وصف صريح للمبعوث الأممي « دي ميستورا » للبوليساريو: « مجموعة وليس دولة » والنزاع بين المغرب والجزائر، والحكم الذاتي هو الحل

عبدالقادر كتـــرة
في تصريحات جريئة وغير مسبوقة، قام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، « ستافان دي ميستورا »، بإعادة تعريف طبيعة النزاع في المنطقة، حيث وصف جبهة البوليساريو بأنها « مجموعة وليس دولة » (ونحن نقول: جماعة إرهابية أو عصابة أو شرذمة أو مافيا أو قطيع…)، معتبرًا أن النزاع الأساسي هو بين المغرب والجزائر وليس مع البوليساريو.
هذه التصريحات تشكل تحولاً نوعيًا في مقاربة الملف من قبل الأمم المتحدة.
« دي ميستورا » أدلى بهذه التصريحات خلال مقابلة مع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ونشرت في شتنبر 2025، والتي جاءت في إطار تقييمه لتعقيدات ملف الصحراء والصعوبات التي تواجه جهود الوساطة الدولية.
وأكد دي ميستورا أن النزاع في المنطقة لا يتمحور حول « شعب مضطهد » أو « حركة تحرر »، كما تروج له الجزائر، بل هو نزاع سياسي بين دولتين جارتين: المغرب والجزائر .
ووصف دي ميستورا جبهة البوليساريو بأنها « مجموعة » وليست دولة أو ممثلاً شرعياً لأي شعب، وأنها مجرد طرف ثانوي في النزاع، بينما تظل الجزائر الطرف الرئيسي والداعم لها .
وأشار إلى أن الجزائر هي الطرف المعني مباشرة في النزاع، وليس مجرد داعم أو مراقب، كما تدعي .
كسرت هذه التصريحات الصمت الدبلوماسي واعتبرت خروجا عن اللغة الدبلوماسية التقليدية للأمم المتحدة، والتي كانت تتجنب التصريح بشكل مباشر بدور الجزائر المركزي في النزاع .
وهي نسف للرواية الجزائرية التي روّجت لأكثر من خمسة عقود بأن النزاع هو « قضية تصفية استعمار » و »نضال من أجل تقرير المصير » .
وتؤكد التصريحات أن البوليساريو ليست سوى أداة في يد النظام الجزائري لتنفيذ أجندته المعادية للمغرب في المنطقة .
كما يضع هذا التصريح الجزائر أمام مسؤولياتها المباشرة في استمرار الأزمة وأي حل مستقبلي، خاصة بعد أن دعا قرار مجلس الأمن رقم 2756 (2024) الجزائر إلى الجلوس على طاولة المفاوضات .
من جهة، تؤيد هذه التصريحات بشكل غير مباشر مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب عام 2007، والتي وصفها مجلس الأمن بأنها « جديّة وذات مصداقية » .
من جهة ثانية، تزيد هذه التصريحات من الضغط على الجزائر للخروج من حالة الإنكار والاعتراف بدورها المباشر في النزاع والانخراط في مفاوضات مباشرة مع المغرب .
من جهتها، عبرت جبهة البوليساريو الانفصالية صنيعة النظام العسكري الجزائري المارق والخبيث، عن رفضها التام لأي مقترحات أو مبادرات لا تقوم على حق ما تسميه « الشعب الصحراوي » في تقرير المصير، واعتبرت أن خطط مثل « التقسيم » تفشل في ترسيخ هذا الحق .
ولحد الأن ، حافظت الجزائر على صمت نسبي تجاه هذه التصريحات، في إطار سياستها التقليدية التي تصر على أنها مجرد « مراقب » في هذا النزاع، على الرغم من أن تصريحات دي ميستورا تكذب هذا الادعاء .
رحب المغرب بشكل غير مباشر بهذه التصريحات التي تعزز روايته حول طبيعة النزاع وتؤكد على الدور الجزائري المركزي فيه.
خلاصة القول، تصريحات المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا لم تكن عابرة، بل جاءت نتيجة تراكم في القراءة الدقيقة لتوازنات القوى في المنطقة وتطورات الدعم الدولي المتصاعد للمقترح المغربي.
هذه التصريحات تكشف الحقيقة الجيوسياسية للنزاع وتضع الجزائر أمام مرآة مسؤولياتها، كما أنها تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المفاوضات قد تكون أكثر واقعية وتركيزاً على الأطراف الفاعلة الحقيقية.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه التصريحات إلى فعل سياسي على الأرض يضع حداً لأطول نزاع في المنطقة، وذلك رهين باستعداد الجزائر للخروج من دائرة الإنكار والانخراط في حل سياسي يخدم استقرار المنطقة بأسرها.





Aucun commentaire