Home»Débats»جيل Z، محاولة للفهم

جيل Z، محاولة للفهم

0
Shares
PinterestGoogle+

جيل Z، حسب التصنيف العلمي، هو الجيل المزداد بين 1995 و2010؛ جيل مختلف عن الأجيال السابقة واللاحقة؛ جيل يعيش في عالم مفتوح بالإنترنت والتواصل العابر للحدود… فهل يمكن أن تنطبق عليه نفس القواعد والمعايير التي حكمت الأجيال السابقة؟

 

إن سلطة العقل تفرض على الأجيال السابقة أن تتجنب إسقاط تجاربها وظروفها على هذا الجيل. فالاختلافات جلية في كل شيء تقريبا: في طرق التواصل، في اللباس، في التغذية، وفي درجة الاطلاع على العالم الآخر… ومن يقرر الخوض في قضايا هذا الجيل عليه أولا أن يقرأ… نعم، عليه أن يقرأ كثيرا، وأن يقرأ من مصادر علمية؛ ثم لا بد من الإصغاء لما يقوله أبناء هذا الجيل… فالموضوع، من وجهة نظري، أعمق مما يبدو.

لقد عاشت الغالبية من الأجيال السابقة حياة محدودة النطاق، فلم يغادر معظمهم بلدته إلا عند ولوج الجامعة أو سوق الشغل. بينما هذا الجيل قد “زار العالم” افتراضيًا منذ الصغر، عبر السينما والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى عبر متابعة كرة القدم.
كان تواصل الأجيال السابقة مباشرًا ويقتصر غالبًا على المحيط، وإن تجاوز المحيط فلا بد من انتظار شهور لوصول رسالة ورقية. أما شباب هذا الجيل فكانت له إمكانية التواصل بطريقته مع من يريد وحيث يريد، وأن يفتح حوارات مع أقرانه في مختلف بقاع العالم خلال دقائق، وربما أثناء لعبة إلكترونية!

الأجيال السابقة لم تكن تعرف إلا أوضاع جيرانها أو، في أحسن الأحوال، ما يجري داخل البلد. بينما هذا الجيل يملك القدرة على متابعة أحوال العالم لحظة بلحظة. لكن من الضروري التنبيه إلى أن هذا الجيل نفسه ليس كتلة واحدة متجانسة؛ فهو يختلف باختلاف دولة المنشأ، ووسط النشأة، والظروف الاجتماعية، والاقتصادية. فمن ترعرع في ألمانيا ليس كمن ترعرع في تنزانيا؛ ومن تربى في حي بورجوازي ليس كمن تربى في حي هامشي، ومن نشأ في مدينة كبيرة ليس كمن نشأ في قرية أو بادية، ومن استفاد من تعليم جيد ليس كمن حُرم منه أو انقطع عنه مبكرًا أو لم يلج المدرسة أساسا. هذا التفاوت العميق في فرص التربية والتعليم والعيش يفسر أيضًا جانبًا من الأحداث المؤلمة التي نعايشها اليوم؛ فجزء من الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج المدرسة، بلا تكوين ولا أفق، انزلقوا إلى الانحراف أو الوقوع في فخ المخدرات. وهو ما يجعل غياب تعليم عمومي جيد وعادل مسؤولية كبرى عن كثير من المآسي التي نراها.

فكيف يمكن إقناع شباب هذا الجيل بمسؤولين عاجزين عن صياغة جملة سليمة، أو بآخرين يتصرفون بعجرفة أو باستخفاف؟ وهو يتابع أقطارا أخرى بمسؤولين يتواصلون برقي، ويركبون وسائل نقل عمومي مع عموم الشعب أو دراجات هوائية ليلتحقوا بعملهم، ويسكنون إقامات يقطنها عامة الناس، ويعيشون كما يعيش عامة الناس… كيف يمكن لهذا الجيل أن يثق في خطاب النزاهة والشفافية وحرمة المال العام، وهو يطلع على ما يتسرب من معلومات صادمة، ويقرأ عن تهريب الأموال للخارج، وعن مسؤولين اغتنوا بين عشية وضحاها؟ في حين يرى كيف يصرف المال العام في أقطار أخرى، ويرى المسؤولين هناك يُعفون من مهامهم أو يُحاكمون ويقتادون للسجون إن هم أساؤوا التصرف؟

كيف سيقتنع شباب هذا الجيل بجودة تعليمنا العمومي، وهو يشاهد تراجعه المستمر مقابل الانتشار المتسارع للتعليم الخاص، حتى صار الولوج إلى تعليم جيد امتيازًا لمن يملك القدرة المادية؟ وكيف سيقتنع وهو يقارن ما يعيشه تلميذ مغربي في قسم مكتظ، يفتقر لأبسط الوسائل، بما يراه من صور وفيديوهات لتعليم في فنلندا أو سنغافورة أو حتى رواندا، حيث تُعتبر المدرسة فضاءً للحرية والإبداع وصناعة المستقبل؟ وكيف سيقتنع بصحتنا العمومية، وهو يرى مسارها المفروض نحو الخوصصة وترك المواطن يواجه مصيره مع المصحات الخاصة وفواتيرها الباهظة، بينما يطلع في الوقت نفسه على تجارب ألمانيا أو السويد مثلًا، حيث تعتبر الصحة حقًا مقدسًا للجميع لا يفرّق بين غني وفقير؟ كيف سيقتنع وهو يسمع عن مستشفيات تفتقر للأدوية والأطباء، في حين يرى دولًا أخرى تجعل من جودة خدماتها الصحية معيارًا لكرامة الإنسان؟

إن الأحداث الأخيرة فرصة للعقلاء لتوسيع الفهم والدفع في اتجاه تصحيح أخطاء عديدة، وعلى رأسها محاربة الفساد والمفسدين عبر محاسبة دقيقة وشفافة. كما أن المطلوب هو توسيع هامش الحرية، والاعتراف بأن جزءًا كبيرًا من الفشل في التعامل مع الاحتجاجات الأخيرة يعود إلى عقليات رجعية تحاول فرض رؤيتها على جيل مختلف جذريًا. في المقابل، انطلقت في دول أخرى منذ سنوات دراسات علمية معمقة لفهم هذا الجيل والأجيال اللاحقة، وصلت إلى حد التفكير في أساليب تعلمهم وأنماط عيشهم.

وأختم بالقول: إن الموضوع شائك، وما قدمته هنا ليس إلا إشارات عامة، حتى لا أتورط في تفاصيل لا أعلم منها إلا القليل. لكن المؤكد أن جيل Z ليس خصمًا ولا عدوًا، بل هو طاقة للمستقبل، ومفتاح لأي إصلاح جاد وحقيقي، ويبقى، في النهاية، ابن هذا الوطن ومسؤوليتنا جميعا.

محمد طلبي،

وجدة، المغرب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *