نصيحة وزير التربية الوطنية المثيرة للغضب والسخرية!

عجيب أمر رجل الأعمال محمد سعد برادة، الذي تم استقدامه من إدارة شركات في صناعة الحلويات والأدوية، إبان التعديل الحكومي الذي شهدته حكومة عزيز أخنوش أواخر شهر أكتوبر 2024 بعد إلحاقه بحزب « الأحرار »، وذلك من أجل شغل منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلفا ل »شكيب بنموسى »، الذي تم تعيينه مندوبا ساميا للتخطيط قبل إجراء التعديل الوزاري بأيام قلية، وتكمن عجائبيته في كونه لم ينفك يثير الجدل والسخرية منذ أن حظي بحقيبة هذا القطاع الاستراتيجي، التي بدا واضحا منذ البداية أنه لا يملك القدرة على حملها وتحمل مشاكلها…
إذ أنه وقبل حتى أن تهدا العاصفة الإعلامية القوية التي أثارتها تصريحات عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، حول شبهات تنازع المصالح وصفقات الأدوية، إثر كشفه عن تحول وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى « وزارة الصفقات »، في الجلسة العامة التي انعقدت بمجلس النواب يوم الخميس 13 نونبر 2025 أثناء مناقشة الجزء الأول من مشروع القانون المالي برسم سنة 2026، وذلك عبر تفويت الوزير الوصي أمين التهراوي صفقة استيراد أحد الأدوية لشركة في ملكية زميله محمد سعد برادة وزير التربية الوطنية…
وما نجم ذلك من ردود فعل غاضبة مازالت متواصلة داخل البرلمان وعلى منصات التواصل الاجتماعي وخارجها، وخاصة بعد عودة « عبد الله بوانو » للكشف عن معطيات جديدة وصفها ب »الخطيرة » تتعلق بتورط وزير التربية الوطنية الذي يحاول إنكار الاتهامات الموجهة إليه عن شبهة تضارب المصالح، غير أن النائب البرلماني « بوانو » أكد خلال الندوة الصحافية التي عقدها حزبه يوم 26 نونبر 2025 بالرباط، أن الوزير لم يقدم استقالته من إدارة شركاته فور تقلده المنصب الوزاري كما يدعي، وأنه مازال يشارك في اجتماعات تسيير الشركة التي حصلت على صفقات مهمة بتواطؤ مع وزارة الصحة، وأن استمرار حضوره لاجتماعاتها يمثل حالة واضحة من تضارب المصالح، مشيرا إلى توفره على وثائق ومحاضر رسمية تطرح أسئلة قانونية وأخلاقية، لكونها تتضمن توقيعه في اجتماع مجلس الشركة جرى في شهر يونيو الماضي، ثم أشير في محضر آخر إلى اعتذاره عن حضور جلسة انعقدت في شهر شتنبر 2025، وهو ما يعتبر دليلا إضافيا على مشاركته المستمرة في أنشطة الشركة بالحضور أو الغياب رغم توليه مسؤولية إدارة وزارة التربية الوطنية.
فإذا به يفجر موجة أخرى عارمة من الغضب والسخرية، جراء ما صدر عنه من تصريحات في لقاء حزبي بميسور، حول ضرورة تسجيل تلاميذ القرى في « المدرسة الرائدة » حتى لو كانت بعيدة، وتوجيه انتقادات حادة لأساتذة العالم القروي. حيث لم يتردد في توجيه النصح للأسر المغربية بسحب أبنائها من « المدرسة العادية » القريبة منها ونقلهم إلى « المدرسة الرائدة » مهما كانت بعيدة ومهما كلفتهم من مصاريف إضافية بخصوص النقل المدرسي، بدعوى أنها تقدم تعليما جيدا وتتوفر على أساتذة في مستوى المسؤولية، مستشهدا بتجربته الشخصية، بمعنى آخر أن من يريد لأبنائه النجاح في مسارهم الدراسي ويحصلون على أعلى المناصب في المستقبل، ما عليه إلا البحث لهم عن « مدارس الريادة »، مشددا على أن المدرسة العادية أثبتت فشلها وأن أساتذتها « مكفسين » وبدون تجربة في المجال، وما إلى ذلك من الترهات، ناسيا أنه لم يعمل بذلك التصريح الأهوج سوى على تقسيم المدرسة العمومية إلى عادية ورائدة، وإحباط آلاف الأسر.
وتفاديا لإثارة المزيد من البلبلة والسخرية التي خلفتها تلك التصريحات الرعناء وغير المحسوبة العواقب في الأوساط التعليمية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، سارع المسؤولون على الصفحة الرسمية لحزب رئيس الحكومة في « الفيسبوك » إلى حذف الفيديو/الكارثة بعد مرور ساعات قليلة على نشره، خاصة أنه يظهر فيه الوزير وهو منهمك في تقديم « الحل السحري » لأهل القرى عبر كافة جهات المملكة، داعيا إياهم إلى ترحيل دواويرهم نحو « المدارس الرائدة » باعتبارها الأفضل حتى وإن كانت المسافة طويلة، واصفا بعض الأساتذة الجدد في المدرسة العادية بغير الجديين…
فالوزير يختزل إصلاح التعليم في ضرورة الاهتمام ب »مدارس الريادة »، حتى أضحى مهووسا بالحديث عنها أينما حل وارتحل، مدعيا أن المشروع لم يحقق نجاحا وطنيا فقط، بل صار نموذجا يحتذى على الصعيد الدولي، حيث هناك عدة بلدان متقدمة بما فيها فرنسا وبريطانيا ترغب في استلهام هذه التجربة، التي نعتقد جازمين أنها لن تكون أوفر حظا من التجارب السابقة في النهوض بالمدرسة العمومية، لما يرافقها من اختلالات على عدة مستويات. وإلا ما كان لإحدى الأمهات أن تفجر غضبها عبر مقطع فيديو عرف انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، معبرة بحرقة عما تتعرض له عقول المتعلمين من عبث، انطلاقا من كراس ابنتها في مادة اللغة العربية لمستوى الثانية إعدادي تحت عنوان « ننجح ».
صحيح أن وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة اقترف الكثير من الأخطاء التي لا تغتفر سواء عبر تصريحاته الهوجاء أو تدبيره السيء للقطاع، لكن العيب ليس فيه هو شخصيا الذي لم يعمل عدا على الاستجابة لنداء « الواجب »، بل في الذين اختاروه لتولي مثل هذا المنصب الحساس، حيث هناك العديد من التحديات التي تتطلب مواجهتها الكثير من الحنكة والكفاءة إلى جانب توفر الإرادة السياسية القوية والحقيقية، التي بدونها يستحيل تحقيق الإصلاح المأمول مهما أنفق من ميزانيات ضخمة.
اسماعيل الحلوتي





Aucun commentaire