبي النفخ وحصل على دكان كتب على واجهته  » إصلاح وبيع وكراء الأبواق مع تعليم الحناكة  » .

مرت أيام ولم يزر دكانه أحد ، وبدت على وجهه علامات التذمر ، واتصل بفضولي محنك ليعرض عليه المشكل . وقد قام الفضولي بخدمة جليلة لصالحه . وما هي إلا أيام حتى بدأت الهيئات والجمعيات والنوادي تتقاطر على دكانه لتكلفه بالتحناك نيابة عنها . وحدث أن اتصل به أحد مهرجي المهرجانات واكترى منه حنكه حتى يكون في مستوى حدث مهرجان أقيم بمناسبة موسم الاستحقاقات . أخذ المهرج حنك صاحبنا بعد أن أدى جميع الضمانات . وبعدها توجه على الفور إلى مكان المهرجان . ركب الحنك المستعار وبدأ في النفخ والتبويق لولي نعمته والناس متحلقون حوله كالفراش المبثوث . مطط الحنك كثيرا لنفخ الحضور إلا أنه لاحظ أن حماس الحاضرين بدأ يفتر ، وأدرك للتو أن الفتور يعود إلى خطأ في تركيب الحنك . حاول تقويم الحنك بعصبية زائدة ولكن فوجئ بسقوط نصف الحنك مما جعله يعدل تماما عن استعمال الحنك . استغل لحظة تصفيق الحاضرين ونزع الحنك المكترى وألقى به جنبا . عدل من حنكه قليلا واسترسل في مدح ولي نعمته . وبينما كان حماس وصراخ الحاضرين يمتزج بنفخات حنكه ، كان في الجانب الآخر قط أجرب يبحث عن لقمة عيش في إحدى القمامات . اشتم عن بعد رائحة الحنك الآدمي الذي كان ملقى بمحاذاة الرجل اليسرى للمهرج الخطيب . اقترب القط من الحنك وقلبه.. حاول أكله لكنه لم يستسغ مذاقه . وضعه بين قوائمه وفعل به ما فعل ثم قفز فوق منصة المهرج الخطيب . وكانت فرصة نفخية هامة حيث أمسك المهرج بالقط وقال بحماس إن حضور هذا القط دلالة على ما يكنه الناس والحيوان لولي نعمته . ارتفعت أصوات الحاضرين بالتهليل والدعاء لولي نعمة المهرج . فقفز القط نحو الحنك ووضعه على المنصة وراح يقفز متجنبا ركلات الحاضرين إلى أن وصل إلى مكان آمن وأصدر مواء يشبه صوت المهرج الخطيب ثم انمحى تماما . أخذ المهرج الحنك المبلل من طرفه وتوجه نحو الدكان لإرجاعه لصاحبه لكنه وجد الدكان مغلقا . انتظر طويلا لعل الدكان يفتح إلا أن أحد الفضوليين أخبره بأن صاحب الدكان لن يعود اليوم لأنه منهمك في إلقاء خطاب وسط المدينة . ترجل المهرج كثيرا إلى أن اهتدى إلى المكان المشار إليه حيث وجد صاحبه منهمكا فعلا في عملية نفخ وتبويق لصالح ولي نعمة آخر هو يعرفه خير المعرفة ، فهو من ينافس ولي نعمته في موسم الاستحقاق . تقدم منه وأرجع إليه حنكه في هدوء وانضباط ثم انصرف وهو يندب حنكه بعدما أدرك أن ولي نعمته كان من بين الحاضرين والمهللين . اشتد حماس الحاضرين كما اشتد نفخ وتبويق صاحب الدكان . وفي لحظة نفخ تاريخية تعانقا المتنافسان وسلم ولي نعمة المهرج الأمر لولي نعمة صاحب الدكان . واتجها معا رفقة صاحب الدكان نحو أداء واجب ما ترتب عن المهرجانين من عمليات النفخ والتبويق والتهليل وما يلحق بذلك . وما أن وصلوا إلى الدكان حتى وجدوا قربه شخصا كان كل شيء فيه ضخما وغليظا .. رجلاه وأصابعه وبطنه وشفتاه وحنكه .. ابتسم في وجههم جميعا وناول كل واحد من المتنافسين قدرا من المال وأركبهما إلى جنبه داخل سيارة كانت هي الأخرى ضخمة وغليظة . أقلع سيارته بحركة ضخمة وانطلقت تشق الشوارع بسرعة ضخمة بعد أن تركت لصاحب الدكان حنكه الذي بدأت رائحته تتضخم . نظر صاحبنا إلى حنكه الذي تغير لونه بفعل محلول البول ثم لبسه متحملا رائحته ولما أراد أن يجربه اكتشف أن حنكه أصبح عبارة عن غربال ولم يعد صالحا للنفخ . تبرم وحزن كثيرا وقال بنفخ هادئ  » اللي كْرى حَنْكُـو لَهْلا يفَكُّــو  » ومزق حنكه تمزيقا بعد أن مزق ما كان قد كتبه على واجهة الدكان .. وفي رواية أحد الفضوليين أن صاحبنا نهق ثلاثا ثم سقطت من بطنه شظايا أبواق معدنية وقال بملء فيه :  » ما يخطى الزردة بالبرقوق .. غي مسخوط أو مولى بوق  » ونفخ وبوَّق ثم نام ..

 

 

… يتبع مع فضول آخر
محمد حامدي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. علي البخيت
    18/10/2008 at 20:32

    سررت بعودة مقالاتك من جديد . مقالات ساخرة تكشف عن عيوب المجتمع بشكل فني كوميدي ..

  2. معمر بختاوي
    28/10/2008 at 00:20

    إلى الأخوة في وجدة سيتي
    سلام تام وبعد:

    إريد أن أعرف هل توصلتم بمقالتي أم لا ، ومتى تدرج إن كنتم توصلتم بها

    M.BAKHTA@LIVE.FR

  3. د.معمر بختاوي
    28/10/2008 at 00:20

    ou je trouve les commentaires? s’il vous plais?
    m.bakhta@live.fr

  4. د.معمر بختاوي
    28/10/2008 at 00:20

    الكتابة الفنية في المقامة الحنكية.
    د.معمر بختاوي

    أعجبتني حكاية ـ مقامة ـ الأخ محمد حامدي كثيرا لما فيها من رمزية و غرائبية، فأحببت أن أعلق عليها، مبرزا ما بها من إيحاءات، و مضامين خصوصا وأنها تناسب و الظرف الذي نعيشه، ولما بها من ظواهر ابتلي بها بعض الناس (غفر الله لنا و لهم) قولوا آمين.
    هذه الظاهرة هي كراء الأحناك ، والحنك معروف، أما الكراء فهو تقديم مبلغ من المال لشخص ، يتخذ كراء حنكه حرفة ، وذلك في الانتخابات، أو مهرجان، أو تظاهرة ثقافية، أو رياضية، أو سهرة فنية، أو الدفاع عن شخص في مسألة ينأى بنفسه الخوض فيها، فيدفع (للكاري حنكه) لينوب عنه، وهلم جرا…
    وحكايتنا هي حكاية رجل أشهر من نار على علم، خبير في فعل ما يطلب منه بحنكه، فيمططه، و ينفخه، فيفعل به الأعاجيب ،وذلك حسب ما يطلبه ولي النعمة ، أو صاحب المال ،أو الدافع .فهو يحول الأصوات الخافتة إلى مجهورة ،أو مكبرة آلاف المرات، لما حباه الله من قدرة على الترديد و الصياح . صاحبنا هذا بعد ركود أصابه لحين من الوقت، عمل بمشورة بعض الفضوليين فأكترى دكانا ، (هي إشارة إلى منبر من المنابر، سواء المكتوبة، أو المسموعة، أو الإكترونية أو الكرتونية لا فرق.) وبعد الكساد يأتي الرخاء (المهم المواظبة وعدم التواكل) فبدأت الهيئات، و الجمعيات والأشخاص يتقاطرون عليه، يأتونه للنفخ ،والتبويق، والتزمير، وهكذا مشت الأمور، من حسن إلى أحسن، و الهبات تأتي ، والمكرمات تجر المكرمات ، فكانت أيام البقرات السمان، والسنبلات الخضر. فحمل الأمر على محمل الجد. حتى جاء اليوم الذي اكتشف فيه الحقيقة. وهي أن مهرجا( وهو هنا رمز للوصوليين والفضوليين)أراد أن يكتري منه حنكه ،كما هي العادة بمناسبة استحقاق مهم في البلد. فاستعمل المهرج الحنك أحسن استعمال ، فصال به و جال،وترنم وترنح ،ونفخ وزاد في النفخ، لأن الحنك مكترى، وما على الكارين من سبيل . فكان فخورا سعيدا بهذا الإنجاز العظيم ،الذي أنجزه في هذا المهرجان الذي يشهد به الأعداء قبل الأصدقاء . ولكن الناس بدأوا يشعرون بالملل ،وبدأ الفتور يصيبهم، لأن الحنك المكترى بدأ يتمطط أكثر من اللازم، وفي لحظة شعر صاحبنا بالحرج فأخذ الحنك، وألقى به أرضا، في حركة تدل على التبرم و النرفزة (كل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغرن بطيب العيش إنسان ).
    فكان يقف غير بعيد قط جذبته الرائحة، فاقترب من الحنك ، ولكن القط عافه( والقط رمز للتملق والتمسح ( عفانا الله و إياكم) فاستغل المهرج وجود القط على المنصة، فنبه الحاضرين إلى أن وجود هذا الحيوان في هذا المهرجان دليل، وشهادة ناطقة على نعم صاحب المهرج، فجاء الناس يباركون مشاريعه ،و يعظمون حسناته، وهم يهتفون، ويزغردون، والأطفال يصفرون، وهم مجذوبون بفعل العدوى (على رأي العلامة ابن خلدون) .
    ولما انتهى المهرجان، و تفرق الناس ،أراد المهرج أن يرجع الكنك إلى صاحبه،فلم يجده بدكانه، فذهب حيث دله أحد الأشخاص. وهناك يكتشف الحقيقة.يكتشف أن النفخ و التبويق لم يكن إلا تمسرحا،و ضحكا على الذقون ،وأن مولى نعمته، وأن مولى نعمة صاحب الدكان ،هما صديقان حميمان ، هما في الظاهر أعداء، ولكن في الباطن وجهان لعملة واحدة ( فيا مقلب القلوب ثبتنا على دينك) وجد الأعداء على قلب رجل واحد، سمن على عسل ، وفي لحظة تاريخية تنسى الخطب النارية ،والهوائية، وحتى الترابية،ويطير الكلام فقاعات في الهواء .
    ولم تكتمل الحكاية ( المقامة الحنكية ) ، بل يدخل عنصر آخر،وهو الرجل الضخم ، وكل ما فيه غليظ ومشوه ،جسمه،أطرافه ، وجهه( هذا الغليظ يرمز لغلظة التسلط عند البعض (وقانا الله شر السلطة و التسلط) ، فيظهر في خلفية المنظر ضاحكا على الجميع ، ماسكا بخيوط اللعبة، ينفح الأخوة الأعداء مبلغا من المال في جلسة حميمية، داخل سيارته الغليظة ،ولم ينفع صاحب الدكان ندمه، و حسرته، و حزنه على حنكه الذي ضاع ولم يعد يصلح لشيء .
    هذه مقامة شيقة ، تستق القراءة فعلا. فهي ابتدأت بحدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب، على غرار أسلوب المقامات( مقامات بديع الزمان الهمداني والحريري، وأبي حيان التوحيدي..) والمواضيع فيها تكون غالبا ما تعالج ظاهرة اجتماعية ،كما فعل الأخ محمد حامدي . وفيها خروج عن المألوف. وقد يجنح فيها الخيال والصور حتى تلامس الشعر. إلى أنها تمزج الواقع بالخيال لتقدم لوحات فنية . فهو ينتقل بنا من (كاري كنكه) وهو جاد في مسعاه ، إلى القط الذي عاف الحنك،ولم يعره إلا بولة يستحقها ، إلى الرجل الغليظ، وأتخيله ممسكا بسيغاره الغليظ كما في بعض المسلسلات المغربية. إلا إن المقامة لم تسلم من بعض الهفوات الطفيفة كقوله :( ترجل الرجل كثيرا ) وترجل تقال للراكب لما ينزل ، وكقوله ( ولي نعمته آخر (هو) يعرفه خير المعرفة وقولة حركة ضخمة .
    ملحوضة : حتى لا يقال بأني من هؤلاء، أقول :لا أعرف السيد محمد حمدي، وأتمنى أن يبعث لي بكتاباته .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *