Home»National»التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(1)

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(1)

5
Shares
PinterestGoogle+

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(1)

بقلم:خالد عيادي

بين يدي العنوان:

العنوان في الدراسات الجمالية الحديثة عتبة من أهم عتبات النص.على الأقل له شرف الصدارة.وهو في اعتقاد الكثير مبني ومصنوع، لغرضين أساسيين متعلقين بالمتلقي من جهة، أو بعملية التأويل من جهة أخرى.والعنوان الذي تم اختياره وإن كان مستعارا من عالم فن الرسم ،فإن له طبيعة إيحائية وطاقة تعبيرية، في مجال تعددية الفهم ونسبية التفكير.وقد أصبح الكثير يؤسسون له مساحة واسعة من المناقشة والبسط والتنظير. وتهدف هذه المقاربة  إلى إعادة  النظر في طبائع تفكيرنا، وفهمنا لمختلف الظواهر الاجتماعية والفردية.ذلك أن العديد من المشاكل والأزمات الحاصلة في واقعنا العربي والإسلامي، لهي من نتاج تفكير أحادي الجانب. أو لنقل بلغة الألوان: تفكير بالأبيض والأسود.

لقد تم إلصاق مفهومين ينتميان لحقلين دلاليين متابعدين:(التفكير) و(الألوان)، بحرف الباء التي هي أصلا في عرف النحاة للإلصاق.وللباء معاني كثيرة، أحصاها النحاة في اثني عشر معنى .وهذا المعنى، أي الإلصاق : »في كلام العرب في الباء أكثر من غيره فيها، حتى إن بعض النحويين قد ردوا أكثر معاني الباء إليه. »([1])

ماهية التفكير:

التفكير في كلام العرب يعني « إعمال الخاطر في الشيئ…والتفكر:التأمل »([2]) .أما في الاصطلاح فمعناه: »قوة مطردة للعلم إلى المعلوم ،و جولان تلك القوة بحسب نظر العقل ،وذلك للإنسان دون الحيوان ،ولا يمكن أن يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب »([3]) . وهذا التعريف لا يخلو من تأثر بالفلسفة اليونانية الأرسطية، ذلك أنه مرتبط بتعريف « المفكر » الذي هو الإنسان، حيث دأب القدماء على ترديد حد الإنسان بقولهم: »الإنسان حيوان ناطق » .وهو إن لم يجد من يحدثه تحدث إلى نفسه، أو تحدث إلى نبات، أو حيوان ، أو جماد. وهذا الحد للإنسان، كما ذكرت يوناني أرسطي،يقف ضعيفا غير متماسك أمام « نباهة » « الهدهد »، في إقناع النبي « سليمان »عن سبب تغيبه.أو « شطارة » « النملة » في إنقاذ أمتها من أقدام وحوافر جيش سيدنا « سليمان »، مع التماس العذر له ولجنوده و »هم لا يشعرون ».

         ولبيان الفرق بين الإنسان ،وغيره مما خلق الله، والحيوان من حيث اللغة، لا ينبغي أن ننطلق من السؤال الذي كانت تطرحه أغلب الدراسات: هل تتكلم الحيوانات ? ولكن نقطة انطلاق البحث يجب أن تكون : ما هي اللغة ?لأن التفكير في هذا السؤال المتعلق بماهية اللغة،هو الذي قد يحل هذه الإشكالية. على أن ما يهمنا من أمر اللغة في هذا السياق، هو الخطاب، أو اللسان، لما يكتسيه من أهمية في تكوين شخصية الإنسان. وقديما قال الإنسان العربي: »المرء بأصغريه:لسانه وجنانه ».وهذا المثل يفسره قول الشاعر الجاهلي: »لسان الفتى نصف ونصف فؤاده »([4]).لقد اختصر الإنسان العربي القديم بفطرته الإنسان في لسانه: أي لغته ، وعقله .فمن خلال اللغة نفكر، وندرك العالم، ونتواصل فيما بيننا، ونشتغل ،وننتج، ونترجم أفكارنا ومشاعرنا،حتى إن الفيلسوف الألماني « هيجل »يرى بأننا لا نفكر إلا داخل الكلمات،وأن الكلمة هي التي تصوغ الفكر وتشكله([5]).

        وليس القصد من هذه المقاربة توضيح التفكير العلمي،بسماته الأساسية المتمثلة في :التراكمية والتنظيم، والبحث عن الأسباب، والشمولية، واليقين، والدقة، والتجريد([6])،وإن كان بعض من هذه السمات مطلوب ،ولكن الذي يعنينا هنا، هو تلك العلاقة الجدلية المنتظمة بين طبيعة التفكير، وبين سلامة العلاقات الإنسانية.وبعبارة أخرى: التفكير في بعده التواصلي و الاجتماعي..

…………………………………………………………………….. 

[1] )  رصف المباني في شرح حروف المعاني للإمام أحمد بن عبد النور المالقي- تحقيق – د- أحمد محمد الخراط- دار القلم- دمشق- ط-2-1985م-ص221-222.

[2] ) معجم لسان العرب – ابن منظور- مادة (ف ك ر ).

[3] ) مفردات ألفاظ القرآن – الراغب الأصفهاني – مادة (ف ك ر ) ت- صفوان عدنان داوودي- ط – 1-1992 – دار العلم – دمشق- الدار الشامية- بيروت – ص:83.

[4] ) تمام البيت، وهو من معلقة « زهير بن أبي سلمى ».لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم.شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها.اعتنى بجمعه وتوضيحه للمرة الأولى.الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي – دار القلم – بيروت – لبنان – ص.122.

[5] ) اللغة والخطاب –عمر أوكان – أفريقيا الشرق – المغرب – 2001 – ص:12

[6] ) أنظر فصل سمات التفكير العلمي، في كتاب التفكير العلمي- فؤاد زكريا- عالم المعرفة- سلسلة كتب ثقافية شهرية  يصدرها المجلس الوطني  للثقافة والفنون والآداب- الكويت- مارس-1978.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *