الأمن القانوني بين الارتباك التشريعي وقرار تحديد سرعة الدراجات النارية وانعدام دراسة الاثر

سليمة فراجي

في خضم الجدل الدائر حول قرار الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بفرض أجهزة قياس السرعة على الدراجات الصغيرة (speedomètre)، والذي أثار موجة من القلق في أوساط المهنيين والمستعملين، بسبب الغرامات الثقيلة التي تتراوح بين 5.000 و30.000 درهم، والعقوبات الحبسية من ثلاثة أشهر إلى سنة، بل واحتمال مصادرة الدراجات، خرج رئيس الحكومة ليعلن تعليق هذا الإجراء بشكل مؤقت.
هذا التراجع لم يكن تنازلاً عن مبدأ السلامة الطرقية، وإنما انتصارًا للحوار الاجتماعي، وإدراكًا للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذا الملف، لاسيما وأن آلاف الأسر المغربية تعتمد على هذه الدراجات كوسيلة للعمل والتنقل
لم يعد خافيًا أن التراجع السريع او ارجاء العمل بمضامين المذكرة المتعلقة باحترام سعة الأسطنة القانونية التي لايجب أن تتجاوز 50 سنتمتر مكعب وكذلك السرعة القصوى القانونية المحددة في 50 كم/س بتحديد سرعة الدراجات النارية يطرح أكثر من علامة استفهام حول جودة صناعة القرار التشريعي والتنظيمي ببلادنا. فالقانون ليس أداة تجريبية، بل هو تعاقد ضمني بين الدولة والمجتمع، قوامه الاستقرار والوضوح والقدرة على التوقع.
إن الأمن القانوني، باعتباره أحد ركائز دولة القانون، يقوم على وضوح النصوص، واستقرارها، وعدم تعارضها، وتوقع آثارها قبل إصدارها. وأي ارتباك في هذا المجال يؤدي بالضرورة إلى زعزعة ثقة المواطن في المنظومة القانونية والمؤسساتية.
وقد بررت وزارة النقل واللوجيستيك هذا القرار في بلاغ رسمي بكونه يهدف إلى مواجهة التزايد المقلق في عدد الوفيات لدى مستعملي الدراجات النارية، حيث سجلت سنة 2024 ما مجموعه 1738 قتيلاً، وهو ما يمثل أزيد من 43% من مجموع قتلى حوادث السير. وأرجعت الوزارة السبب في معظم هذه الحوادث إلى السرعة الزائدة الناتجة عن تعديلات غير قانونية للخصائص التقنية لهذه الدراجات.
لا أحد يجادل في خطورة هذه الأرقام ولا في وجاهة الغاية المتوخاة، إذ يتعلق الأمر بسلامة الأرواح، وهي أسمى ما تسعى الدولة إلى حمايته. غير أن الإشكال لا يكمن في المقاصد وإنما في الوسائل. فكيف يُعقل أن يتم فرض مقتضيات قانونية على مستعملي دراجات نارية استُورِدت أصلاً دون أن تُحدد سرعاتها تقنياً؟ وكيف يمكن محاسبة المواطن على معايير لم تكن مضمنة في شروط الاستيراد أو في الإطار القانوني السابق؟
إن ما وقع يبرز بجلاء غياب دراسة أثر متأنية، وهي الآلية التي يُفترض أن ترافق أي نص تشريعي أو تنظيمي، حتى يُتأكد مسبقًا من انسجامه مع الواقع، ومن قابليته للتطبيق، ومن آثاره الاجتماعية والاقتصادية والقانونية. وهو ما يجعلنا نستحضر قول الفيلسوف جان جاك روسو: “لا ينبغي أن نشرع إلا بأيدٍ ترتجف”، أي بوعي عميق بمسؤولية النص وأثره في حياة الناس.
إن ارتباك القرارات وتراجعها بعد أيام فقط من صدورها لا يمس فقط مصداقية الإدارة، بل يهدد ثقة المواطن في القانون نفسه. فالقانون الذي لا يستقر ولا يصمد أمام أول اختبار عملي، يتحول في الوعي الجماعي من أداة لتنظيم الحياة المشتركة إلى عبء يُنتظر التراجع عنه.
وعليه، فإن قضية الدراجات النارية ليست مجرد تفصيل تقني، بل هي نموذج صارخ لكيفية صناعة القرار في غياب رؤية استباقية ودراسة متأنية للأثر. وإذا كان الهدف هو تعزيز السلامة الطرقية، فإن الوسيلة الأنجع تظل في ضبط الاستيراد، وتوحيد المعايير التقنية، وتشديد الرقابة على التعديلات غير القانونية، بدل تنزيل قوانين متسرعة سرعان ما يتم التراجع عنها.
من هنا، يصبح النقاش حول الأمن القانوني ضرورة ملحة، تتجاوز واقعة الدراجات النارية لتشمل فلسفة التشريع بحد ذاتها. فلا تنمية اقتصادية ولا عدالة اجتماعية ولا ثقة في المؤسسات بدون قوانين مستقرة، واضحة، مدروسة الأثر
فالرهان الحقيقي اليوم هو استعادة الثقة عبر تشريعات واضحة، مستقرة، ومدروسة الأثر، لأن الأمن القانوني ليس ترفًا فكريًا، بل هو ضمانة أساسية لاستقرار المجتمع وحماية حياة المواطنين وحقوقهم.





