Home»Débats»مذابح غزة وتقاعس مثقفي الفايس.!

مذابح غزة وتقاعس مثقفي الفايس.!

1
Shares
PinterestGoogle+

المختار أعويدي

      إن المتابع لنشاط أدبائنا وكتابنا ومثقفينا « المحترمين » في الفضاء الأزرق، يسترعيه أمر بالغ الغرابة والفرادة، وهو خلو صفحات كثيرين منهم تماما أو تكاد، على مدى ما يربو على العامين من قيام الحرب الوحشية الصهيونية على غزة، من أي إشارة تعاطف أو تضامن أو دعم أو مساندة أو احتجاج أو تنديد أو استنكار للمذابح والمجازر الصهيونية الفظيعة، المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني. أو كل ما يمت لذلك بصلة، حتى ولو كان بالغمز أو اللمز. رغم الأحداث الجسام والأهوال العظام، التي تشهدها أرض فلسطين وتحديدا قطاع غزة. من ذلك مسلسل الإبادة الجماعية الصهيوني الوحشي، ومنهج التطهير العرقي، وسياسة التجويع والتشريد والتهجير والتدمير البربرية الشاملة لكل سبل ومناحي الحياة. حتى أن أصحاب هذه الصفحات لم يكلفوا أنفسهم طول هذه المدة، عناء تدوين حرف واحد استنكارا للوحشية الصهيونية، أو حتى تقاسم صورة تجسد محنة الشعب الفلسطيني، وما يتعرض له من فظاعات ومذابح. حقا إنها قلة حياء تدعو إلى الذهول والإستغراب.!!

     صفحات تغرق في استعراض الصور الخاصة لأصحابها أو تفاصيل أسفارهم وروتينهم اليومي، والتسويق ل »فتوحاتهم » الأدبية والثقافية. التي تتراوح بين هلوسات ملتبسة واوهام شاردة، تغازل تفاهات بعييييدة عن هموم الناس واهتماماتهم. يسوقونها بكثير من الحرص، وأحيانا غير قليل من الزهو والغرور، كما لو أنها إبداعات ذات شأن وبال. باحثين من وراء ذلك عن سراب مجد أدبي واهم وبعيييد. غير مدركين أن المجد الأدبي لا يُبحث عنه بين مرتادي الفضاء الأزرق، ولا يُلتمس من خلال تسويق الذات، ولا باتخاذ مواقف انهزامية مخزية، بحجة الظهور بمظهر المثقف المعتدل غير الشعبوي، البعيد عن أوحال السياسة. ولكنه يأتي منصاعا منقادا إلى أعتاب مستحقيه من العظماء، مستجيبا لتفاعلهم مع هموم الناس وأوجاعهم وقضاياهم المختلفة، ومتناغما مع مواقفهم الإنسانية الرائعة، ونضالهم الثقافي الرفيع. المجد الأدبي لا يَطرق أبدا أبواب المتخاذلين عن نصرة القضايا العادلة، ولا الباحثين منهم عن الأضواء والظهور والسطوع. لا ولا المتهافتين عند أعتاب مؤسسات مشبوهة، أكثرها متصهين أو خادم لأجندات الطغاة والديكتاتوريين من الحكام وأذنابهم. الملتمسين من ذلك الحصول على منافع وعطايا ومواقع.

      المجد الأدبي لا يُقاس بالشهرة اللحظية العابرة، المتأتية من التسكع الفارغ في الفايس، أو عدد الجوائز الرخيصة التي يتهافت لأجلها المتهافتون عند أعتاب الأمراء ومنابر مؤسساتهم وصالوناتهم المشبوهة، بل بمدى خلود الأثر الأدبي وقدرته على التأثير في الناس عبر الزمن. من خلال التزامه بانشغالاتهم وقضاياهم الإنسانية العادلة وتفاعله الإيجابي معها.

   وعليه، فالتاريخ حافل بأسماء أدباء وكتاب لم يركضوا خلف الشهرة ولا المجد الواهم. لكنهم التحموا بهموم الناس وأوجاعهم ومعاناتهم، وجعلوا كتاباتهم وإبداعاتهم في خدمة قضايا إنسانية عادلة، فجاءتهم الشهرة من حيث لم يسعوا إليها ولم يتمسحوا بالأعتاب والأهداب التماسا لها. فنالهم جراء ذلك، قسط هائل من المجد والخلود والعظمة. من قبيل الكاتب والأديب الكبير غسان كنفاني، الذي كرّس قلمه لفلسطين، لكنه صاغ أدبًا إنسانيًا يتجاوز حدود القضية. أو فيكتور هوغو، الذي ناضل ضد الظلم والفقر، وجعل الأدب صوتًا للمهمشين. أو بابلو نيرودا، الذي جعل الشعر أداة حب وحرب، وساند قضايا التحرر والعدالة. أو إرنست همنغواي، الذي تناول الحرب الأهلية الإسبانية بروح التضامن الإنساني الرفيع. أو تشيخوف الذي رسم بأسلوبه الرائع مآسي الناس البسطاء دون شعارات. أمثال هؤلاء وغيرهم كثير، هم الخالدون حقا وصدقا وأبدا في الذاكرة والتراث الإنسانيين.

      بينما ينهمك أدباء وكتاب آخر زمن من مدمني الفضاء الأزرق، في جمع اللايكات والإعجابات الفارغة بحرص وشغف يبعث على الشفقة. من خلال تصريف « بضائع » رثة، وتدوينات سخيفة موغلة في الرقابة الذاتية، مسرفة في الدوران حول الذات بإعجاب وانبهار غريب. يتفرجون بكل دناءة وبرودة مقززة على صور مآسي شعب يباد ويذبح بكل الوسائل البربرية الحقيرة. وعلى صور أطفال انتهكت واغتصبت براءتهم ببشاعة، وارتكبت في حقهم صنوف المذابح الوحشية بقسوة بالغة. دون أن يحرك فيهم ذلك أي وازع أخلاقي أو نبض إنساني. ودون أن يعبروا عن أدنى شعور أو تضامن أمام ما يحدث، حتى ولو بتقاسم مضامين أو صور جاهزة، وأحرى إنتاج وتصريف نصوص إبداعية صادقة معبرة، نابعة من نفوس مكلومة وإحاسيس موجوعة مفجوعة لما يحدث. لكنهم لا يتورعون في نشر سخافات وتفاهات تبعث على التقزز والغثيان. فقد تجد أحدهم يناجي دراجته، او يبدي إعجابه بلياقته البدنية، وقد تجد آخر غارقا في سخرية فجة سخيفة، لا هدف ولا معنى لها غير التعبير عن ضحالة صاحبها. وآخر ينشر تدوينات فارغة، تقطر عجرفة وانتفاخا وزهوا. وآخر يقف مناجيا تمثالا، او منبهرا أمام لوحة، أو معجبا بمَعلم أثري أو كنيسة. وقد تجد آخر غارقا في نشر ما يلتمس شرعيته اللاشرعية. وآخر لا يكف عن تقاسم كل سخافة قد توهمه « بأهمية » ما يكتب ويهلوس. وآخر مفتونا بالحديث عن روايته أو ديوانه أو بحثه. وآخر يخبر الجميع بنوع المشروب الذي يتناوله في المقهى والكتاب الذي يقرأه. وآخر منشرحا مزهوا باستدعائه إلى مناسبة تنبعث منها روائح التطبيع والسلطة أو التكسب والإرتزاق.. وهلم جرا.

      لا يبالون بصور أطفال غزة الموجعة، التي تبدو فيها أجسادهم الغضة الطرية أشلاء ممزقة، أو أطرافا مبتورة، أو عيونا مفقوءة، أو عظاما بارزة نافرة. أو صور نسائها المشردات المكلومات بفقد أزواجهن أو إخوانهن أو أطفالهن. نساء عديمات الحيلة أمام رضع جياع منهكين من فلدات أكبادهن، يحتضرون في حجورهن وبين أيديهن. أو ملامح شيوخ غزة المرهقة التائهة الموجوعة المفجوعة، من فرط قسوة العدو ووحشيته وجبروته، ووجع خذلان ونكران وتواطؤ الإخوة من حكام أنظمة العار..

      أتحدث هنا من منطلق الصفة الرمزية التي للأدباء والكتاب وعموم المثقفين ومكانتهم داخل المجتمع. بالنظر إلى أنهم يمثلون ضمير المجتمع، وحاملي أوجاعه، ولسان حاله الذي ينطق بهمومه ولواعجه، ويتفاعل مع انشغالاته وقضاياه المختلفة. ولعمري أن هذه هي رسالتهم النبيلة، وإلا فما هي الرسالة التي ينبغي أن يضطلعوا بها إن لم تكن تحسس أوجاع الناس وهمومهم  وجس نبضهم ، وترجمة انشغالاتهم في نصوصهم وإبداعاتهم ومؤلفاتهم وكتاباتهم المختلفة.!!!

      للأسف فأصحابنا منشغلين تماما بتقاسم كل ما من شأنه أن يحقق لهم التسويق والإنتشار الفارغ. وتحاشي كل ما من شأنه أن يكبح هذا الإنتشار أو يحد منه. من قبيل اتخاذ مواقف سياسية واضحة من قضايا وطنية أو قومية أو إنسانية. ما قد يتوهمون أنه يحرمهم من تتويج هنا أو دعوة هناك أو تغطية إعلامية هنالك..

      يبدو كما لو أنهم انفصلوا عن إنسانيتهم وانسحبوا من دورهم الحقيقي، ليصبحوا مجرد عارضين على جدرانهم الرقمية الفايسبوكية، لمواد تفيض بالترف الأدبي المتمحور حول الذات، البعيد عن ملامسة هموم الناس وأوجاعهم. مواد تغيب عنها نُصرة الحق، والإنتصار للمستضعفين.

      إنهم منشغلين طول الوقت بالتعبير عن « حسن سيرهم الأدبية الإنضباطية » على جدرانهم الفايسبوكية، والحرص على الظهور بمظهر المثقفين المتعالين في أبراج الرفاهية الأدبية واللغوية. المتأففين عن الخوض في « أتون » القضايا السياسية. المتحفظين من اتخاذ مواقف واضحة عادلة. يتوهمون أنها ستكون سببا في حرمانهم من تتويج أو انتشار أو دعوة، يكون مصدرها في الغالب الأعم، أعتاب أنظمة خليجية موغلة في التسلط والخذلان والتواطؤ والتصهين (الإمارات. قطر…). أما المنابر الحقيقية المستقلة والمحترمة، فبينهم وبينها رتق القتاد.!

      يبدو أن أكثرهم منخرطين فيما يشبه منطق « العلامة التجارية » الشخصية، القائم على تحول الكاتب إلى منتِج، والمكتوب إلى سلعة، والفضاء الأزرق وعموم شبكة الأنترنت إلى واجهة للعرض والتسويق. ما يجعل هذا الماركتينغ الثقافي والسوق الإفتراضي الرقمي، متمحورا في مجمله حول تسويق الذات والتبشير بها، بتجرد عن أي تفاعل حقيقي مع القضايا الإنسانية الكبرى، وانفصال عن أي صوت أخلاقي منبعه وخز الضمير ووازع القيم الإنسانية الرفيعة.

فحتى المتحملين منهم مسؤولية مؤسسات ثقافية لا يستهان بها، لم يكلفوا أنفسهم عناء تسجيل تنديد أو احتجاج أو استنكار باسم المؤسسات التي يرأسونها والمثقفين المنخرطين فيها، وفضلوا أن يُعرضوا عن الخوض في الأمر، ويلوذوا بالصمت تجاه ما يحدث في غزة من جرائم ومذابح على الهواءمباشرة. ويقدم رئيس اتحاد كتاب المغرب في هذا المجال المثال الأسوأ. فعلى طول العامين المشؤومين الماضيين، اللذين استغرقهما العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، لم يكلف السيد الرئيس نفسه عناء التفاعل الإنساني مع المذابح والجرائم الوحشية الرهيبة المرتكبة في غزة. رغم رمزية موقعه ومكانته على رأس هيئة وطنية تجمع النخبة المثقفة – بصرف النظر عن لاشرعية رئاسته منذ مدة ليست بقصيرة – هذا في الوقت الذي يُغرق فيه صاحبنا صفحته بمنشورات سطحية بائسة، من قبيل صور سفرياته السياحية و »الأدبية »(عواصم. تماثيل. آثار. معالم..) وبكل ما من شأنه أن يعزز شرعيته اللاشرعية على رأس هذه المؤسسة(أحكام قضائية. تهانئ أو تعازي للكتاب. مشاركات وحضور أشغال أنشطة هنا أو هناك…). فالرجل منصرف تماما إلى تسويق نفسه وفرض شرعيته الواهمة على الكتاب. « ويا جبل ما تهزك جراح غزة وأهوالها ومذابحها الوحشية..!! » هكذا يكون الكاتب المثقف وإلا فلا..!!!

      إنها مفارقة قاسية صارخة بين شلال الدم المسفوك في غزة، وبين إعراض العديد من أدبائنا وكتابنا عن أي تفاعل أو تجاوب مع ذلك، لا بل وانصرافهم إلى الإنشغال بتفاصيل يومياتهم وروتينهم، بعيدا جدا عن « حريق الراس ». مفارقة تنبئ بانحراف جوهري في موقعهم من قضايا مجتمعهم وأمتهم. وانفصالهم عن الواقع المثقل بصور القهر والظلم والطغيان. وعزوفهم عن التعبير حتى على الحد الأدنى من التضامن. وكأني بهم يعتبرون ذلك انحدارا نحو الشعبوية او استغلالا سياسيا للثقافة، أو حتى مسّاً وإضرارا بصورة المثقف المعتدل التي يتوهمون أنهم يمثلون.

      إنه صمت ليس مبعثه الحياد، ولكن دافعه التجاهل المتعمد. الذي تحركه رغبة التملص من ثقل الإلتزام الصريح، والتوسل بمخبأ الرفاهية الثقافية واللغوية، المتأففة عن الخوض في أوجاع المحرقة الصهيونية المرتكبة في غزة وتداعياتها. لا بل ان دافعه أيضا هو الخوف. خوف هذه الطينة من أدبائنا وكتابنا من الإحتراق السياسي، أو التصنيف، أو الإقصاء، أو تعرض صورهم وسمعاتهم الأدبية « للضرر ». هذا إذا كانت هناك أصلا سمعة أدبية يجذر القلق بشأنها. ما جعلهم عوض أن يشعروا بالخزي والعار وتأنيب الضمير، يسوقون الذرائع ويتوسلون بكل صفاقة بالتبرير الرمزي لصمتهم تجاه محرقة غزة، والتماس أعذار ومخارج لذلك. من قبيل ادعاء التزام الموضوعية، والحرص على عدم إقحام الثقافة في أتون السياسة. وهي مبررات عرجاء، العذر فيها أقبح من الزلة..! لا لشيء، سوى لأننا في غزة لسنا أمام خلاف سياسي أو أيديولوجي. بل أمام محرقة وحشية، وجرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين، لا يستقيم بشأنها اللف والدوران والروغان. ولا التملص من الخوض فيها بسَوْق المبررات والأعذار السخيفة، مهما بدت مقنعة في ظاهرها. فهي، أي محرقة غزة، تعد اليوم محكا حقيقيا حاسما للفصل والفرز. من جهة، بين مثقفي القضية الملتزمين بالرسالة الإنسانية للكلمة، المنحازين إلى خندق الحق والعدل والإنصاف، ونصرة صف ضحايا الهمجية الصهيونية. ومن جهة أخرى كتاب الديجيتال، القابعين على الدوام في الفضاء الأزرق، المنهمكين في التعريف بذواتهم ويومياتهم، وتسويق بضاعتهم، غير الآبهين بما يتعرض له إخوان لهم في غزة من أهوال وفظائع. وشتان بين هؤلاء وأولئك. إنه الفرق بين الثرى والثريا..!

      يبدو كما لو أننا اليوم، أمام ظاهرة عزوف وانزياح المثقفين عن رسالاتهم النبيلة. ظاهرة مثقفين بلا قضية، بلا انتماء، بلا وجع. مثقفين يلهثون خلف النجاح والشهرة والأضواء. لا يلقون بالاً لما يتعرض له شعب أعزل من فظاعات. يعتبرون أن أوجاعه لا تليق للعرض على جدرانهم وصفحاتهم الفايسبوكية. ولذلك يلزمون الصمت والتعتيم عن محنته.

      ولعمري ان مثل هذا السكوت المشبوه في مثل هذه الفواجع الرهيبة التي يتجشمها أهل غزة، لا يمكن سوى أن يكون تمترسا في خندق الظلم. وانحيازا وتواطؤا مع الجلاد المجرم. وعليه، فحين يُجَوع الأطفال ويُذبحوا، وتقتل النساء وتشرد، ويُهان الشيوخ ويبادوا، ويدمر وطن ويشرد شعب كامل، لا يصبح الصمت حيادا أو تأففا عن أوحال السياسة، بل مشاركة ضمنية في الجريمة. لا لشيء، سوى لأن الكلمة في بعدها الأخلاقي والإنساني، لا يمكن أن تسكت عن الظلم والتسلط والجبروت، وإلا تحولت إلى ترف فكري عديم الفائدة والهدف، وإلى زخرف لغوي فارغ القيمة والأهمية..!! هذا علما أن وظيفة الكلمة، لم تكن يوما هي إبطال آلة الحرب والتقتيل، ولا إيقاف دوي القنابل وانفجارها، ولا إسكات هدير الدبابات وصريرها، ولا وقف أزيز القصف ودماره. بل كانت هي فضح كل ذلك وكشفه، وتشكيل وعي بمخاطره وأهواله، وتكوين رأي عام ضاغط وفاعل. ومنح الضحايا وجها وسندا. وتحويل كل قطرة من دمائهم إلى ذاكرة ودروس وعبر. والحيلولة دون أن تطوى معاناتهم في غياهب النسيان وسراديب النكران. والإصرار على وضع الجلاد المجرم موضع الإتهام والمحاسبة والعقاب. إن وظيفة وصوت الكلمة بهذا المعنى، هي أقوى من صوت الرصاص..!

      إن ما لا شك فيه، هو أن مذبحة غزة ومحنة الشعب الفلسطيني، تمثل اليوم اختبارا وامتحانا حقيقيا لعموم كتابنا وأدبائنا ومثقفينا. امتحانا يكشف الغث من السمين، ويُظهر من بقي حاملا للكلمة الصادقة الهادفة الملتزمة بقضايا الناس وأوجاعهم وآلامهم وآمالهم وأحلامهم. ومن تخلى عنها وصنع لنفسه هوية رقمية، يبحث من خلالها عن الشهرة والإنتشار والتتويج، من خلال الإنخراط في حصد الإعجابات السخيفة، والبحث عن المديح والإطراء الإفتراضي الفارغ، في انصراف وعزوف تام عن أهوال الحرب الصهيونية الوحشية، ونيرانها المستعرة، التي تأكل أبناء الشعب الفلسطيني بلا هوادة، منذ ما يقارب العامين.

      إنه بقدرما شكلت هذه الحرب الوحشية عامل فرز بين كائنات رقمية نرجسية، باحثة عن مجد واهم، غير مكترثة بما يرتكب في غزة من مذابح وإبادة وانتهاكات فظيعة، وكتاب وأدباء مناهضين للظلم والعدوان، منحازين إلى صوت الحق والضمير، يقاومون الوحشية الصهيونية ويدعمون المقاومة الفلسطينية بسلاح الكلمة الملتزمة، فهي، أي الحرب، قد عرت عن جوانب العطب التي آلت إليها صورة المثقف، بوصفه يمثل ضمير المجتمع وطليعته.. وكشفت ما لحقها من نكوص وتردي وميوعة وتجرد من المسؤولية الأخلاقية.

     لحسن الحظ لا زالت ثمة أسماء نادرة وسط هذا السواد وهذه العتمة، تمثل استثناء جميلا في الفضاء الأزرق، حافظت على هويتها  وانتمائها وإنسانيتها، تكافح بالكلمة الصادقة، مستبطنة أوجاع غزة وجراح أهلها المروّعين المقهورين، ومترجمة ذلك في نصوص إبداعية تقطر صدقا وألما. وتغريدات ومنشورات تعري من جهة، الوجه البشع للعدو الصهيوني المجرم، وتفضح بربريته وهمجيته وجرائمه. ومن جهة أخرى، تعرف بأوضاع وأوجاع غزة ومأساة أهلها. وتقاعس المجتمع الدولي والعربي والإسلامي وتواطئه وتَعريه من آدميته.

      لله في مثقفينا المتسكعين في دروب وسراديب الفضاء الأزرق، المتحصنين به ضد الآلام والأوجاع المتدفقة في غزة، والمتخذين منه حجابا دون رؤية المآسي والشدائد الواقعة هناك، الباحثين منهم عن حصاد الجمجمات والإعجابات عديمة القيمة والفائدة والأثر، القابعين في أبراج الرفاهية الثقافية واللغوية غير الهادفة، المتملصين من أداء رسالاتهم الإنسانية النبيلة، ومقاصدهم الأخلاقية الرفيعة، لله فيهم شؤون وحكم…!!!!

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *