Home»Débats»المستقلون بين التشجيع الديمقراطي والإشكال الدستوري

المستقلون بين التشجيع الديمقراطي والإشكال الدستوري

0
Shares
PinterestGoogle+

ذة.سليمة فراجي


ملاحظة : وانا اكتب هذا المقال تذكرت المرحوم الاستاذ بنيونس المرزوقي الذي كان حاضرا بقوة في جميع المناقشات الدستورية وذات الصلة بالاستحقاقات التشريعية
رحمه الله واسكنه فسيح جنانه
المستقلون بين التشجيع الديمقراطي والإشكال الدستوري
قراءة في مستجدات المشهد السياسي المغربي في ضوء مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، الذي صادق عليه المجلس الوزاري،بخصوص شروط ترشيح الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة في الانتخابات التشريعية المقبلة.
عرف المشهد السياسي المغربي مؤخرًا مبادرة غير مسبوقة تقضي بفتح المجال أمام الشباب والنساء للترشح كمستقلين، مع تخصيص دعم مالي لفائدتهم لتمويل الحملة الانتخابية حتى لا يقال ان اصحاب النفوذ والمال هم وحدهم من يحظون بتمثيل الامة
وتبدو هذه الخطوة، في ظاهرها، امتدادًا لمسار توسيع المشاركة السياسية وتعزيز التعددية، غير أنها تثير، في العمق، إشكالات دستورية وسياسية عميقة تتعلق بتوازن النظام السياسي المغربي، وبخاصة في ظل النص الصريح للفصل 47 من دستور 2011، الذي يربط تعيين رئيس الحكومة بالحزب السياسي المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية.
ولعل السؤال الجوهري الذي سيثار هو كيف سيتعامل النظام الدستوري المغربي مع احتمال تصدر المستقلين نتائج الانتخابات؟ وهل يمكن لمثل هذا السيناريو أن يخلق فراغًا دستوريا يهدد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الحزبية المنصوص عليها في الفصل السابع من الدستور؟
-اولا -الإطار الدستوري وإشكالية الفراغ المحتمل
ينص الفصل 47 من الدستور المغربي على أن الملك “يعيّن رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”.
يفيد هذا النص بوضوح أن الشرعية الحكومية تستند إلى الشرعية الحزبية، أي أن الحزب السياسي هو الأداة الدستورية الوحيدة لتجسيد الإرادة الشعبية في مستوى السلطة التنفيذية.
غير أن السماح للمستقلين بخوض الانتخابات، واحتمال تصدرهم النتائج، يطرح إشكالًا تأويليًا غير مسبوق:
من هو الحزب المتصدر ؟ في حالةاذا لم تتصدر أي قوة حزبية الانتخابات، بل فاز الأفراد المستقلون بمقاعد متفرقة تشكل أغلبية عددية؟
في هذه الحالة، يُصبح تطبيق الفصل 47 مستحيلًا حرفيًا، مما يفتح الباب أمام ثلاثة احتمالات رئيسة:
1-التحاق المستقلين بحزب سياسي بعد الانتخابات لتشكيل أغلبية شكلية تمكّن الملك من تعيين رئيس حكومة منها، وهو حل سياسي أكثر منه دستوري.
2-اللجوء إلى تأويل دستوري موسع يسمح بتعيين شخصية مستقلة من بين الفائزين، وهو أمر يتطلب توافقًا سياسيًا عميقًا ويثير تساؤلات حول شرعية سابقة.
3-تعديل الدستور لإدراج حالة فوز المستقلين، وهو خيار ثقيل سياسيًا، ويستلزم استفتاء شعبيًا وفق أحكام ومفتضيات الدستور.
-ثانيا-البعد السياسي والاجتماعي للظاهرة
لا يمكن فصل هذا النقاش عن أزمة الأحزاب السياسية المغربية التي تعاني منذ سنوات من ضعف التأطير وتراجع المصداقية.
فالأحزاب، بدل أن تكون مدارس لتكوين النخب ومجالات للتعبير السياسي، أصبحت كما تشير دراسات متعددة رهينة الولاءات والمحسوبية والزبونية، الشيء الذي ادى إلى تهميش الكفاءات وفتح المجال أمام أصحاب المال والنفوذ( عشت تجربة شخصية في هذا الشأن)
بذلك، فقدت الأحزاب دورها المنصوص عليه في الفصل 7 من الدستور الذي يؤكد أن الأحزاب تعمل على تأطير المواطنين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب.
من هذا المنطلق، قد يُفهم دعم المستقلين على أنه تصحيح لمسار الأحزاب عبر إدخال دماء جديدة في المشهد، وأصوات مبحوحة دعت إلى الديموقراطية الداخلية ، لكنه في الوقت نفسه ينسف منطق النظام الحزبي الذي يقوم عليه البناء الدستوري المغربي.
إذ إن الانتقال من التمثيل الحزبي إلى التمثيل الفردي قد يؤدي إلى تشتيت المشهد البرلماني واستحالة بناء أغلبيات مستقرة، وهو ما يُضعف المساءلة ويُربك آلية صنع القرار الحكومي.
-ثالثا-المقارنة الدولية بخصوص تجارب المستقلين
بالاطلاع على التجارب المقارنة نجد أن مسألة المستقلين التي جاءت ضمن قرارات المجلس الوزاري ليست حكرًا على المغرب وحده لكنها في كل الحالات وفي جميع الدول تُدار ضمن أطر مؤسساتية محددة،
-في لبنان مثلا التي يعتبر نظامها نظاما برلمانيا طائفيا يسمح للمستقلين بالترشح والفوز، لكن تشكيل الحكومة يتم من خلال تحالفات طائفية حزبية. ويظل المستقلون خارج السلطة التنفيذية إلا بتحالف.
-في مصر التي يعتبر نظامها الدستوري نظامارئاسيا برلمانيا مختلطا فاز عدد من المستقلين لكن الحكومة تُشكّل بقرار رئاسي؛ والمستقلون عادةً ما ينضمون لتكتلات ولا أثر فعلي للمستقلين في السلطة التنفيذية
-في فرنسا التي يعتبر نظامها الدستوري شبه رئاسيا ، يسمح بترشح المستقلين، لكن الحكومة تحتاج أغلبية حزبية في الجمعية الوطنية وينضم المستقلون لاحقا الى كتل برلمانية
لذلك نستنتج انه لا توجد تجربة ديمقراطية حديثة أسندت تشكيل الحكومة إلى أغلبية من المستقلين دون غطاء حزبي.
ففي كل التجارب، يتخذ المستقلون شكل كتل سياسية جديدة أو تحالفات مؤقتة لضمان الشرعية المؤسسية.
-رابعا-السيناريوهات الممكنة في التجربة المستقبلية المغربية
1-سيناريو المشاركة المحدودة للمستقلين:
امكانية تشكيلهم نسبة رمزية داخل البرلمان دون تأثير على آلية تشكيل الحكومة، ويبقى النظام الحزبي هو المهيمن.
2. سيناريو الأغلبية النسبية للمستقلين:
هذا السيناريو يؤدي إلى مفاوضات مكثفة لتكوين تحالفات مع الأحزاب، مما يعيد إنتاج منطق النظام الحزبي بشكل غير مباشر.
3-سيناريو الأغلبية المطلقة للمستقلين:
يفتح الباب أمام أزمة دستورية وسياسية تتطلب إما تأويلًا استثنائيًا للفصل 47، أو دعوة لتعديل دستوري يستوعب هذا التطور ونعلم ان تعديل الدستور يقتضي الاستفتاء وهو امر جد مستبعد
ختاما يُظهر تحليل هذه الخطوة أن فتح المجال أمام المستقلين يحمل بعدًا ديمقراطيًا تجديديًا من حيث تشجيع المشاركة وتجاوز هيمنة الأحزاب التقليدية، وخرقها بالبسط قواعد الديموقرطية الداخلية لكنه في المقابل يثير تناقضًا بنيويًا مع الدستور المغربي الذي يقوم على مركزية الحزب السياسي في تأطير الإرادة الشعبية (الفصل السابع من الدستور ) وتشكيل الحكومة.
نستنتج مما سبق انه يمكن التفكير في تقديم ثلاث توصيات أساسية:
-1-تأهيل الحياة الحزبية من خلال قوانين صارمة تضمن الشفافية الداخلية والابتعاد عن الولاءات والمحسوبية والكف عن تهميش الكفاءات والانتصار للديموقراطية الداخلية التنظيمية، بدل الالتفاف عليها عبر تشجيع التمثيل الفردي ، والانتصار لمن يتقن فن شراء الذمم ولو بالمال الحرام وما تم اكتسابه عن طريق الاتجار في الممنوعات
2- ضبط الإطار القانوني للترشح المستقل بشكل ينسجم مع الفلسفة الدستورية القائمة على المسؤولية الحزبية.
3-فتح نقاش وطني مؤسساتي حول مستقبل التمثيل السياسي بالمغرب، لتحديد ما إذا كان النموذج الحزبي التقليدي لا يزال صالحًا أم أن هناك حاجة إلى نموذج مختلط يجمع بين الأحزاب والمستقلين ضمن قواعد دستورية واضحة
ذة.سليمة فراجي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *