Home»Correspondants»الإنشاء الفلسفي

الإنشاء الفلسفي

0
Shares
PinterestGoogle+

الإنشاء هو البناء والتشييد, ولكل بناء لا بد له من مادة أولية وتصور ذهني أي مشروع وتصور فكري أو رؤيا واضحة للبناء بعد أن يصبح جاهزا.وكل أنواع الإنشاءات سواء كانت تتعلق بالآداب ولغته أو بالتاريخ أو الجغرافيا أو بالفلسفة…لا تخرج عن هذه القاعدة بصفة عامة .وإن كان للإنشاء الفلسفي خصوصيات تميزه عن غيره من أنواع الإنشاءات الأخرى, وهو كونه مرتبطا دائما بالحجة والبرهان, ولا يخلوا من تحليل مفهوم, أو مناقشة أطروحة, أو قضية غالبا ما يكون الخلاف حولها حادا. ولم يقل فيها العلم كلمته الأخيرة .وما يزيد الإنشاء الفلسفي صعوبة هو غموض وعدم وضوح الإشكالية أو القضية المطلوب منا علاجها .وإذا لم نتمكن من استبصار وإدراك الإشكالية فلن يكون أبدا إنشاؤنا جيدا مهما تراكمت لدينا المعرفة العلمية المتعلقة بالموضوع ومهما كانت درجة اطلاعنا المعرفية.وعلى العكس من ذلك ,إذا نحن فهمنا الإشكالية وأحسنا طرحها فلن يكون إنشاؤنا إلا جيدا .فقد نكتب صفحات طوال وبأسلوب ممتاز ولكن لا نصيب الهدف, فتكون النتيجة عكس ما نتوخاه. إذاأن تذليل صعوبات فهم الموضوع, وكشف المراد والمطلوب منا. هو شرط أساسي لأي عمل فلسفي . فأول مرحلة وأخطرها في الإنشاء الفلسفي هي مرحلة الفهم.
الفهم :يتطلب قراءة متمعنة وهادئة ومتكررة لنص الموضوع مع الوقوف عند الكلمات المفاتيح لتحديد معناها المتعلق بالموضوع لأن الكلمة قد يكون لها معنى آخر فيصرفنا عن المراد . وإذا أشكل علينا الأمر ولم نستطع تحديد بالضبط المعنى المراد فلا بأس من اختيار المعنى الواسع للكلمة باعتبار أن المعنى الضيق يندرج تحته. ثم لا بد من صياغة الموضوع صياغات مختلفة ومتعددة حتى نتمكن من الوقف على الإشكالية الأساسية التي يطلب منا معالجتها.دون أن ننسى مراجعة أنفسنا من حين لآخر بالسؤال التالي.ماذا يطلب منا السؤال؟ بماذا يتعلق الموضوع ؟حتى لا ننساق وراء مفهوم أو مصطلح لا صلة له بالموضوع.
المعرفة :إن استحضار المادة المعرفية المتعلقة بالموضوع تتطلب تقنية خاصة .فعلماء النفس يرون أن الإنسان لا ينسى أبدا ما يتعلمه, ولكنه لا يتذكر إلا ما يطفو على ساحة الشعور والباقي يضل مخزونا في الاشعور. وعليه فلا بد من تسجيل المعلومات المسترجعة كيفما اتفق , وفي شكلها الخام سواء كانت مرتبطة بالموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر ,في المسودة حتى نضمن تداعي المعاني وترابط الأفكار والمعارف التي قد نستقيها من الثقافة الفلسفية أو الأدبية والعلمية أو التاريخية لأن توضيح فكرة ما أو ضرب أمثلة أو ذكر استشهادات يتطلب ذلك.وبعد ذلك نراجع المسودة ونضع خطوطا تحت الأفكار الرئيسية ذات الصلة بالموضوع ونستبعد كل الأفكار التي لا علاقة لها بالموضوع أي نقوم بعملية غربلة المعلومات ونختار الأنسب منها فقط .لأن المهم بالنسبة لنا ليس هو عرض المعلومات بل كيفية توظيفها في شرح ومعالجة الإشكالية المطروحة.

التركيب :هو أهم مرحلة في كتابة الإنشاء ويقتضي منا تقسيم الإنشاء إلى أجزاء بحيث يظم كل جزء مجموعة من الأفكار المتقاربة والمتجاورة دون أن يحدث ذلك تنافرا بين الأجزاء مع تنظيم الأفكار الثانوية داخل الأجزاء وبشكل متماسك ومنطقي لتشكيل فقرات الموضوع , وأشير هنا إلى أن هناك أنواع متعددة للتنظيم أذكر على سبيل الاستئناس (التنظيم المنطقي –التنظيم التاريخي – التنظيم السيكولوجي تنظيم التشابه والاختلاف…)

المقدمة :نحدد الموضوع بذكر الإشكالية دون تفصيل أو مناقشة أو إجابة مباشرة عن السؤال المطروح ,بل صياغة السؤال,وتحديد المصطلحات الواردة فيه بجمل واضحة تساعدنا على معرفة ما يراد منا.
ومن الشروط التي يجب أن تتوفر في المقدمة الناجحة توضيح السؤال للقارئ مع شد فضوله وإثارة اهتمامه ,عدم التعرض للجزئيات والتفاصيل التي ستناقش في العرض فيما بعد,عدم ذكر الخلاصة التي سيتوصل إلها الكاتب في آخر الموضوع عدم ذكر المشروع الذي ينوي السير عليه في الكتابة ,وفي النهاية لابد من قصر المقدمة حتى لا تتحول هي نفسها إلى عرض.

العرض :هو أهم وأطول جزء في الموضوع وهو مرتبط قبل كل شيء بطبيعة التصميم الذي نتبعه في بسط الموضوع لأن لكل نوع من الإنشاء الفلسفي تصميم خاص به .مثلا هناك ( مواضيع للحوار والمناقشة وتتطلب معالجتها أسلوب طرح القضية ثم نقيضها ثم التركيب – مواضيع التحليل كظاهر الشيخوخة أو العنوسة أو الخوف .. ونركز فيها على طرح كل التعارف الممكنة مع تحليلها سيكلوجا واجتماعيا أو فلسفيا – مواضيع المقارنة لابد فيها من عرض أفقيا أو عموديا أوجه التشابه وأوجه الاختلاف .

الخاتمة : لا بد أن تكون واضحة ومختصرة ومجيبة عن المقدمة حتى ولو كانت هذه الإجابة سلبية .دون أن نجدد طرح الإشكالية مرة أخرى حتى لا نسقط في تسلسل طرح الإشكاليات.وعلينا أن لا نميع الخاتمة مراعين في ذلك شعور القارئ وميولا ته الشخصية.ويمكن لنا أن نكتفي بقولة أو نص قصير لفيلسوف مشهور أو حديث نبوي شريف أو آية قرءا نية على شرط انسجامها وانطباقها مع الموضوع.

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن تعلم مهارة كتابة الإنشاء تختلف عن تعلم أي مهارة علمية أخرى كالرياضيات مثلا أو الفيزياء…وأن المنهجية التي قدمتها هي للاستئناس فقط لأن الكتابة هي كالبصمات تختلف من شخص إلى آخر ولقد صدق دستوت دي تراسي حين قال: ( لا أحد بإمكانه أن يفكر مكان الآخر) وأنا أقول لا أحد بإمكانه أن يكتب مكان الآخر.
__

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *