Home»Débats»الأذان والتلوث الصوتي!!!

الأذان والتلوث الصوتي!!!

1
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

الأذان والتلوث الصوتي!!!

لا يختلف عاقلان في الإقرار بمضار التلوث بصفة عامة، وبمضار التلوث الصوتي بصفة خاصة. إلا أنه عندما يَطلع علينا شخص بمقال يَغفُل، أو يتغافل فيه عن مختلف أنواع التلوث، ويخص التلوث الصوتي بالذكر، فإما لأنه قد قام بدراسة مختلف هذه الأنواع، وتأثير كل منها على البيئة بصفة عامة، وعلى صحة الإنسان بصفة خاصة، وخلص إلى أن التلوث الصوتي هو الأكثر خطورة وضررا،  مقارنة بالأضرار التي تحدثها باقي الأنواع، مما يكسبه صبغة الأولوية، وهذا أمر قليل الاحتمال، خاصة وأن مشكلة الأزبال المتراكمة والروائح الكريهة المنبعثة منها، لا زالت مطروحة بحدة  في معظم شوارع مدننا التي تتصدرها حتى تلك التي صرح مسؤولها غير ما مرة، بأنهم عازمون على إدراجها ضمن ما يسمى بالمدن الذكية، وإما أن هناك حاجة في نفس هذا الشخص يريد قضاءها، وهذا ما سأحاول الكشف عنه من خلال تحليل بسيط لمضمون مقاله الصادر بتاريخ 9 يوليوز 2023 بإحدى الجرائد الإلكترونية الواسعة الانتشار تحت عنوان: الضجيج المقدس.

وحتى لا أُتهم بالتجني عليه، أعرض فيما يلي معظم ما ورد في المقال حرفيا، ثم أقوم بعد ذلك بقراءةٍ فيما بين السطور واستخراج الأفكار التي يدندن عليها.

  • « كل قاعات الحفلات تلتزم بدفتر تحملات يجبرها على كتم أصوات الأفراح والأعراس ومنع خروج الضجيج إلى الخارج، وإذا اشتكى المواطنون من أي نشاط ملوث فإن الغرامة تنزل ثقيلة على صاحب القاعة. غير أن الضجيج الذي تحدثه الحفلات الخاصة التي يقيمها الناس في قصورهم أو فيالتهم أو منازلهم لا تقوم فيها السلطات بمبادرة الردع والعقاب في حالة إحداث ضجيج مؤٍذ، أو في فترات متقدمة من الليل، سوى بعد شكاية من لدن المتضررين ».
  • « من هنا نلاحظ وعي السلطات بخطورة الضجيج كيفما كان نوعه، وأن هناك قوانين تحمي المواطنين من الأذى الصوتي، بحكم الضرر الحاصل ماديا على الإنسان كمحصلة لأبحاث علمية، تحدد مستوى من الصوت ضار بالصحة البدنية، خاصة في عمق الليل، حيث يتحول تعمد اقتلاع المواطن من نومه أو مرضه أو سنه الفتي من أجل صلاة الفجر إلى اعتداء على سلامة الأبدان والأنفس؛ ولا يتواجد أي مبرر فقهي لفعل ذلك إلا عدوانية التطرف والتزمت وفرض الشرائع الأحكام على الجميع بدون تمييز ».
  • في مدينتنا أكبر فندق… يقف أمامه أكبر مسجد في المدينة… وكان القّيمون على هذا المسجد »يزيدون في العلم » فابتدعوا عادة سيئة تسمى « التهلال »، وهي أذكار وأدعية تسبق أذان الفجر، مدتها ربع ساعة حتى النصف، حسب الغرور والثقة الزائدة التي يحس بها المؤذن في صلاحية تجويده لهذه الأناشيد الدينية. وكانت مكبرات الصوت الثمانية تشق السماء ليلا، فتقيم الدنيا وتقعدها، ويقفز لها السواح الكثر في الفندق الكبير خاصة، وبعد معاناة لا بأس بها، استعان أصحاب الفندق بمعارفهم من النافذين في المدينة فتم وقف » التهلال » والنقص من قوة المكبرات. »
  • إنه لا يعقل إكراه الناس على الالتحاق بصلاة الجماعة فجرا باستفزازهم بأكبر قدر من الاعتداء الصوتي باسم قداسة الأذان، وعلى الحكومة المغربية أن تلزم المساجد بحد أقصى من الضجيج وباختصار مكبرات الصوت إلى اثنين بدل أربعة أو ثمانية، وألا تكون من الأنواع الضخمة التي تستعمل في الحروب والكوارث الطبيعية. وأن تسهل الشكاية ضد التلوث الصوتي باتصال هاتفي بجهة معينة أو بإجراء رقمي عبر الإنترنيت. هذا إذا كنا نريد أن نرفع العبادات في ديننا وفي بلدنا إلى مستوى الحضارة الإنسانية.

إن الأمر لا يحتاج إلى مهارات خاصة لتحليل الخطاب، حتى يتضح أن الهدف هو التحامل على الإسلام ومحاربته، لكونه يقتفى أثر الناشطة الحقوقية نزهة الصقلي، المعروفة بمواقفها المحاربة للشريعة الإسلامية، والتي كانت سباقة منذ مدة غير قصيرة للتعبير عن امتعاضها من سماع الآذان، لكونه في نظرهما -الصقلي وصاحب المقال-يُزعج بعض الفئات التي يأتي السواح على رأسها. ولعل أول وأبرز مؤشر دال على هذا التحامل، ما يُستنتج من صياغة عنوان المقال، ذلك أن وصف الضجيج بالمقدس لا يمكن إلا أن يكون ذمًّا في صيغة مدح، انطلاقا من القاعدة البلاغية « تأكيد الذم بما يشبه المدح »، ليتبعه بمجموعة من المؤشرات، التي توحي كذلك، بأن المقال مؤطر بفكرة التحامل على الإسلام، وذلك باعتماد معطيات مغلوطة من بينها:

  • ملا حظته بأن السلطات واعية بخطورة الضجيج كيفما كان نوعه لا تستقيم، لسبب بسيط هو: أن تصريحه بأنها لا تقوم بمبادرة الردع والعقاب في حالة إحداث ضجيج مؤٍذ، بالنسبة للحفلات الخاصة التي يقيمها الناس، في قصورهم أو فيالتهم أو منازلهم سوى بعد شكاية المتضررين، دال على العكس، ذلك أن وعيها بهذه الخطورة يحتم عليها منعها والحيلولة دون وقوعها بشكل منهجي (systématique)، وإلا فما معنى الوعي إذا لم يجسد على أرض الواقع؟ أمْ أن همه هو إيجاد تبرير لتدخل السلطات لمنع صوت الآذان دون غيره من الأصوات؟
  • توسُّله بالعلم لإبراز ضرر التلوث الصوتي يُعتبر أمرا بديهيا، وسوف لن أختلف معه في هذا الشأن، لكن الاختلاف بيننا يبرز عندما يتم إقحام العلم للتحامل على صلاة الفجر، باتخاذ الآذان ذريعة لاعتماد أسلوب ينم على الاقصاء الكلي للآخر، عندما ينعته بأنه « لا يجد له أي مبرر فقهي سوى «  عدوانية التطرف والتزمت، وفرض الشرائع والأحكام على الجميع بدون تمييز »، مع العلم أن نسبة الضرر مرتبطة بمدى حضور أو غياب مجموعة من العناصر منها ما هو عضوي ومنها ما هو نفسي، بالإضافة إلى شدة الصوت وحدته ومدته ومكونات الوسط الذي يتواجد فيه المعني…
  • إشفاقه على السواح الكُثر الذين يقطنون بالفندق الكبير، والذين يقفزون – كأنهم جاءوا من بلد الواق واق- عند سماعهم الآذان، وكأنه الناطق الرسمي باسمهم، غيرُ مبرر تماما، لسببين رئيسيين: الأول يتمثل في أن السياح قد أُخبروا أو قرأوا قبل أن يقرروا المجيئ إلى المغرب، بأن أهل هذا البلد مسلمون، وأن الآذان يرفع فيه خمس مرات في اليوم، وأن الخمر والخنزير محرمان، وأن الزنا حرام، وأنه يمنع انتهاك الآداب والأخلاق العامة بالشارع العام…ومن ثم فلا مجال للاحتجاج مكانهم بشيء قد لا يحتج به السواح أنفسهم، والسبب الثاني يتمثل في طبيعة هذا الفندق الذي تم وصفه بالكبير، أي أنه من فئة 5 نجوم؟ وإذا كان كذلك، فلا بد أن تتوفر في تصميمه مجموعة من الخصائص التقنية، من بينها عزل داخله عن الخارج صوتيا، وإلا فلن يكون بمعزل عن باقي مصادر التلوث الصوتي، من سيارات ودراجات نارية التي يتعمد أصحابها إحداث أكبر قدر ممكن من الصوت المزعج، وفي هذه الحالة إذا بقي هناك من يزعجه صوت الآذان، دون غيره من الأصوات على اختلاف مستوى إزعاجها، فلا شك أن له عقدة نفسية تجاه كل ما يمت للآذان بصلة، وما عليه إلا زيارة طبيب نفسي محايد.
  • تشبيه مكبرات الصوت المستعملة في الآذان بتلك المستعملة في الحروب والكوارث الطبيعية، أمر مبالغ فيه، بالشكل الذي لا يترك مجالا للشك في تحامله على الدين، من خلال البحث على كل فجوة مهما صغرت، لتكبيرها، والتهويل من حجمها، وهو ما يلاحظ بشكل جلي، عندما طلب من الحكومة تسهيل الشكاية ضد التلوث الصوتي، وهي دعوة يُراد من ورائها خلق جبهة مضادة للمسجد، تكون عاملا محفزا للجهات المعنية لاستفسار، وربما محاكمة المؤذنين، ومن يدري! مما قد يؤدي بالضرورة إلى الرغبة عن الآذان قد تصل إلى الزهد فيه. وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أنه في حالة وجود بعض الاستثناءات -والاستثناء لا يقاس عليه-مثل وجود مسجد قرب مستشفى على سبيل المثال، فإن الأمر لا يحتاج إلى هكذا إجراء، بل يُكتفى بإخبار المؤذن أو المسؤول عن المسجد لِيُحَلَّ المشكل بكل أريحية وبساطة.
  • استعماله نون الجماعة في ربطه رفع مستوى العبادات، إلى مستوى الحضارة الإنسانية، بتخفيض صوت الآذان، أمر فيه نظر، لأن اعتماده لهذه الصيغة، يُفترض معها أن يكون من المواظبين على صلاة الفجر، ومن ثم فما كان عليه سوى الاتصال بالمؤذن ومناقشته في الموضوع، وإقناعه بالمعطيات العلمية المتوفرة لديه، حتى يقلع عن استعمال مكبر الصوت الحربي.

إن التحدث عن التلوث الصوتي في بلد يوصف بالتخلف في جل مظاهره الحياتية، شيء جميل، وأجمل منه التمييز بين أنواع التلوث الصوتي، مما يتعين معه محاربة أنواع التلوث الأخرى التي تفسد على المواطن المغربي، ليس نومه فقط، بل حياته كلها في جانبيها المادي والمعنوي، ومن ثم يطرح السؤال: إذا تم وصف الآذان الذي لا يدوم أكثر من دقيقة أو دقيقتين على الأكثر بالضجيج المقدس، فما هو الوصف الذي ينطبق على ضجيج مهرجان موازين، وباقي المهرجانات التي تدوم الليل كله، من بينها تلك التي تقام على الشواطئ، كما هو الشأن بالنسبة للمهرجان الذي تنظمه كوكا كولا، ومهرجان الشواطئ الذي تنظمه اتصالات المغرب التي تقدمت  بدعوة منخرطيها عن طريق رسالة SMS للحضور مجانا، ابتداء من يومه 14/7/2003. ولا شك هذا مما يفسد على المصطافين الذين ينشدون الراحة والهدوء هدوءهم وراحتهم، دون أن نعتبر التلوث الأهم الذي يتمثل في الانحطاط الأخلاقي بكل تجلياته. وبماذا يمكن أن نصف الضجيج الذي تُحدثه الدراجات النارية، التي يتصرف أصحابها في عادماتها عن ترصد وسبق إصرار، لتحدث أصواتا مرعبة، والسيارات في الشوارع وقرب المؤسسات التعلمية، بل أمام المصحات والمستشفيات، وماذا عن الضجيج الذي تحدثه القطارات، التي لا تعرف توقفا لا ليلا ولا نهارا، خاصة بالنسبة للساكنة المحاذية للسكة الحديدية، والتي غالبا ما تتكون من الطبقة الفقيرة، أو المتوسطة في أحسن الحالات، وماذا عن الضجيج الذي تحدثه الأعراس التي يضرب أصحابها خيامهم وسط الأزقة، والطرقات أو في أسطح المنازل، كما أصبح مألوفا في جهات معينة من المملكة، وماذا عن ضجيج الماكينات في المعامل والورشات الصغرى – ورشات التلحيم على سبيل المثال-  وماذا ثم ماذا؟؟؟؟

ختاما، أقول لصاحب المقال ومن هم على شاكلته، بأن الدين الإسلامي يرفض الإزعاج أيا كان مصدره، لكن التركيز على الآذان، إذا كان فعلا مزعجا، دون غيره من مصادر التلوث المادي والمعنوي على السواء، يعتبر كيلا بمكيالين وأكثر، وأخبره بأنه لا يفصل بين مسكني وبين المسجد المجاور سوى ما يقارب 30 مترا أو أقل، ولم أحس يوما بإزعاج الآذان، شأني في ذلك شأن كل جيران المسجد، حتى الذين لا يواظبون على صلاة الفجر، لذلك أدعوه للقيام بمجهود لحضور صلاة الصبح حتى يستأنس بالآذان، وآنذاك أعده بأنه لن ينزعج منه أبدا، بل على العكس من ذلك ربما قد يطلب من المؤذن أن يزيد في مستوى صوت المكبر إذا لم يكن جارا مباشرا للمسجد.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *