اي خيار للعرب بين امريكا وايران؟

د. عصام نعمان
اندلع الصراع الامريكي ـ الايراني قبل اشهار طهران تحديها لامريكا واوروبا باستئنافها تخصيب اليورانيوم ونجاحها فيه. التحدي الاخير زاد الصراع احتداما وسوف يؤججه باطراد بعد انضمام ايران رسميا الي النادي النووي. اكثر من ذلك: سيظلل الصراع الامريكي ـ الايراني، من الآن فصاعـداً، الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وربما يندمج الاثنان تدريجياً في صراع واحد هو الصراع الامريكي ـ الاسلامي. ايّ خيار للعرب في هذا الصراع؟
الامر يتوقف علي جورج بوش بالدرجة الاولي، اذ سبق للرئيس الامريكي ان اعلن في خطبة حال الاتحاد ، اواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، ان بلاده تخوض حرباً مع الاسلام الراديكالي . ما الاسلام الراديكالي؟ اليس هو المسلمون في شتي اقطارهم وامصارهم الذين يجدون انفسهم اليوم، لاسباب متعددة، في صراعٍ متصاعد مع امريكا وبعض حليفاتها؟
امن النفط وامن اسرائيل: تعارض الولايات المتحدة امتلاك ايران القدرة علي تخصيب اليورانيوم. تدّعي ان ذلك يمكّنها، متي ارادت، من صنع اسلحة نووية حتي لو تمّ التخصيب تحت رقابة اللجنة الدولية للطاقة الذرية.
ايران تردّ بان تخصيب اليورانيوم مخصص للاغراض السلمية فقط، وان معارضة امريكا مردّها الي تصميمها علي حرمانها من امتلاك القدرة العلمية والتكنولوجية اللازمة للتقدم.
هل يمكن ان تتطور معارضة امريكا الشديدة لامتلاك ايران هذه القدرة الي ضرب منشآتها النووية؟
للحرب دوافعها وروادعها في آن، واللجوء اليها كما الاقلاع عنها يتوقفان علي احتساب دقيق للقدرة عليها وتكلفتها والجدوي منها.
في باب الدوافع، تسوق امريكا مباشرةً او مداورةً اسباباً ثلاثة : تهديد ايران لأمنها وامن اسرائيل، وتهديدها المرتقب لأمنها النفطي، وتهديد الاسلام للحضارة الغربية.
يقول مسؤولون امريكيون حاليون وسابقون وخبراء ومستشارون ان امتلاك ايران اسلحة نووية استراتيجية (للمدي البعيد) او تكتيكية (للمدي القريب) يضع القواعد العسكرية الامريكية في الشرق الاوسط في متناول طيرانها الحربي وصواريخها المدمرة. ويقول هؤلاء ايضا ان تطويل مدي الصاروخ الايراني شهاب ـ 3 يضع اوروبا برمتها في متناوله، اي يهدد امنها كما امن القواعد الامريكية القائمة فيها.
لعل اشد ما يقلق امريكا خطرُ صواريخ ايران علي امن اسرائيل. فصاروخ شهاب ـ 3 قادر علي الوصول الي الكيان الصهيوني، واذا ما جري تزويده سلاحاً نووياً فان قدرته التدميرية تتضاعف علي نحوٍ مقلق..
في هذا الاطار، تتحسب امريكا واسرائيل لخطر آخر لا يقل عنفا ودلالة هو امكانية لجوء ايران الي تزويد المقاومة الفلسطينية اسلحةً نووية تكتيكية. ذلك ان امتلاك منظمات المقاومة مثل هذه الاسلحة يقلب موازين القوي في فلسطين المحتلة ويقوّض الكيان الصهيوني، بشريا وبنيويا.
فوق ذلك، تخشـي الولايات المتحدة من ان تتطور ايران بفضل قدراتها النووية، المدنية والعسكرية، الي قوة اقليمية مركزية، تشكّل نواةً لكيان اسلامي دولي ممتد من ماليزيا شرقا الي المغرب غربا، ومن جمهوريات آسيا الوسطي شمالا الي القرن الافريقي جنوبا.
علي الصعيد النفطي تخشي الولايات المتحدة من ان يؤدي امتلاك ايران قدرات نووية متقدمة الي تهديد هيمنتها علي منابع النفط واحتياطه في منطقة الخليج الذي يُقدّر بنحو ثلثي الاحتياط العالمي. ذلك كله في وقت يزداد طلب امريكا خاصةً ودول العالم عامةً علي هذه المادة الاستراتيجية التي يتناقص معدل انتاجها مع تناقص معدل اكتشاف مكامن نفط جديدة واستثمارها او مع ايجاد مصادر جديدة او بديلة للطاقة. علماً ان الصين، وهي ثاني مستورد للنفط السعودي بعد الولايات المتحدة، قد تنجح مع اليابان في انشاء اضخم تجمع اقتصادي من 15 دولة آسيوية تضمّ نحو 3 مليارات نسمة، ما يضعها في مركز تزاحم شديد مع امريكا واوروبا للحصول علي كميات اضافية هائلة من النفط والغاز.
اخيرا وليس آخراً، تخشي امريكا واوروبا من ان يؤدي امتلاك ايران قدرات نووية متقدمة، بالاضافة الي باكستان المرشحة للتخلص من نظام برويز مشرف، الي تعزيز قدرات العالم الاسلامي بتعداده البشري الهائل (1300مليون نسمة) وموارده الطبيعية الضخمة والمتنوعة واهمها النفط، والي قيامه تالياً بتهديد الحضارة الغربيـة (الاوروبية الامريكية) في المدي البعيد.
اثارة صراع سنيّ ـ شيعي: من اجل التخفيف من وطأة احتشاد المسلمين، في معظمهم، وتضامنهم ضد امريكـا، تسعي ادارة بوش الي التركيز علي انقسام المسلمين تاريخيا بين سنّة وشيعة، واستثماره علي نحوٍ تستطيع معه ان تلعب بأهل الشيعة ضد حكومة ذات طابع سنّي علي خلاف مع امريكا، كما حدث عشية احتلال العراق، او ان تلعب بأهل السنّة ضد حكومة ذات طابع شيعي غير مؤاتية لمصالح امريكا، كما يحدث الآن في العراق.
غني عن البيان ان لادارة بوش مصلحة اكيـدة في سحب مفاعيل الانقسام السنيّ ـ الشيعي علـي الصراع المتصاعد بين امريكا وايران. ذلك ان وقوف العرب، حيث اهل السنّة في صفوفهم اكثرية، الي جانب امريكا يُضعف ايران، دونما شك، كما يضعف العرب عموما والفلسطينيين خصوصا في صراعهم مع اسرائيل.
تفادي صراع العرب وايران: لتفادي انزلاق العرب وايران الي صراعٍ بينهما غير مجدٍ بكل المعايير، يقتضي ان يعي الطرفان جيداً مصالحهما العليا علي المدي الطويل، والاخطار التي تهددها، بغية التمييز بين التناقض الرئيس اي العداء السافر، والتناقض الثانوي اي المنافسة غير العدائية. ان نظرةً متأنية الي واقع الصراع في المنطقة تشير الي ان التناقض الرئيس بالنسبة للعرب وايران هو مع الولايات المتحدة وليس بينهما. فأمريكا تحالف اسرائيل منذ قيامها، وتمدّها بالمال والسلاح، وتؤيدها في المحافل الدولية، وتحتل العراق وترفض الانسحاب منه، وتهدد سورية بتغيير نظامها السياسي وربما باحتلالها ايضا، وبالضغط علي لبنان حكومةً وشعباً لتجريد مقاومته الوطنية من السلاح استجابةً لطلب اسرائيل. كذلك تعادي امريكا ايران كما كانت تعادي العراق، حين فرضت علي الدولتين الاسلاميتين الجارتين والمتخاصمتين، قبل احتلالها العراق، سياسـة الاحتواء المزدوج . ذلك كله لأن لا مصلحة لاسرائيل ولا لأمريكا في قيام قـوة اقليمية مركزيـة، عربية او اسلامية، في المنطقة. فهي، كقوة عربية، تهدد اسرائيل في امنها. وهي، كقوة اسلامية، تهدد امريكا في مصالحها، لا سيما النفطية منها. لـذا كانت سياسة الغرب، الاوروبي ومن ثم الامريكي، منذ زمن الامبراطورية العثمانية وعهد محمد علي باشا المصري في القرن التاسع عشر، الي عهد جمال عبد الناصر في القرن العشرين، تفتيتَ وحـدة المنطقة بتفكيك الامبراطوريـة العثمانيـة وتوزيـع ميراثهـا، بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو، مناطقَ نفوذٍ لبريطانيا وفرنسا، ثم الحؤول دون قيام وحدة راسخة بين مصر وسورية في عهد عبد الناصر، واشاعة الفرقة والشرذمة في المشرق العربي بعد تفكيك الجمهورية العربية المتحدة، ناهيك بتمكين اسرائيل من قضم وهضم ما احتلته من فلسطين في حرب العام 1967.
