هل نحن بحاجة للتأني في عصر السرعة ؟؟؟…

يوصف العصر الذي نعيش فيه بأنه (عصر السرعة) كنتيجة لوسائل الاتصال السريع ووسائط النقل المتطورة برّاً وبحراً وجوّاً .
فنحن نلاحظ أنّ المسافة الزمنية بين قفزة علمية وأخرى راحت تضيق ، فلم نعد نحتاج إلى عقد وعقدين من الزمن أو أكثر حتى يتكلّل اختراع ما أو تجربة ما بالنجاح ، بل باتت مسألة سنوات معدودة .
وإلى جانب ما أفرزه هذا الواقع من سعة في العلوم والمعارف في الميادين المختلفة ، فإنّه كشف أيضاً عن الكثير من النظريات والآراء والاختراعات العلمية السابقة ، بل حتى على صعيد النظريات التعليمية والاجتماعية أحياناً ، هي عرضة للتبدل والتغيير في سياق الزمن المتصاعد ، فلقد اندثرت نظريات أو تراجعت وتركت المجال لنظريات أكثر تطوراً ونضجاً ، ويتجلى ذلك في مجال الصحة والأجهزة التقنية الكهربائية والالكترونية .
غير أنّ المثير للانتباه هو أنّ مصطلح (عصر السرعة) قد أسيء فهمه واستغلاله . فإذا رأيت تلميذاً ينهي مطالعة كتاب مدرسي أو أي كتاب آخر في ظرف دقائق ، وتعجبت لذلك فإنّه يردّ على تعجبك بأنه في عصر السرعة . وإذا قاد شاب سيارته بسرعة فائقة يتجاوز فيها الحدود المسموحة بها ، قال : إنّنا في عصر السرعة ..وإذا تناول الشبان والفتيات الأطعمة الجاهزة أو السريعة الصنع حتى ولم تكن صحية ، قالوا : نحن في عصر السرعة .. وإذا أنجز فنان شاب لوحته ، أو كتبت فتاة أديبة قصيدتها في وقت وجيز ، وإذا قامت علاقات بين بعض الشبان أو بعض الفتيات ففسخت بسرعة ، فإنّك تسمع منهم تبريراً غير مقنع ، إنّنا في عصر السرعة ولا شيء يمكن أن يدوم .
وقد يعذر هؤلاء في بعض الأحيان لأنهم يختزلون أوقات كانت تهدر على أعمال لا تحتاج إلى كل هذا التبذير ، كالبقاء طويلاً في المطبخ ، أو الجلوس ساعات طويلة للثرثرة أو التسكّع في الشوارع وما شابه ذلك .
ولكنك لا تجد العذر للأعمال الغير المكتملة خاصة وان ذلك يتنافى مع ثقافتنا الإسلامية لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه » كما يتنافى مع روح العصر التي تتطلب الدقة العالية في الإبداع والمنافسة .
إنّ السرعة والدقّة لا تلتقيان إلاّ نادراً ، وبعد أن تكون المهارة قد وصلت أعلى مراتبها ، ولذا فمثل الشاب أو الفتاة اللذين يسرعان في إنجاز أعمالهما دون توخي الدقّة ، كمثل الذي يقطف ثمرة غير ناضجة (فجّة) ليأكلها .. هل تراه يستلذها ؟ هل يجد طعمها كطعم الثمرة الناضجة اللذيذة الشهية ؟
إنّنا لا ندعو إلى إنجاز العمل الذي يحتاج إلى ساعة بيومين ، أو الذي يحتاج إلى يوم بأسبوع لاسيما بعد ما أعانتنا في ذلك التقنيات الحديثة التي اختزلت العمل الكثير ، لكن ذلك لا يعفينا من ضرورة الانجاز الدقيق المتكامل الذي ينافس الانجازات المماثلة أو يقترب منها .
إنّ عودة الفنان الشاب إلى لوحته بعد رسمها قد يجعله يضيف لمسات جمالية أخرى عليها ، وتأنّي الأديبة الشابة في كتابة قصة أو قصيدة يوفر لنتاجها شرطاً من شروط الإبداع ، ويقلل فرص النقد والمؤاخذة ، وهكذا الأمر في كل شأن حياتي أو علمي أو فني أو أدبي .
وثمة مفارقة أخرى ، فاللذين يدّعون أ نّهم في عصر السرعة ، ويبررون بذلك النقص الحاصل في أعمالهم ، تراهم ينفقون الساعات الطوال في لعبة لكرة القدم ، أو ساعات أطول أمام الانترنيت ، وساعات متواصلة أمام التلفاز ، وكذا ساعات في التجول بالسيارة أو سيراً على الأقدام في الأسواق وأماكن النزهة ..
إنّ مفهوم (عصر السرعة) يستخدم في المواضيع الخطأ ، فأنت تسرع في الموضوع الذي يحتاج إلى الدقّة والتريث والتأني ، وتبطئ في المواضيع التي لا تحتاج إلى ذلك .
فما زال الوقت المهدور عبثاً بين الشباب والفتيات ، بل ازداد هدراً .. وما زالت الأوقات المضيّعة على الهوامش .. كثيرة ، وكان بالإمكان أن يستثمر الوقت الفائض في أعمال أكبر وانجازات أكثر ، لكننا لا نجد ذلك إلاّ في حدود ضيقة .




3 Comments
جزاك الله خيرا طرح جيد لقضية مهمة
العجلة من الشيطان والتأني من الرحمان
دام إبداعك
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
استاذي الفاضل محمد شركي
اشكرك جزيل الشكر على هذا التشجيع ..واتمنى ان اكون عند حسن الظن.. وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله امرأ عمل عملا فاتقنه ) …
تحياتي للاستاذ الفاضل وشكرا
شكرا على هذا الطرح الجيد
بارك الله في جهودكم