رمضان مصباح

ليس كل اللسان،وانما العدد٤٣،المجلد الحادي عشر.بيروت 1956.
كنت وقتها 1967 بفاس ,تلميذا داخليا،بثانوية القرويين،مستوى الخامسة ادبي.
كنت في فقر قاس،يكاد لا يصل الدرهم الواحد الى جيبي.
كل مصروفي القليل مما تبعث به الوالدة رحمها الله،دريهمات لا تتجاوز الخمسة،وعلى فترات متباعدة.
لاعوض قليلا هذا الخصاص،طفقت اتعيش من بورتريهات شخصية،ارسمها نقلا من صور فوتوغرافية،لمن رغب من زملاء الداخلية،مقابل درهم او نصف او حتى اقل.
اجتمعت لدي خمسة دراهم ،اعتبرتها ثروة.وقتها كانت تلتئم، قرب مولاي ادريس بفاس ،سويقة صغيرة للكتب ،تشتمل احيانا على نفائس تتخطفها ايادي المتسوقين ،واحيانا كان ينادى :خزانة العالم فلان في المزاد،فيتدافع سماسرة المعرفة لتقييمها،وتخطف نفائسها.
هذا حال فاس،العاصمة العلمية وقتها.
قصدت بثروتي الصغيرة السويقة،وكلي امل ان اقع على كتاب اعود به « وراسي سخون ».
زياراتي السابقة ،كنت اكتفي فيها بالتفرج على ما يفرش على الارض ،وما بايدي الدلالة.الله غالب.
هو ذا امامي،لسان العرب بقضه وقضيضه،وقد كنت اسمع به من افواه اساتذتنا العلماء.يستشهدون به فنحتار نحن:كيف يجتمع لسان العرب كله في كتاب واحد؟
بكم ياعمي لسان العرب؟خمسة دراهم ياولدي، يرد البائع.
حتى لا يتراجع في كلامه ،حسب ما لمع في ذهني،ناولته اياها ،وابتعدت مسرعا بكل لسان العرب.
عجبا كيف يفخر علماؤنا بكتاب ثمنه خمسة دراهم فقط
؟ صعدت الطالعة بسرعة غزال،وواصلت الهرولة الى ان وصلت الى جنان سبيل.
التقطت انفاسي وطفقت اتصفح هذا المجلد،فاذا به يغطي اربعةاحرف فقط من لسان العرب.
ورغم هذا ضممته الى صدري ،ومضيت وانا في اوج فرحتي ،صوب الثانوية.
من يومها لم يفارقني ابدا ؛ورغم حيازتي لكل مجلدات اللسان ،في ما بعد،وقد ارتقيت مفتشا للتعليم الثانوي،لم افرط في ما اقتنيته بكل ثروتي.
ترى هل يمكن ان يعيش مراهق اليوم نفس تجربتي مع لسان العرب،او غيره؟
غير ممكن.