فخورون باستضافة تظاهرات رياضية كبرى!


رغم أن السواد الأعظم من المواطنات والمواطنين المغاربة في الداخل والخارج جد فخورين باستعداد بلادنا خلال هذه الأيام لاستضافة تظاهرات رياضية كبرى، من قبيل كأس أمم إفريقيا 2025 للرجال والنساء على حد سواء، وكأس العالم 2030 في ملف ثلاثي مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال، وكأس العالم لأقل من 17 سنة، هناك فئة من الناس لا يخفون امتعاضهم وتذمرهم من ذلك، خصوصا بعد ظهور حركة « جيل Z »، بدعوى أن المغرب أحوج ما يكون إلى إصلاحات كبرى، وأنه كان يجدر بنا صرف تلك الملايير من الدراهم في بناء العقول قبل بناء الملاعب، والنهوض بالقطاع الصحي المتدهور، عبر توفير الموارد البشرية والتجهيزات الضرورية…
فالمغرب كما يشهد بذلك عدد من الخبراء والمهتمين بالشأن الرياضي، يسعى من خلال تنظيم المنافسات الرياضية الكبرى إلى تكريس ممارسة الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، وجعلها رافعة أساسية للتنمية البشرية المستدامة، وقد أصبح قوة رياضية صاعدة على الصعيدين الإفريقي والدولي، بفضل التوجه الاستراتيجي الذي يندرج ضمن رؤية مستقبلية متبصرة، يقودها بحكمة وبعد نظر الملك محمد السادس، وهي الرؤية التي تقوم على تطوير البنيات التحتية الحديثة، وإشاعة الأمن والانضباط في المجتمع، فضلا عن تكريس الاستقرار السياسي. لذلك لا غرو في أن يظل حريصا على احتضان مثل هذه المنافسات الكروية، في اتجاه دعم الدينامية التنموية، وتعزيز مكانته على المستوى الرياضي والدبلوماسي…
ثم إن ما يغيب عن أذهان الذين ينتقدون بناء الملاعب وتنظيم مثل هذه الأحداث الرياضية الكبرى، وعن الأصوات التي تتساءل حول جدوى هدر المغرب ميزانيات ضخمة في مشاريع لا تشكل أولويات، هو أنهم يجهلون ما لذلك من آثار إيجابية وانعكاسات اقتصادية مهمة، لأن بطولتي كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 ليسا فقط حدثين رياضيين عابرين، بل هما أيضا فرصة استراتيجية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المديين القريب والبعيد، وأن المكاسب الحقيقية تتجاوز بكثير كل التوقعات الممكنة…
فاستضافة البطولات الرياضية الكبرى في كرة القدم، يستوجب العمل بجدية على تطوير المنشآت الرياضية، أي ما يشمل بناء ملاعب جديدة، إعادة تأهيل المنشآت الموجودة وتطوير البنية التحتية المحيطة، مثل الطرق، المواصلات والمطارات، كما هو الشأن بالنسبة لبناء الملعب الكبير بالدار البيضاء الذي سيتسع لحوالي 115 ألف متفرج، ويتوقع أن يكون الأكبر على الصعيد العالمي، تحديث ملاعب رئيسية مثل ملعب مولاي عبد الله بالرباط الذي تم تدشينه يوم الخميس 4 شتنبر 2025 من طرف سمو الأمير مولاي الحسن، الملعب الكبير بأكادير، فضلا عن منشآت أخرى في كل من طنجة، مراكش وفاس. دون أن ننسى تحسين وسائل النقل، وهي الاستثمارات التي من شأنها خلق فرص شغل مباشرة في قطاع البناء وقطاع الرياضة وقطاع الخدمات، والإسهام في تحفيز النشاط الاقتصادي بمختلف المدن المغربية.
ثم إن المغرب ليس أول بلد إفريقي تعوزه الإمكانيات المادية من يقوم بتنظيم بطولة كأس إفريقيا أو بطولة كأس العالم، فقد سبق له تنظيم كأس إفريقيا للأمم بنجاح كبير عام 2018، وهناك بلدان إفريقية أقل شأنا منه استطاعت رغم التحديات الاقتصادية وضعف البنية التحتية، تنظيم « العرس الإفريقي » في أجواء جيدة بلا مشاكل، بل واستفادت كثيرا منه. ومنها مثلا دول: غانا التي استضافت ذات البطولة في 2008، وشهدت تحسينات في البنية التحتية، وأنغولا عام 2010 التي استفادت بدورها من استثمارات مهمة في المنشآت الرياضية، وغينيا الاستوائية والغابون بشكل مشترك في 2012 وشهدتا هما أيضا تطورا ملحوظا في البنية التحتية الرياضية…
أما بخصوص تنظيم كأس العالم، فلا يعني أن الدول الجد متقدمة والتي تعيش شعوبها في رخاء وازدهار هي وحدها من لها الحق في استضافة بطولة كأس العالم، إذ هناك بعض الدول تعاني من تحديات اجتماعية واقتصادية، وبفضل تنظيم هذه البطولة العالمية شهدت تحسينات في البنية التحتية والاقتصاد، ومنها على سبيل المثال البرازيل سنة 2014، علما أنها تعاني من تفاوت اجتماعي واقتصادي كبير، ووجود مناطق تعيش الفقر المدقع، وجنوب إفريقيا سنة 2010 رغم أنها تواجه مشاكل كبيرة بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وروسيا سنة 2018 وغيرها…
إن على المغاربة في الداخل الخارج أن يفخروا، بما شهدته كرة القدم المغربية من تطور وإنجازات تاريخية في السنوات الأخيرة، ونيل بلادهم شرف تنظيم بطولتي كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 باشتراك مع إسبانيا والبرتغال، حيث لا يتعلق الأمر فقط بحدثين رياضيين، بل هي مناسبة مواتية لتحول اقتصادي واجتماعي، عبر استثمار استراتيجي في البنية التحتية، والقطاع السياحي والخدمات. علاوة على تعزيز مكانة المغرب كقوة اقتصادية صاعدة، ومنحه فرصة إظهار قدراته في تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة، ستؤدي حتما إلى جذب استثمارات أجنبية في عدة قطاعات، الرياضة، السياحة، العقار وتقوية الشراكات مع شركات دولية في مجالات التكنولوجيا والإعلام والتنظيم…
وفوق هذا وذاك، فإن استضافة بلادنا فعاليات البطولتين السالفتي الذكر، ستخلف لنا إرثا كبيرا ومجديا، يتمثل في منشآت رياضية بمواصفات دولية، تمديد شبكة القطار فائق السرعة نحو مراكش، إطلاق قطارات جهوية تربط المدن بالمناطق، اقتناء مائتي طائرة جديدة، توسيع وتحديث المطارات، الرفع من مستوى الوعي بأهمية الرياضة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير المدن المغربية بما يجعلها ذات جاذبية ومغرية للسياح والمستثمرين…
اسماعيل الحلوتي





Aucun commentaire