2 Comments
إن بناء دولة الحق و القانون لا تبنى بالارتجالية و الانفرادية و إقصاء الآخر و غياب الديمقراطية التشاركية والتسلط و الشطط في استعمال السلطة و الكيل بمكيالين في تطبيق القانون و إسناد الأمور و تدبير الشأن العام إلى الأميين و أصحاب السوابق القضائية، بل بالمدرسة و التربية و التعليم و استئصال الرشوة و الفساد من إدارات و مؤسسات الدولة و بالحوار و التشاور واستفتاء المواطنين و الاستماع إليهم و العمل بمقترحاتهم و أفكارهم، لأن البصيرة و بعد النظر لدى بعص المواطنين العاديين لا يتوفر عليها الكثير من البرلمانيين الذين يقترحون و يسنون القوانين و يصوتون عليها.
فالمواطنون، مثلا، يطالبون اليوم و قبل فوات الأوان و قوع المزيد من الكوارث الإنسانية الحكومة بوضع حد نهائي للسيارات » الخارجة عن القانون « ، التي تسير بالبوطا ديال الكاز، و التي تعتبر قنابل موقوتة تصول و تجول في كل أنحاء الوطن أمام كل الأنظار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يم الأحد الماضي، اندلعت النيران بإحدى السيارات( رونو19)، بسوق سيدي يحي، حوالي الساعة 12 و 30 دقيقة زوالا، بسبب الحرارة و غاز البوتان و دمرتها عن آخرها، بالرغم من وصول رجال الوقاية المدنية بسرعة البرق، إلا أن النيران كانت أسرع، و لو لم ينتبه أحد المواطنين الذي قد يكون صاحب السيارة إلى أسطوانة الغاز و بادر بإزالتها من الصندوق الخلفي للمركبة، و لو لم يسرع أصحاب السيارات التي كانت مركونة هناك بإبعادها من الموقف لكانت كارثة بكل المقاييس.
خرق آخر للقانون و خروج عنه، العديد من المواطنين، بتواطؤ مع بعض رجال السلطة و أعوانهم و بعض المقاولين، يقومون بحفر آبار في بيوتهم بطريقة غير قانونية، خاصة في عز الجفاف و قلة التساقطات المطرية و تدهور الموارد و الفرشة المائية. و هنا يتساءل المواطن البسيط: » أين مؤسسات الدولة من هذه الخروقات؟! »
تصحيح: حادث اندلاع النيران في السارة كان يوم الجمعة و ليس الأحد.