Home»Correspondants»هل من خطة لمواجهة الكلاب الضالة ؟

هل من خطة لمواجهة الكلاب الضالة ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

هل من خطة لمواجهة الكلاب الضالة ؟

الدكتور عبد القادر بطار

لن أحدثك أيها القارئ الكريم عن فضائل الكلاب وأحكامها في الفقه الإسلامي، وما قاله العلماء والأدباء والشعراء في ذلك، فلقد ألف العالم الأديب اللبيب أبو بكر محمد بن خلف المرزبان المتوفى سنة 309 هجرية كتابا ممتعا بعنوان: « تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب » وهو كتاب ظريف لطيف جمع فيه صاحبه أمورا طريفة تتعلق بفضل الكلب كحفظ الجميل وشفقته على صاحبه وحراسته للماشية من الغادرين، واعتداء الذئاب على من لا كلب له (1)  كما قال الشاعر:

تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له * وتتقي صولة المستأسد الضاري

مثلما تحدث العلماء عن جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد و للماشية وللحراسة، وفصلوا لكلام في ذلك تفصيلا.

وقد أشار الإمام أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي الموفى سنة 829 هجرية في منظومته المسماة « تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام » إلى حكم بيع الكلاب وأقوال العلماء في ذلك فقال:

واتفقوا أن كلابَ الماشيهْ * يجوزُ بيعها ككلب الباديهْ

وعندهم قولان في ابتياع * كلاب الاصطياد والسباع

وقد اشترط العلماء في أكل صيد الكلب أن يكون الكلب معلما، ومعنى كونه معلما أن يكون إذا زُجر انزجر، وإذا أُغري أطاع، وقيل: يضاف إلى هذين الشرطين: أن يكون إذا دعي أطاع. (2)

ويقول الإمام القرطبي المفسر المشهور: ولا خلاف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما: أن يأتمر إذا أمر، وينزجر إذا زجر، لا خلاف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناهما من سباع الوحوش.

 وقد استنتج الإمام القرطبي من قوله تعالى: » يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ » [سورة المائدة: 4] أن العالم له من الفضل ما ليس للجاهل، لأن الكلب إذا علم يكون له فضيلة على سائر الكلاب، فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس، لاسيما إذا عمل بما علم. (3)

ومعنى قوله تعالى » مُكَلِّبِينَ » أي أصحاب كلاب، وقوله سبحانه وتعالى  » تُعَلِّمُونَهُنَّ  » أنث الضمير مراعاة للفظ الجوارح، إذ هو جمع جارجة.

ومن الطرائف الجديرة بالذكر هنا أنه دخل يوما أبو العلاء المعري على الشريف المرتضى، فعثر برجل فقال الرجل: من هذا الكلب ؟ فقال أبو العلاء المعري: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما.

وقد جاء الإمام السيوطي فيما بعد وتتبع كتب اللغة، فوجدها أكثر من ستين اسما، ونظمها في أرجوزة له بعنوان: « التبري من معرة المعري » يقول في مطلعها:

قد نُقِلَ الثقاتُ عَن أبي العُلا     * لما أتى للمُرتَضى ودخلا

قال له شخصٌ بهِ قَد عَثَرا *  من ذلِكَ الكلبُ الذي ما أبصَرا

فقال في جوابه قولاً جلِي * مُعَبِّراً لذلك المجهّلِ

الكلبُ من لَم يَدرِ من أسمائِهِ * سبعينَ مومياً إلى علائِهِ

وقد تَتَبّعتُ دَواوينَ اللُغَه *   لَعَلّني أجمعُ من ذا مَبلَغَه

فجئتُ منها عدداً كثيراً *وأرتجي فيما بقي تيسيرا

وقد نظمتُ ذاك في هذا الرجز *ليستفيدَها الذي عنها عجز

فسمّهِ هُدِيتَ بالتبرّي * يا صاحِ من معرّةِ المعرّي

كما خص أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكلب بحظ وافر في كتابه الرائع » الحيوان » حيث تحدث عن الكلب وخصائصه، مثل ذكاء الكلب ومهارته في الاحتيال للصيد، الانتباه الغريزي للكلب، أنفة الكلب، معرفة سن الكلب، أمراض الكلاب وأن الكلب أشد ثباتا وأصدق حسا، كما قال الشاعر:

فلا ترفعي صوتا وكوني قصية * إذا ثوب الداعي وأنكرني كلبي

ولعل أهم ما يميز عمل الجاحظ في هذا المجال هو تلك الفوائد اللغوية التي تكون موضوع استطراد عادة … (4)

 

 

 

عود على بدء:

قد يبدو العنوان الذي أثبتناه فوق غريبا، وهو كذلك، لأنه يتعلق بظاهرة غريبة فعلا، وغير صحية، أصبحت تعرفها مدينة وجدة في الآونة الأخيرة، بل وبشكل منفر أحيانا، حيث انتشار الكلاب الضالة في مختلف شوارع المدينة وأحيائها، وبأعداد كبيرة، وبأشكال مختلفة، وتزداد خطورة هذه الظاهرة أكثر في بعض الأحياء بالمدينة، حيث أصبحت تشكل نقطا سواء بكل ما في الكلمة من معنى.

والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة التي باتت تقلق راحة المواطنين وتهدد سلامتهم لم يتصد لها أي أحد، في حدود ما نعلم، بدليل تكاثر عدد الكلاب الضالة يوما عن يوم، وتناسلها بشكل عادي ومستمر، وانتشارها هنا وهناك…

مما لا ريب فيه أن هناك أماكن تعد نقطا سوداء بمدينة وجدة، حيث تستفحل ظاهرة الكلاب الضالة، مما يشكل خطرا حقيقيا على سلامة وراحة المواطنين، وفي أحسن الأحوال حرمانهم من نوم هادئ، بسبب تهارشها، والنباح المزعج  الذي لا يكاد يفارقها طوال الليل.

إذا كنت شابا يافعا قويا وحدث أن هاجمتك الكلاب الضالة يوما فقد تنجو بنفسك، وقد تسيطر على الوضع … لكن تصور معي لو تعلق الأمر بشيخ كبير أو امرأة عجوز أو بأولئك الأطفال الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم في حالة تعرضهم لهجوم غير متوقع من قبل كلب ضال أو كلاب ضالة، وهم في طريقهم إلى المدرسة أو عودتهم إلى منازلهم، كيف يكون الوضع ؟

أكاد أجزم أن الجميع يستنكر هذه الظاهرة الغريبة، ظاهرة الكلاب الضالة، ويمقتها أشد المقت، ويعبر عن استيائه العميق بقلبه أو قلمه كما هو الشأن بالنسبة لكاتب هذا المقال، وذلك أضعف الإيمان. وكلنا يتمنى أن يرى مدينته في صورة مشرفة، بل في صورة المدينة الفاضلة الآمنة المطمئنة.

دون أن نمضي في سرد مساوئ هذه الظاهرة الغريبة، ظاهرة الكلاب الضالة، وبيان مفاسدها وأضرارها التي لا تخفى على أحد، نتساءل: هل هناك خطة عملية لمواجهة ظاهرة الكلاب الضالة بمدينة وجدة ووضع حد لتهارشها المستمر والمستفز؟

هوامش:

(1) تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان، قدم له وعلق عليه الدكتور أحمد بن عياش اللطيف، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت الطبعة الأولى 2008.

 (2) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف الإمام جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس 2/380 تحقيق الدكتور حميد لحمر، طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت الطبعة الأولى 2003.

(3) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي 6/71 راجعه وضبطه وعلق عليه الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي طبعة دار الحديث القاهرة  الطبعة الثانية 1996. 

 (4) كتاب الحيوان، للجاحظ، الجزء الثاني، تحقيق عبد السلام هارون، طبعة دار الجيل بيروت، 1988.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *