Home»International»ضباب برودة وإضراب يشل العاصمة الفرنسية

ضباب برودة وإضراب يشل العاصمة الفرنسية

0
Shares
PinterestGoogle+

المختار عويدي
لف ضباب كثيف العاصمة الفرنسية اليوم، بعد يوم مشمس نادر وجميل. ولا عجب، فالعوامل الجغرافية والفيزيائية لعبت دورها الطبيعي كاملاً في ذلك. فإنه لا يمكن أن ننتظر بعد يوم صحو مشمس دافئ ومليء بالتبخر وتصاعد الهواء الخفيف، المنفلت من سطوة الجاذبية الأرضية، تعقبه برودة ليلية قارسة، لا يمكن سوى أن ننتظر نشاطا وعملاً دؤوبا لعملية التكاثف، وتلاحم جزيئات الهواء الرطب وثقلها، وانجذابها مجدداً نحو السطح بفعل تأثير الجاذبية المذكور، مشكلة رداء سميكا وكثيفا من الضباب، اتشحت به المدينة بكاملها، مما حجب رؤية مفاتنها التاريخية والفنية والطبيعية والتكنولوجية والعمرانية المتنوعة العديدة. فضباب هذه المدينة ليس سريع التبدد والإنقشاع، ولكنه ضباب كثيف، ممتد في الزمن لا تبدده شمس الظهيرة بالسرعة المعروفة عندنا، تسنده برودة قطبية قارسة، تصطك لها أسنان المرء، وترتعد لها الجوانح والأطراف، مما يجعله ضبابا مخيما جاثما على المدينة طول اليوم والوقت، بل قد يستغرق أياماً.
يبدو هذا الصباح الباريسي الخريفي الصقيعي على غير العادة، بطيء الحركة، ساكن الأجواء، رتيبا كئيبا، لا يكسره لا هدير شبكة القطارات الكثيفة التحت/أرضية والفوق/أرضية، التي تربط مختلف مناطق وأحياء ومحيط المدينة. ولا ضجيج حافلات النقل الحضري كثيفة العدد، التي لا يوجد حي ولا مكان ولا صقع حضري، إلا وتربطه بمختلف مناطق وأطراف المدينة. لا شيء غير حركة السيارات الخصوصية، والطاكسيات التي بدا أن اربابها يعيشون أسعد وأزهى أوقات عملهم. فالطلب على خدماتهم بلغ ذروته اليوم، ولذلك تجدهم، كما عندنا تماماً، يستغلون الوضع بنزعة نفعية صارخة، ويطلبون أسعارا مضاعفة لزبناهم.
إنها تداعيات شلل عام أصاب المدينة، يكاد يكون تاما، فرضه إضراب عمال وسائل المواصلات العمومية المختلفة، احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد، الذي استند إلى تقرير مفوض المعاشات جان بول ديليفوي. والذي من بين ما نص عليه، هو استبدال الأنظمة الخاصة الحالية البالغ عددها 42 نظاماً (موظفو القطاع العام – وعمال SNCF, وخاصة عمال RATP) بنظام معاش عالمي قائم على النقط. ورفع سن المغادرة إلى 64 سنة، بعدما حدد سنة 2010 في 62 عاما. وتكون المغادرة قبل هذا السن ممكنة، لكن المعاش لن يكون بالكامل.
عموماً لقد بدت المدينة اليوم مشلولة بالكامل، كما لو أنها محاصرة. فقد تواطأ كل من الضباب الكثيف، والبرودة القارسة، والاضراب العام لعمال قطاع المواصلات العمومية، على جعل هذا اليوم بارداً جامدا راكدا، وبالتالي على إفساد برنامجي اليومي لاستكشاف معالم المدينة المختلفة. مما جعلني ألوذ بالبيت والمدفئة وزيت الزيتون، لمقاومة زمهرير هذه المدينة، متحسرا على ضياع يوم من اجازتي الباريسية من دون أي اكتشاف. وإن كنت في قرارة نفسي، أخفف من وقع هذه المستجدات، بتضامني المعنوي مع نضالات هؤلاء العمال. لأننا قد شربنا نحن أيضا في المغرب، من كؤوس علقم اصلاح/إفساد أنظمة التقاعد، ولا زال القادم هناك ينبئ بالاسوأ.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *