حديث الجمعة : (( يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ))

حديث الجمعة : (( يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ))
محمد شركي
نواصل في هذا الحديث إن شاء الله تعالى استعراض بعض أحوال وصفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انطلاقا من آيات الذكر الحكيم التي خاطبه بها الله عز وجل آمرا أو ناهيا أو محفزا . ومن تلك الآيات الآية التاسعة والخمسون من سورة الأحزاب التي خاطبه فيها الله تعالى في شأن لباس أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عند خروجهن من بيوتهن لقضاء أغراضهن بقوله عز وجل : (( يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما )) ،ففي هذه الآية الكريمة نداء خص به الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تلاه مباشرة أمر جريا على أسلوب مخاطبته عز وجل له . ولقد مر بنا في حديث سابق أن الله عز وجل جمع لخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام النبوة والرسالة ، وقد أخبر بذلك في التوراة والإنجيل كما جاء في الآية الكريمة السابعة والخمسين بعد المائة من سورة الأعراف في قوله تعالى : (( الذين يتبعون الرسول النبيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل … الآية )) .
ولقد مر بنا أن الرسول هو من يبعثه الله تعالى بشريعة ويأمره بتبليغها عنه كما ذكر ذلك أهل العلم ، وأن النبيّ هو من يتبع شرائع من كانوا قبله من الرسل، كما قالوا إن كل رسول نبيّ وليس كل نبيّ رسول.
ولما جمع الله تعالى لخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام الصفتين معا صفة الرسالة وصفة النبوة وهما لا ينفكان عنه ،فإنه حين يخاطبه ا خطاب فإنه يخاطبه بهما معا ، ويترتب عن ذلك أن ما يأمره به بعد كل نداء بهما يكون يعضه خاصا به ، ويكون البعض الآخر مشتركا بينه وبين أمته كما هو الشأن في الآية الكريمة موضوع هذا الحديث حيث أمره سبحانه وتعالى بأمر يتعلق بلباس أزواجه وبناته ونساء المؤمنين حين يخرجن من بيوتهن لقضاء أغراضهن . ويتعلق الأمر بإدناء جلابيبهن ، والإدناء هو إرخاء وإطالة ما يلبس فوق الثياب كالملاحف وما يسد مسدها، ويكون سترا للجسد ، والغاية من هذا الأمر هو كف الأذى مهما كان نوعه عنهن ،لأن المعهود في كل زمان ومكان منذ بدء الخليقة أن النساء يتعرضن للإذاية من الرجال بشكل أو بآخر ، وأقل إذاية أن تقتحمهن عيونهم بغرض الاستمتاع بأجسادهن وفي ذلك اعتداء على كرامتهن أولا وعلى أعراض رجالهن من آباء وأزواج وإخوة وقرابة . وقد تتعدى الإذاية النظر إلى مغازلتهن أو توجيه الكلام الساقط الجارح لهن أو يتعدي الأمر ذلك إلى ما هو أبعد في الإذاية .
ومعلوم أن الله تعالى يغار على إمائه ، ومن غيرته صيانة أجسادهن من الابتذال وذلك بسترها ، ومنتهى الستر إدناء أو إسدال أو إرخاء الجلابيب التي تغطي سائر الجسد ،وهو ما يمنع العيون من الوقوع على ما صانه الله تعالى من أجسادهن. ولقد أودع الله تعالى تلك الغيرة في نفوس الرجال من آباء وأزواج وإخوة وأقارب لذلك توجه سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر ومن خلاله توجه به إلى سائر المؤمنين حتى قيام الساعة لما فيه من صيانة لكرامة المرأة المسلمة أما وأختا وزوجة وبنتا وعمة وخالة وبنت أخ وبنت أخت وسائر المحارم من رحم أو من رضاع ، وقد جمع ذلك قوله تعالى : (( ونساء المؤمنين )) بعد قوله : (( قل لأزواجك وبناتك )) .
ومعلوم أنه في أمر الله تعالى نبيه بهذا الأمر الخاص بلباس النساء المؤمنات ما يدل على الإشارة إلى صفة أو خلق الغيرة المحمودة فيه صلى الله عليه وسلم والتي هي من غيرة الله عز وجل والخاصة بصيانة كرامة إمائه التي صانها بلباس معلوم مخصوص كان معروفا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ستر لأجسادهن وحيلولة دون ابتذالها .والأصل في هذا اللباس هو انسداله أوإرساله أو إرخاؤه كي يفي بغرض الستر . ولا شك أن الأمم عبر تاريخ البشرية الطويل كانت لها أنواع وأشكال من الألبسة التي تلبسها النساء حسب ثقافاتها وأعرافها وتقالديها، والمطلوب ليس توحيد هذه الألبسة في نوع معين، بل المقصود هو أن تكون ساترة تلبس فوق غيرها من اللباس الذي لا يحق للنساء أن يخرجن به . ومعلوم أن الجلباب أو ما يسد مسده هو الأنسب لستر أجساد النساء المؤمنات لأن غيره قد لا يفي بغرض الستر إما لكونه شفافا أو مجسدا أو مثيرا بألوانه أو أشكاله .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بصفة أو خلق غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعراض أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عموما ، وهو بذلك إسوة وقدوة لكافة المؤمنين إلى قيام الساعة . وقد جاء في الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : » أن سعد بن عبادة قال : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفَحٍ ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتعجبون من غيرة سعد ، والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة « .
ومعلوم أن غيرة الله عز وجل ليست كغيرة أحد من خلقه بل هي صفة من صفات كماله وجلاله المحمودة شرعا وعقلا وفطرة وعرفا لا يجوز أن تشبه بها غيرة خلقه أو تضاهيها .
وأول ما تتحقق به غيرة المؤمنين شكل اللباس الذي ترتديه نساؤهم والذي أمر به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خلاله أمرهم به . وأول التفريط في صفة أو خلق الغيرة على نساء المؤمنين أن تخرجن بلباس غير ساتر لأجسادهن إما لكونه كاشفا لها أو شفافا أو مجسما أو مثيرا بألوانه وأشكاله .ومع طول التطبيع مع هذه الأنواع من الألبسة الكاشفة للأجساد تموت الغيرة في قلوب المؤمنين والمؤمنات على حد سواء، الشيء الذي يفتح الأبواب مشرعة لشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن . وقد يستخف البعض بخطر الألبسة الكاشفة لأجساد النساء على العفة والأخلاق والأعراض، وبما يترتب عن ذلك من فساد وهتك للأعراض ، وتفكك للأسر، وضياع للنسل . وأكثر من المستخفين بعري النساء وتبرجهن أناس يدعون إلى الفواحش جهارا نهارا، و ينعتونها بنعوت يموهون بها على قذارتها من قبيل نعت الزنا الذي حرمه الله تعالى بالعلاقة الجنسية الرضائية ، ونعت فاحشة قوم لوط التي ذمها كأشد ما يكون الذم بالمثلية … إلى غير ذلك من الفواحش التي تقدم للناس بنعوت مغرية تستدرجهم إلى الوقوع فيها . ومما يسوقه هؤلاء التشجيع على ألبسة النساء المخلة بالحياء والمستهترة بالعفة والأخلاق ، والمبتذلة للأعراض والتي تقام لها معارض تعرض فيها ويحضرها أهل اليسار ،وتنقلها وسائل الإعلام إلى غيرهم من عامة الناس ممن يحلمون ببلوغ أحوال هؤلاء ومراتب يسارهم . ومن وسائل وأساليب إفساد الأخلاق واستهداف الأعراض اضطلاع مؤسسات الإشهار العالمية بتسويق ألبسة النساء التي تبتذل أجسادهن ، وتجعلهن مجرد بضاعة مموهة على ذلك بشعارات مغرية ومضللة ومستدرجة إلى أوحال الفواحش التي انتقلت إلى بلاد المسلمين بفعل الاحتكاك مع غيرهم من شعوب المعمور التي لا تعنيها ولا تهمها الغيرة على الأعراض أو الأخلاق أو القيم .
ومما يؤسف له أشد الأسف أن بعض نساء وبنات المسلمين يستهويهن ما تسوقه لهن مؤسسات الإشهار مما يعتبرنه زينة دون الالتفات إلى ما يدس فيها من استهداف ماكر خبيث لأعراضهن وهن غافلات عن أمر الله تعالى بصيانتها باللباس الذي شرعه لهن في محكم التنزيل .
اللهم رد بأمة الإسلام ردا جميلا إلى دينك وشريعتك ، وصن اللهم أعراض المؤمنين والمؤمنات من كل ما يخدشها ، وابعث اللهم الغيرة عليها في نفوسهم . اللهم إنا نبرأ إليك من كل مستهدف لأعراض عبادك المؤمنين والمؤمنات .
اللهم انصر من نصر دينك ، واخذل من خذله ، واعل اللهم رايته ، وامكر مكرك الشديد بكل من يريد به مكرا أو سوءا .
والحمد لله الذي تتم بنعمتهة الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .





Aucun commentaire