يوم شاهدتُ البركة

.يوم شاهدتُ البركة
هناك بين قمم جبال الريف الشاهقة شقت فكرة طريقها إلى الوجود فتلقفها اهل الجود لتتحوّل إلى مؤسسة ضخمة صارت قبلة للحفاظ.
دامت الرحلة من مسجد الرمانة بدوار إخوانا قبيلة اجزناية إلى مؤسسة سفينة القرٱن زهاء ساعة قاومٓت فيها الٱلة الألمانية وعورة الجبال الإجزنائية: كان على السي عبد الرحمان تخسي أن يتسلح بكل مهارته في السياقة ليوصلنا بسلام إلى وجهتنا .
انطلقت الرحلة بعد عصر السبت 3 غشت 2025. بعد حوالي ساعة من ركوب القمم القاحلة الموحشة الجرداء أسلمتنا الطريق الضيقة إلى منحدر قادنا إلى منطقة خضراء.
دوار أولاد علي بن عيسى هو أخضر ما شاهدنا في الطريق.
على مستوى الدوار و على يسار الطريق بدت المعلمة متربعة على مرتفع.
كانت الساعة حوالي السابعة مساء حين استقبلنا أحد العاملين .
جال بنا في مرافق المؤسسة المختلفة لينتهي بنا المطاف في قاعة التحفيظ حيث كان يتربع الشيخ على كرسيه محاطا بعشرات الصبيان و بضعة شبان يكررون بصوت مرتفع الجزء المطلوب للحفظ. لكل جزؤه حسب تقدمه في الحفظ.
زيارة الصيف هذه سبقتها زيارة الشتاء. الأولى كانت بعد الفجر و هذه بعد العصر.
في كلتا الزبارتين وجدنا الشيخ متربعا على عرشه بين طلابه منهمكا في الإنصات و التصحيح و المراجعة.
و خلافا لما علق بذاكراتنا و لما جرت بذكره الألسن لم نجد قرب الشيخ عصا.
نعم ، لا عصا في المدرسة، فكيف استطاع هذا الشيخ الكريم أن يُلغي أداة ارتبطت في الأذهان بتحفيظ القرٱن؟
فاتنا أن نسأله عن سّر إقصاء العصى من حصص الحفظ لكن الحديث معه يجعلك تدرك أن السر يكمن في شخصيته.
تغادر المكان و انت عازم على العودة في أقرب فرصة.
…
فكرة تحولت إلى مشروع. كانت قاعة الصلاة ثم قاعة التحفيظ ثم جاء المطعم و المرقد و الفرن و بيت الضيوف و المسبح و الملعب و المكتب.
تسميتها بسفينة القرٱن لم تأت اعتباطا. فمن حيث الشكل تمددت المرافق في اتجاه واحد فرضته التضاريس لتأخذ البناية شكلا طوليا يشبه سفينة راسية على تلة.
و هي سفينة للقرٱن تمخر ضباب الجهل و الأمية دون توقف. ينزل كل حافظ بعد مرفإ الحزب الستين ليواصل الملاح السي حسن أقلاح رحلته المستمرة منذ سنين.
ما تكون البركة إن لم تكن هذه؟
في مكان معزول و سط جبال الريف الشاهقة، لم يتوقّعه أمودو و قد لا يحدد موقعه ݣوݣل إرث، عنت فكرة ببال إمام محب للقرٱن.
فكرة تحفيظ القرٱن عزّزها طلب للجهات المعنية قوبل بالقبول ثم بدأت رحلة التحفيظ و البناء.
ذاع صيت المدرسة بين الراغبين في الحفظ الذين حجّوا و يحجون إليها بالمئات من مختلف ربوع الوطن و من وراء الحدود ليجدوا المأوى و المطعم و الرعاية من الداعمين للمدرسة و القائمين على شؤونها.
أموال طائلة حلت فوق تلّة لتحولها إلى قبلة للحفاظ. الميزانية الضخمة التي صرفت هنا لا تخطئها العين.
معلمة ولدت من همّة مهما وصفتها لن أوفيها حقها: من سمع أو قرأ ليس كمن رأى.
بورك في الشيخ و في كل المنفقين من اموالهم و اوقاتهم ليبقى هذا الصرح قائما.





Aucun commentaire