حماية الحياة الخاصة في العصر الرقميي

ذة.سليمة فراجي

قراءة في الفراغ التشريعي بين قانون 103-13 وقانون الصحافة , والحاجة إلى إصلاح عميق
الفراغ الرقمي في التشريع المغربي: أي قانون لحماية المواطنين من فوضى المنصات دون التضحية بحرية الرأي؟
من خلال العديد من الوقائع والمستجدات و الملاحظات القانونية والاجتماعية ، يتبين وجود فراغات تشريعية مهمة في المغرب فيما يتعلق بحماية الحقوق الرقمية والحياة الخاصة للأفراد، وهو ما يستدعي التفكير في صياغة قانون متوازن يتجاوز هذه الثغرات.
علما انه سبق لي نشر مقال يتعلق بمشروع القانون 20-22 بين الإيجابيات والسلبيات
للإشارة فان قانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء يجرّم التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع محتوى خاص دون إذن صاحبه، ويعاقب على التشهير بالصور أو المقاطع أو الوقائع الكاذبة ونشر المحتوى الذي يمس بالحياة الخاصة.
ومع ذلك، فإن هذا القانون لا يغطي نشر الأكاذيب أو الإشاعات التي لا تمس مباشرة الحياة الخاصة، ولا يتناول التأثير السلبي للمحتوى الربحي الذي ينشره المؤثرون، ولا ينظم التحريض الرقمي وحملات التشويه وصناعة الترند المسيء على المنصات الرقمية.
من جهة اخرى ، يظل قانون الصحافة والنشر 13-88 موجهاً فقط للصحافيين المهنيين ووسائل الإعلام التقليدية، ولا يشمل صناع المحتوى الرقمي والمؤثرين أو الصفحات التي تقدم نفسها كمصادر أخبارية دون اعتماد، كما لا ينظم البث المباشر الذي قد يحدث ضررًا فوريًا وخطيرًا، مما يترك فراغًا في تنظيم سلوك الأفراد والجماعات على المنصات الرقمية الحديثة.
لذلك ظهرت الحاجة الملحة اليوم إلى قانون ينظم المحتوى الرقمي غير المهني بما يشمل المؤثرين والصفحات الرقمية واليوتيوبرز، وينظم المعاملات التجارية الرقمية مثل الإعلانات المخفية والترويج الوهمي والاستغلال المالي، مع الحفاظ على الحقوق دون المساس بحرية التعبير.
علما ان بعض مواد مشروع القانون 20-22 المثير للجدل والغضب، خاصة المواد التي كانت تجرّم الدعوة إلى مقاطعة المنتجات أو العلامات التجارية، وما يتعلق بالإضرار بالمصالح الاقتصادية للدولة بصياغات عامة فضفاضة، وكذلك تجريم نشر المحتوى الكاذب بدون تحديد دقيق لمعايير الكذب، والصياغات العامة التي قد تشمل النقد أو السخرية. اذ من الضروري حذف هذه المواد لأنها لا ترتبط بالجرائم الرقمية الحقيقية أو إعادة صياغتها بدقة تقنية تمنع التأويل الواسع.
في المقابل، كنت اشرت في مقالي إلى امكانية الإبقاء على المواد التي تسد ثغرات خطيرة، مثل تنظيم المحتوى الربحي للمؤثرين من خلال إلزامهم بالإفصاح عن الإعلانات، وفرض تسجيل صانعي المحتوى الذين يتجاوز دخلهم سقفًا معينًا، ومنع الترويج لمنتجات طبية أو تجميلية أو عقارية دون ترخيص، وتجريم الابتزاز الرقمي بوضوح خارج نطاق الحياة الخاصة، وتنظيم المنصات الرقمية بإلزامها بحذف المحتوى الضار بسرعة بناءً على أوامر قضائية وحفظ المعطيات التقنية لتسهيل التحقيقات، وحماية القاصرين من الاستغلال الرقمي، وتجريم صناعة الحسابات الوهمية عندما تُستخدم للتشهير أو الابتزاز أو انتحال الصفة.
في المقابل يتعين إلغاء جميع المواد التي تقيد حرية التعبير، مثل الدعوة للمقاطعة، والإضرار بالمصالح الاقتصادية، والأخبار الكاذبة بصياغة فضفاضة، وتعويضها بصياغة دقيقة تنص على العقوبة فقط في حال ثبوت نشر محتوى مضلل كحقائق مع العلم بزيفه وإحداث ضرر مباشر وقابل للإثبات لشخص محدد أو مؤسسة. كما يقتضي إضافة باب خاص بصناع المحتوى لتحديد تعريف المؤثر الرقمي قانونيًا وإلزامه باحترام قواعد الإشهار ومساءلته عند الإضرار بالغير عن قصد أو إهمال مهني جسيم، وتعزيز حماية الضحايا عبر إجراءات سريعة تتمثل في تمكين النيابة العامة من التدخل العاجل لإزالة المحتوى، والسماح للمحاكم بإصدار أوامر بحذف المحتوى خلال 24 ساعة، مع اعتماد عقوبات مالية بدل السجن في أغلب الحالات إلا في الجرائم الخطيرة مثل الابتزاز أو استغلال القاصرين
لذلك بامكاننا إعداد مذكرة ترافعية تتضمن تحليلًا قانونيًا يوضح الفراغات في قانون 103-13 وقانون الصحافة، ورصد المواد المثيرة للغضب في مشروع قانون 22-29 مع تبرير الحاجة لحذفها، واقتراح مواد بديلة واضحة ودقيقة، واستحضار التجارب الدولية المماثلة، وإرفاق أمثلة من الواقع المغربي بما في ذلك قضايا المؤثرين والابتزاز الرقمي. وتُقدّم هذه المذكرة إلى الفرق البرلمانية في الموسسة التشريعية ووزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والنقابات المهنية للصحافة والجمعيات الحقوقية. ومن خلال هذا الإطار يمكن تعديل مشروع القانون 20-22 ليصبح أداة حماية رقمية متوازنة بدل أن يُنظر إليه كقانون قمعي، عبر حذف المواد الماسة بحرية التعبير، وسد الثغرات المتعلقة بالمحتوى الرقمي والمؤثرين، وتعزيز حماية الحياة الخاصة، ووضع قواعد واضحة لإزالة المحتوى الضار، وتجريم الابتزاز والتشهير والانتحال بشكل أدق، وفرض ضوابط على النشاط الربحي للمؤثرين، ليصبح القانون بذلك أداة تأطير وضبط فعال للمجال الرقمي.





Aucun commentaire