امريكا تتصـرف بما تقتضيه مصالحها، وابرزها النفط وامن اسرائيل، فلا اقل من ان يتصرف العرب بما تقتضيه مصالحهم، وابرزها المحافظة علي ثرواتهم الطبيعية، واهمها النفط والغاز، واستثمارها علي نحوٍ مجدٍ وآمن، واستعادة حقوقهم في فلسـطين المحتلة، وتحرير العراق واعادة بنائه، والعيش بسلام ووئام مع جيرانهم الايرانيين والاتراك والاحباش. صحيح ان ثمة افتئاتاً من تركيا علي حقوق سورية (ضمّ لواء الاسكندرون) ومن ايران علي حقوق العراق (ضمّ الاحواز) وعلي حقوق الامارات العربية المتحــدة (ضم جزر ابو موسي وطمب الكبري وطمب الصغري) الاّ انه افتئاتٌ قابل للتسوية رضائياً او قضائياً في داخل المجالس والمؤسسات الدولية ذات الصلة.
المهم ان امريكا تبدو مصممة، بعد نجاح ايران في تخصيب اليورانيوم، علي ضرب منشآتها النووية الامر الذي سيؤدي الي الحاق أذي واضرار فادحة ليس بايران فحسب بل بمعظم دول المنطقة ايضا، لا سيما المنتجة للنفط. من الطبيعي، والحال هذه، ان تسعي الدول المعرّضة للاذي والضرر الي الحؤول دون نشوب حرب. هذا السعي المطلوب والمحمود يبدأ بترتيب البيت الداخلي، العربي والاسلامي. من هنا تنبع اهميـة، بل اولوية، العمل المنهجي الجاد لتنفيس الاحتقان السنّي ـ الشيعي المفتعل في العراق وغير العراق من البلدان الاسلامية المتعددة المذهب. ولا سبيل الي معالجــة هذه المشكلة الاّ بالتسليم بان النزاع السنّي ـ الشيعي ليس في مصلحـة العرب وايران والمسلمين جميعا بل في مصلحة امريكا واسرائيل، وان لهما دوراً محسوسا في افتعاله وتأجيجه، وان لسوء تدبير الاستخبارات الايرانية في جنوب العراق دورا غير مباشر ايضا في مفاقمته، وان الجانبين العربي والايراني مدعوان الي معالجة هذه المشكلة الخطيرة، بل محكوم عليهما بالتعاون الوثيق من اجل حلّها بالسرعة الممكنة.
روادع الحرب الثلاثة: دوافـع الحرب المحتملة بين امريكا وايران يحدّ من تأثيرها روادع ثلاثة وازنة: القدرة والتكلفة والجدوي.
في مسألة القدرة، تبدو اسرائيل نظريا قادرة علي ضرب المنشآت النووية الايرانية بما تملكه من صواريخ وطائـرات حربية قاذفة بعيدة المدي، مصحوبةً بطائرات ـ صهاريج قادرة علي تموينها بالوقود جواً. مع ذلك ثمة شكوك حول مدي قدرة طائراتها علي التحويم في سماء ايران وقتاً كافياً للتمكّن من قصف المنشآت النووية المستهدفة. ذلك ان المنشآت موزعة في طول ايران وعرضها، وداخل مستوعبات خرسانية سميكة في عمـق اعماق ارضها، الامر الذي ربما يتطلب بضعة ايام لقصفها وتدميرها.
امريكا تبدو في وضع عسكري افضل لتنفيذ جريمة القصف والتدمير، لكنها فـي وضع سياسي اسوأ ازاء العالم الاسلامي الذي سيثور لشنها الحرب، من دون وجه حق، علي بلاد اسلامية. هذا مع العلم ان فعلة امريكا هذه قد يتأتي عنها خسائر بشرية واضرار اقتصادية فادحة وواسعة وكارثية. ذلك ان ايران قد توسع دائرة الاشتباك لضرب جميع مظاهر الوجود والنفوذ الامريكيين في المنطقة، بما في ذلك اسرائيل، الامر الذي قد يؤدي الي تدمير صناعة النفط، انتاجاً ونقلاً وتوزيعاً واستهلاكاً. ذلك كله يطرح مسألة التكلفة الباهظة لهذه المغامرة المحفوفة باخطار واضرار هائلة.
تبقي اخيراً وليس آخراً مسألة الجدوي. ذلك ان تدمير منشآت ايران النووية، وحتي تدمير ايران كلها علي غرار ما فعلته امريكا في العراق، لا يحلاّن مشكلتي الامن العسكري والامن النفطي الامريكيين. فالحرب علي ايران والحاق أذي وتدمير شديدين بها سيشكلان تحديا واستفزازاً لمشاعر المسلمين علي مدي العالم كله، وسيطلقان شرارة حرب شعبية ضد القواعد والمصالح والمواطنين الامريكيين تحت كل كوكب الامر الذي يبدد كل التدابير والتحوطات الممكنة لتحصين الامن العسكري الامريكي والاسرائيلي. كذلك فان توسيع دائرة الاشتباك في الحرب واحتمال تدمير صناعة النفط في المنطقة يؤديان الي تقويض الامن النفطي الامريكي، وربما الامن النفطي العالمي، لسنين كثيرة قادمة. اية جدوي تبقي للحرب عندما تكون حصيلتها كارثية بكل المعايير؟
استراتيجيا عربية ـ ايرانية مشتركة: كل ذلك، علي اهميته وارجحيته، لا يكفي لمواجهة الاخطار والتحديات التي تحيط بالعـرب والمسلمين عامةً وبمنطقة الخليج خاصةً ما لم يقترن بالتوافق علي نهج، بل علي استراتيجيا، يضطلع الجانبان العربي والايراني بتنفيذها، وتكون لها المرتكزات الثلاثة الآتية:
اعلان ايران بقرار من مجلس الشوري فيها، مشفوعاً بتعهد من مرشدها الاعلي السيد علي خامنئي، بعزمها علي عدم المساس بحقول النفط وآبارها وتجهيزاتها في جميـع بلدان الخليج اذا ما اضطرت، في سياق استراتيجيتها الرامية لوقف تدفق النفط، الي اغلاق مضيق هرمز وتعطيل خطوط نقله البحرية كردّ مشروع علي قيام امريكا بقصف منشآتها النووية.
اعلان البلدان العربية المنتجة للنفط، لا سيما السعودية، تعهدها بالوقف الفوري لانتاج النفط وتصديره الي الدولة او الدول البادئة بالعدوان علي ايران او غيرها من دول الخليج، سواء استندت في استعمال القوة الي قرار من مجلس الامن الدولي او من دونه.
عقْدُ قمةٍ لملوك ورؤساء دول منظمة المؤتمر الاسلامي لاعلان موقف صارم ضد استعمال القوة من طرف اية دولة عضو في الامم المتحدة ضد اية دولة عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي، والتهديد بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية معها، بما في ذلك النفط والغاز، في حال تجاهلها هذا الاعلان الملزم ولجوئها الي استعمال القوة.
بمثل هذا النهج الفاعل تتحقق وحدة العالم العربي والاسلامي، بدوله ومنظماته وحركات مقاومتـه، فتفكر الولايات المتحدة اذ ذاك مرتين قبل ان تغامر بشن حرب مكروهة ومكلفة ومؤدية، لا محالة، الي التسبب بكوارث بشرية واقتصادية ماحقة ليس لدول المنطقة فحسب بل لامريكا واوروبا ودول اخري ايضاً في شتي انحــاء العالم.
كاتب وسياسي من لبنان
عن جريدة القدس العربي
Aucun commentaire
سلام اريد اثراء النقاش حول اخطرملف يواجه المسلمين وادعواالاخوة قبل كل شئ الى الاستماع الى هذاالرابط و بعدهانتناقش حول نووي ايران هل هو موجه للسنة المسلمين ام للامريكان ,,,الرجاءالاستماع والقراءةايضامتوفرة حول امامهم الخميني هذاهوالرابط : link to audio.islamweb.net