الشخصية
الشخصية
من الدلالات إلى الإشكالية:
(1) الدلالة اليومية : في المتداول اليومي، كثير ما نربط مفهوم الشخصية، بالقيمة التي يتمتع بها فرد ما ، داخل مجموعته ،ومن ثم نطلق لفض شخصية ،على كل من كان متميزا عن أقرانه ،مثيرا للانتباه ، بسبب أناقته ، أو جماله ، أو قوة جسده أو حديثه الجذاب ، أو ثروته …أو له مكانة اقتصادية ،أونفوذ سياسي ،أو ديني داخل مجتمعه …وأحيانا أخرى نطلق كلمة شخصية على الضعيف، الخنوع، المستسلم، المحتقر داخل مجتمعه بقصد التحقير، والاستهزاء بمن لا شخصية له (منعدم الشخصية)، ولا قيمة له، طبقا للمعايير المتعارف عليها ،والتي حددها مجتمعه سلفا للشخصية .وقد نستعمل لفض الشخص، كمرادف للشخصية عندما نعجب بفرد ما لتأثيره الاجتماعي ،أو لمعارضته للظالم، أو لموقفه السياسي…
لكن هل صحيح أن لفض الشخصية مرادف فعلا لمفهوم الشخص؟ وهل تتعدد الشخصية بتعدد المظاهر الخارجية ؟ لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة دون تحديد دقيق لمدلول الشخصية ، لغويا وفلسفيا .
الدلالة اللغوية :
ورد مفهوم شخص في قاموس العرب بمعنى بدن ، وضخم. (السمنة الزائدة عن الحد المتعارف ) والشخص: هو
الجسيم ،والسيد ،والمشخاص هو : المختلف .
و في لسان العرب ،جاء مصطلح الشخص بمعنى سواد الإنسان أو غيره من بعيد ، أي ظل الإنسان أو أي جسم آخر له ارتفاع ويظهر من بعيد . ومن هنا كان الرجل الشخيص هوا لجسيم أو السيد المرتفع الظاهر .( نلاحظ أن التحديدات المعجمية بدورها ، تركز على المظهر الخارجي، كالبروز ، والعظمة، والضخامة … ،القابل للمشاهدة والمعاينة وهذا ما يجعلها قريبة من الدلالة اليومية للفظ .
أما المعاجم الفرنسية (لاروس – روبير – لالاند ). فقد أعطت لمفهوم الشخصية معنيين : الأول مجرد عام يجعل من الشخصية مسؤولا أخلاقيا وقانونيا.
والثاني مادي محسوس ويتمثل في كل المميزات والمظاهر الأصيلة و الثابتة في الفرد، والتي يختلف بها عن غيره .وعلى هذا الأساس يكون المعنى الأول عاما مشتركا بين بني البشر. (لأن كل فرد مسؤولا عن سلوكاته الأخلاقية والقانونية بغض النظر عن مكانته الاجتماعية.) والثاني خاص بالفرد ، باعتبار خصوصياته المنفردة والمعترف بها اجتماعيا .ومن هنا نستنتج أن الشخصية تكون في نفس الوقت عامة ،وخاصة ، أي مشتركة بين الأفراد، ومتمايزة فردية ،مختلفة من فرد إلى آخر.وهذا ما يؤدي إلى تعددها وتنوعها .ولقد أحصى غردون ج البورت سنة 1937 خمسين تعريفا مختلفا للشخصية .أذكر منها : { إن الشخصية هي التنظيم الدينامي ، للأنظمة السيكوفزيولوجية، التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه}. نلاحظ أن تعريف غوردن اهتم بثلاثة عناصر هي : (1)الفرد كذات فاعلة (2) التنظيم والحركية التي تقوم بها الفرد .(3) المظهر الخارجي الذي يميز الفرد . إذن لتحديد الشخصية ، فلا بد من التعامل معها كبنية متحركة يتفاعل فيها الخاص بالمشترك .
الدلالة الفلسفية
لم تكن الفلسفة وهي أم العلوم، أن تدير ظهرها لمدلول الشخصية . وإن كان المصطلح يستقي مفهومه ومعناه من الفلسفة، التي يتموقع داخلها . فكانط مثلا يعرف الشخصية ، بناء على التمييز بين مصطلح الشخص ، والشخصية .( فالشخص بالنسبة إليه هو الذات أو الفرد، الذي تنيب إليه مسؤولية أفعاله ،ويتحملها .أما الشخصية ،فهي الكائن العاقل الذي يعي ويدرك نفسه وحريته، في إطار الواجب من أجل الواجب .) أما هيجل، فيربط الشخصية ، بالوعي بالحركة المطلقة للوجودومن ثم فهي لا تبدأ إلا عندما تعي الذات نفسها غير محسوسة ،ولا يحدها مكان بل مجردة تجريدا خالصا .
إذن إن الدلالة الفلسفية لمفهوم الشخصية ، تنبني على النظرة، والتصور الفلسفي للإنسان ،كذات واعية ، وكينونة مفكرة ،لها وجود، وحرية ،وإرادة ،وتدرك مسؤوليتها ،ولها مظهر خارجي يعبر عن حقيقتها .(يتبع)
1 Comment
جزاااااااااااااااااااااااكم الله خير على الموضوع