فقه النوازل تعبير عن الظواهر الاجتماعية
إن موضوع المرأة ,والأسرة ظل في العقود الأخيرة المحور الأساسي الذي تدور حوله جل أبحاث السوسيولوجيين المهتمين بهذا الميدان .لقد تشعبت الآراء وتضاربت حوله الأفكار والمواقف نتيجة للتغيرات السريعة سواء منها الإيجابية أو السلبية التي ظلت تلاحق الأسرة والمرأة .وأقصد بكلمة الإيجابية والسلبية الموقف الإيديولوجي الذي يختلف من باحث إلى آخر فما يراه هذا إيجابا قد يراه غيره سلبا.
فهل بالإمكان دراسة الأسرة المغربية التقليدية لما قبل الاستعمار بعيدا عن التأثر بالجدل المعاصر حول مفهوم حرية المرأة ,والعمل ,والحجاب ,والراتب الجنسي ,والعلاقات الزوجية ومفهوم الصراع داخل الأسرة ,والدور الاجتماعي والاقتصادي الذي قد تلعبه المرأة داخل الأسرة ,والأسرة ذات أم عزبة …..؟
إن البناء الأسري للمغرب التقليدي ,وأقصد بذلك القشرة الخارجية للأسرة خاضعة لمفهوم الأسرة كما يحددها الفقه المالكي ولا أستطيع أن أنكر أن هناك ممارسات لا شرعية ولا إنسانية ظلت تخضع لها المرأة ولا زالت داخل الأسرة التقليدية خصوصا في الفترات التي تضعف فيها السلطة المركزية أقصد سلطة المخزن والقضاء فتعم الفوضى الاجتماعية ,ويستباح كل محرم ,وأول من يتعرض لكل فضيع وشنيع هو المرأة.وهذه رسالة الشيخ عيسى بنعلي الحسني العلمي صاحب كتاب النوازل التي رفعها إلى عامل السلطان المولى إسماعيل في لإقليم تطوان {العصر الذي كثيرا ما يوصف من طرف المؤرخين بأنه عصر الأمن والاستقرار السياسي وأن المرأة استطاعت في عهده أن تسافر وحده ….} {{وأعلمك أن ولاية القضاء والحكم بين المسلمين قد صعبت علي في هذا الزمان الذي كثر فيه البغي والطغيان حتى تغير الحال ,وتراكمت الفتن والأهوال وتعذر تنفيذ الأحكام الشرعية والعمل بالسنة ,وارتكب الناس البدع ومحدثات الأمور ….إلى أن يقول :<<والآن لما ظهر من يفتن الناس عن دينهم ويزلزلهم عن عملهم ويقينهم ويلزمهم شهادة الزور والحكم بالباطل والفجور واسترقاق الأحرار من أمة المختار صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم فحسبي نفسي …..>>من الجزء الأول من كتاب النوازل.
هذه الرسالة تثبت أن عصر مولاي إسماعيل كان عصر اضطراب وفوضى كثر فيه البغي والجور والطغيان والفتن والأهوال وضاعت فيه الحقوق لتعطل الأحكام بسبب ضعف السلطة المركزية .وهذه قاعدة اجتماعية ,فكلما ضعفت السلطة المركزية أو انهارت إلا وعمت الفوضى كل جوانب الحياة وساد قانون الغاب .إن هذه الرسالة خالفت ما ذهب إليه المؤرخون بأن الحقبة الإسماعيلية تميزت بالاستقرار السياسي والأمن المطلق والعدل….
إن انعدام الدراسة الموضوعية التاريخية منها أو لسوسيولوجية ,والوثائق المادية .لهذه الفترة تركت ثغرة عميقة لا يمكن للباحث سدها في رأيي إلا بالدراسة النصية لفتاوي وأقوال الفقهاء التي تمثل بالنسبة للباحث السوسيولوجي وثائق وشهادات سوسيولوجية فريدة من نوعها ولا يمكن تجاهلها والاستغناء عنها بأي حال خصوصا في المجتمعات التي عرفت الاستعمار كما عرفت فوضى سياسية لفترات طويلة .قد يقال أن الفقهاء ظلوا متمركزين في المدينة ومن ثم فإن وثائقهم لا تغطي إلا الجانب الحضري ,صحيح أن المدينة كانت على الدوام ولا زالت هي المركز والبادية هي المحيط الذي تدور في فلكه .ولكن الفقيه باعتباره يمثل سلطة شرعية ,وباعتباره مسئولا بشكل من الأشكال عن الأمر بالمعروف والهي عن النكر لا يمكن أن يتقوقع حول نفسه داخل المدينة مهملا شؤون البادية .ومن ثم, نجد الفقيه يسأل بل ويرتحل إلى البادية ليطلع بنفسه على أحوالها .وإذا تعذر عليه ذلك ,فهناك دائما من يلجأ إليه من البادية ليطلعه على أحوالها وليسأله عن الحلال والحرام لأن المسلم لا يقدم على شيء حتى يعرف حكم الشرع فيه مهما كان هذا الشيء ولأن الحلال والحرام من اختصاص أهل الحل والعقد .وصاحب النوازل لما تعذر عليه القضاء لفساد الرعية طالب بعزل نفسه لأن الفقيه كان يرى نفسه ضمير الأمة والمسؤول عن التربية الخلقية والدينية بالدرجة الولى في اطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا لم يستطع أن يقوم بهذه المهمة فلا حاجة للمسلمين إليه وهذ ما أشار إليه صاحب النوازل في رسالته إلى والي السلطان إذ يقول فيها <<….وأتوسل بالله تعالى إلى أن تعزلني عن هذه الولاية حتى أكون واحدا من المسلمين وتولي من يظهر لك غيري …}}
ولهذا السبب يمكن في اعتقادي أن نركن إلى فتاوي ونوازل الفقهاء باعتبارها وثائق سوسيولوجية لدراسة الأسرة المغربية التقليدية سواء منها تلك التي توجد في البادية أو الحاضرة.
إن اختلاف الفقهاء حول القضية الواحدة نظرا لاختلاف مذاهبهم يساعد في منظوري على توضيح وإبراز المشكلةالاجتماعية التي يريد البحث السوسيولوجي أن يضع يده عليها لأن اختلاف الفتوى يكمن وراءه اختلاف واقع سوسيولوجي واقتصادي معين وهذ الإمام الشافعي نجده يفتي بقضايا لما كان بالعراق ويفتي بما يخالفها لما ارتحل إلى مصر.وابن عرضون على الرغم من أنه سني مالكي .نجد له فتوى غريبة .وهي الحكم للمرأة بنصف مال زوجها إن هو مات عنها أو طلقها وخصوصا إمرأة البادية لأنها تشارك زوجها أعمال الحرث والزرع وتربية المواشي وما إلى ذلك من الأعمال .وهذ يأكد لنا أن بداخل الفقيه يكمن عالم الاجتماع حتى وإن لم يعلن عن نفسه فهو يعيش مع الجماعة وللجماعة وفي الجماعة .
إذن إن النوازل والفتاوي الفقهية مادة خام بالنسبة للدارس السوسيولوجي وكل ماتحتاج إليه هو تحويلها إلى وثيقة سوسيولوجية يمكن استغلالها في تعويض النقص الذي يعاني منه كل باحث سوسيولوجي أو تاريخي في بلادنا
إن النوازل على الغم منأنها قضية فقهية بالدرجة الولى فإنها في واقع الأمر تعبير عن ممارسة اجتماعية معينة ,ورغبة ملحة في معرفة حكم الشرع بل في اخضاعه لما هو سائد في الواقع الاجتماعي وفي هذا الثدد يذكر إيمل عمار ….{{لا شيء يعكس أحسن من فقه النوازل حالة العادات والتصورات القانونية الملازمة للمؤسسات العمومية والخاصة والميل إلى التطور التدريجي عند ألأمة الإسلامية .
فإلى أي حد تستطيع نوازل العلمي أن تعكس لنا واقع الأسرة المغربية التقليدية وأن تحدثنا عن المرأة داخل هذه الأسرة وعن المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها والتي هي في تقديري امتداد للمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المرأة والأسرة اليوم مع فارق في النوع والكم نتيجة المرحلة الانتقالية التي يعيشعا المغرب ونتيجة العولمة ونتيجة الصوة الإسلامية.
Aucun commentaire