« ليالي الفيلم القصير التونسي بباريز » لسعد وسلاتي: « شريط السيتيرنة » رؤية جديدة لاكتشاف قيم العالم الإنسانية

ميلود بوعمامة
اعتبر الفيلم التونسي القصير « السيتيرنة La citerne » للمخرج الشاب لسعد وسلاتي من بين الأفلام السينمائية الجيدة التي دخلت المسابقة الرسمية ضمن فعاليات المهرجان الرابع للفيلم القصير المتوسطي بطنجة، إلى جانب الفيلمين التونسيين الآخرين « السرير » لحمادي عرافة، و »صابة فلوس » لأنيس الأسود الفائز بالجائزة الكبرى للفيلم المغاربي القصيربوجدة في دورته الثالثة،ثلاثية سينمائية تونسية مبدعة، تلمس فيها عمق التناول واحترافية الأداء وقيمة الإبداع وبعد النظر.
شريط السيتيرنة،يعد أو فيلم قصير احترافي في مسيرة المخرج الشاب لسعد وسلاتي خريج معهد السينما الوحيد بتونس الذي تأسس سنة 1995، وخلال مدة دراسته أخرج لسعد أفلاما تدريبية قصيرة، لكن لم تصل إلى مستوى هذا الفيلم الذي ركب من خلاله المخرج « الصعب »، حيث اختار بدقة متناهية ذلك العنصر الحيوي والمستهلك يوميا، متمثلا في « الماء » كتيمة لفيلمه الذي نحى بتجربته المتواضعة نحو العالمية، خاصة في اختيار وانتقاء الشخصيات والملابس والديكور والفضاء السينمائي الرحب، وكذا الأحداث التي تطورت بشكل سلس ميلودرامي، موازاة مع طبيعة المكان الخارجي الذي تولدت فيه فكرة السيناريو واستأذنت مخيلة المخرج وتربعت فيه.
والفضاء السينمائي في حقيقة الأمر هو لمنطقة جميلة وجذابة جدا بضواحي مدينة « الكاف » بتونس، حيث تتواجد المقبرتين: المسيحية والإسلامية، والطريق الذي يفصل بينهما، وحيث كانت تتواجد السيتيرنة محور الفيلم، أما بالنسبة للاختيار الدقيق للمكان والشخصيات والملابس والديكور، لم يأت اعتباطيا، بل جاء عن اقتناع بالفكرة ومدى تجسيدها على أرض الواقع، كما صرح وسلاتي في حديث صحفي معه، وحتى بالنسبة لتصوير أحداث الفيلم جاءت من هذا المنطلق،يعني (عناصر احتاجها الفيلم) ،أي تصويره مشهدا مشهدا، دون طغيان شخصية على أخرى أو جانب بعينه على الآخر، وذلك كله لعدم السقوط في حساسية الأفكار المتطرفة والاختلافات الايديولوجية وصراع الديانات، بالرغم من الاختلاف الذي يعرفه العالم اليوم من صراع حضاري محتدم، وجاءت لغة الفيلم مبثورة تماما،باستثناء ورود كلمة « ماء »،التي ترجمت إلى سبع لغات عبر سوتيتراج الفيلم،ودلك لكي تصل الرسالة المبتغاة بوضوح وسهولة متناهية للمتلقي.
فيلم السيتيرنة، إذن هي رسالة غير مشفرة للعالم الذي طغت على مجتمعاته لغة الماديات، وتباعد الأفكار واختلاف الاديولوجيات وصراع الطبقات والحضارات، وتوظيف الجرار والآلات الأخرى هنا، تعبير مجازي عن طغيان الآلة المدمرة، والمصالح الشخصية،دونما التفكير في الآخر بعقلانية وتدبر، ودونما التفكير في دواتنا كمسؤولين عن أخطائنا،ومصالحنا الجماعية من غير الفردية،وبالتالي الانصياع بنوع من الرأفة والتسامح والتضامن والحوار والانفتاح على الآخر.
فقصة شريط السيتيرنة قد تحدث في كل شبر من هذا العالم الذي نعيش عولمته بكل تناقضاتها واختلافاتها وبصراعاتها ولاسلمها، و »الماء » في الفيلم تعبير عن الأطماع والجشع الذي يهدد خيرات الشعوب والأمم المستضعفة) حروب المياه(،هكذا جاءت مشاهد الفيلم معبرة عن صراعين اثنين: الأول واضح للعيان، والثاني خفي بين حارسي المقبرتين،وعندما يشرف الشريط على نهايته،حينها ترتفع الكاميرا في الأفق وينجلي الغموض وتتوضح الصورة ويستمر بذلك الصراع.
إذن تبقى السينما التونسية في صيغة الفيلم القصير، أعمالا سينمائية مبدعة ومبهرة في نفس الآن، ساهم في بلورتها شباب تونسي واعد، لكن مؤطر تأطيرا أكاديميا داخل تونس وخارجها،أمثال وسيم قربي، كوثر بن هنية،وليد مطار،حمادي عرافة،أنيس الأسود،لسعد وسلاتي،أمين شبوب،محمد بن عطية ونزار الجليدي وغيرهم،وحصلت جل هذه الأعمال السينمائية على جوائز دولية مهمة،وها هي الآن تشارك بعاصمة الأنوار باريس في إطار مهرجان « ليالي الفيلم القصير التونسي » يومي 12 و 13 دجنبر الجاري، وحضورها كضيفة شرف في الدورة الرابعة- لمهرجان السينما والذاكرة المشتركة- بالناظور من رابع إلى تاسع ماي من السنة المقبلة.
.





Aucun commentaire