خذ كتابك بيمينك وقل للناس..

رمضان مصباح الادريسي
ويبدأ الراوي في افراغ البحيرة في قنينة:
منذ سنين وفكرة كتابة سيرتي الذاتية تلح علي ؛وكلما هممت بها انهال علي السياط الذي يجلد ظهورنا جميعا؛نحن أبناء ثقافة الصمت والتواري والإخفاء:
ما الداعي الى كشف سيرتك للآخرين؟ ما الذي تراه مفيدا لهم في سيرتك الذاتية؟
مجتمعك مُعرِض ،في أغلبه،عن القراءة،فكيف تغامر بخلق فشل آخر ينضاف الى اخفاقات العديد من كتابنا ،في مراودة القراء عن وقتهم؟
وهل أفلت أحدنا من الثورة الرقمية ،التواصلية،التي تلتهم زمننا التهاما ،حتى تُفْرَد بحيز، تُبعثر فيه حياتك،وأنت مطمئن الى وجود من يلملِمها،ويعتصر منها افادات ما؟
هكذا كنت أصنع وهني وتقاعسي،كلما ألحت علي الفكرة؛ الى أن وجدتُني ،في أيام صيفي هذا – يوليوز2017- ،أردد وأنا بين النوم واليقظة:
ألا ترى نفسك ،وأنت المُغرم بالتاريخ والسِّير،شديد التلهف في أبحاثك ؛تتوقع في كل وثيقة خاصة، تقع بين يديك،ريشة كاتب أو فنان ،ترسم لك ملامح حياة مرت من هنا ،ولم يكن صاحبها أنانيا مثلك؛وهو يفكر في الغير ،ولا يمن عليه بتفاصيل أيامه ؟
أتتوهم أنك صانع حياتك ،بمفردك، حتى تستحوذ عليها لك وحدك؛وأنت قادر على انتاج لذة القراءة،يتمتع بها غيرك ،كما مُتِّعت بحياتك؟
هل تراك في مجتمع كاتب وقارئ – بما فيه الكفاية- حتى تنكص عن فرض العين الى فرض الكفاية؟ بئس القول قولك: ان لم أكتب أنا حياتي،فسيكتب الآخر عن نفسه وأيامه وعصره؛وفي ذلك كفاية.
وهذه الأماكن – في البادية ،كما المدينة – التي عشت فيها ،وترددت عليها ، ألا ترى نفسك ملزما – وأنت تقارب السبعين ربيعا اليوم(67)- بالوقوف عندها ،واستعادة لذتها ،وسحرها ،وفضلها عليك ،اذ ألِفَتك مقيما فيها أو عابرا؟
وكل هذه الكتب الرقمية والمقالات التي كتبت،والتي تفكر في كتابتها ،ألا تراها معمارا فكريا تنقصه لبنة ،ليكتمل:
سيرة حياة لم تتدفق عبثا بين جبال مستفركي؛وإلا لكانت مضت عادية،كحيوات عديدة ،مرت من هنا ؛لم تنتج أسئلة ولا أفكارا ملحاحة؟
لا أيها العابر ،ضمن أرواح وأجساد عابرة، يجب أن تكتب هذه المرة عن نفسك ؛كما كتبت مرارا عن الآخرين.
يجب أن تَرُد دَيْن ما تمتعت به من سير ذاتية؛قرأتها متلهفا ،ومتلصصا على كل التفاصيل التي تزخر بها حياة.
تفاصيل قرر أصحابها اهداءها للآخرين؛عساهم يقابلون الهدية بمثلها.
كل زمنك منذور للقراءة والكتابة ؛فلماذا تتعثر الآن في أحابيل الكسل ،وتنهزم أمام بياض الورق – بل غمازات « الوورد » -و أنت لا ترى فيه غير لون نَهِم،يلتهم أزمنة الكتاب،منذ الأزل،ويحبسهم في ابراجهم ،بعيدا عن دفق الحياة المادية،ومجالس القوم ونواديهم.
لا يموتن أحدكم الا وقد كتب سيرته:
اكتب اكتب أكتب..فالعمر يمضي،والشيخوخة تداهم؛وفي ركابها المرض ،الوهن،والنسيان.
وكدت أقول :لايموتن أحدكم إلا وقد كتب سيرته،لأنها أكثر من مجرد وصية بمتاع زائل.
خذ كتابك بيمينك،وقل للناس:
هذه سيرتي ضمنكم ،بدءا من الطفولة في الجبل؛وهي ،من زاوية أوسع سيرة قبيلة،وسيرة مغرب البادية،الذي قل ما يلتفت اليه الأدب.
هي السبعون عاما ،من عمري،أو تكاد، وقد أجهدتها وأجهدتني؛حتى سئمت تكاليفها ؛بعد فرح البدايات ،الذي ظننته يدوم ،وهو لا يدوم،الا ذكرى.
هي سيرتي لكن بها من التفاصيل ما يشبه تعالق عروق الشجر؛حتى لا تترك سيرا أخرى،جايلتها ،وكل أحداث القبيلة التي عايشت – والوطن كله- إلا وقد مدت اليها بعرق ؛حتى غدت سيرة الكل ،في السيرة الواحدة.
اذا كان النص لا ينكتب إلا من خلال نصوص أخرى(التناص)؛ فان السيرة تستدعي لزوما « التساير »،أو المسايرة،بالمعنى الذي ذكرت.
ويبدأ الراوي في افراغ البحيرة في قنينة.
https://web.facebook.com/groups/orientculture





Aucun commentaire