حكايا استاذ متقاعد : اختفاء النكهة

لعل اهم سمة تطبع السوق المغربية في الوقت الراهن، هي وفرة المنتوجات الزراعية على مدار السنة وعلى رأسها الفواكه.
قبل عقود خلت، كان علينا أن ننتظر شهورا عديدة حتى تجود البساتين ببعض الفواكه التي تقبل عليها العامة أكثر من غيرها، وعلى رأسهأ الشمام (الدلاح)حتى أقتصر على هذا الصنف من الفواكه الشعبية.
لكن الملاحظ ان القاعدة قد اختلت، حيث سمحت التقنيات الزراعية الحديثة بتحدي الدورة الزمنية فأرغمت الأرض على ،،الولادة،،خارج الأوان!
وهكذا، أصبحنا معتادين على رؤية الشمام وأقاربه من الفواكه في عز الشتاء، وأصبح المجال مفتوحا أمام المرأة لترضي متطلبات الوحم في كل الفصول مما فوت الفرصة على تاجر شهير في مقدمة شارع مراكش بوجدة ، حيث كان يخزن المواد المطلوبة بطريقته الخاصة الى أن انتزع منه التطور هذا التفرد!
لعل الناس لا يجهلون المضار الناتجة عن تناول الفواكه خارج وقتها كما يؤكد ذلك خبراء التغذية الذين سبقهم الطبيب العربي القديم: الحارث بن كلدة حين سأله القيصر عن الفواكه، فقال: لاتاكلها قبل وقتها ولا بعد فواته، لكن كلها في ابانها!
لندع الناس يتصرفون مع الخيرات المعروضة كيفما يحلو لهم،لأنني وانا اتامل هذه الفواكه،لم أستطع مقاومة صور من ماضي بلدتنا في مثل هذه الايام عندما كانت تشرع بعض المنتوجات في الكشف عن جاهزيتها للاستهلاك، وأي استهلاك!
كان من المعتاد أن يفد على السوق أشخاص من مناطق بعيدة لربح الوقت حتى يتمكنوا من تصريف منتوجاتهم في اليوم الموالي.
وهكذا، وما ان تتوقف دواب،، الغزراويين،،وهو لقب أولاد خليفة، حتى تستبد رائحة النعناع المتضوعة والأجاص والتفاح البلدي بالمتسوقين الذين لا يقاومون الرغبة في الشراء!
كان النعناع طبيعيا يغري باعداد الشاي في المقاهي الشعبية قبل البيوت، أما الاجاص والتفاح، فكانا من حجم صغير، ولكنهما بنكهة ربما اختفت الى الابد بعدما لجأ الناس الى اصناف جديدة أكثر اغراء وجاذبية ، لكنها بمواصفات جديدة.
ليس هذا فحسب، فلا زلت أذكر أن رجلا أبكم من بني ورغ، كان يزود السوق بنوع خاص من البطيخ(أفقوس)يبيعه بالوحدات وبثمن لا يقبل المساومة لأن ذلك المنتوج الذي اختفى بدوره ربما كان ثمنه خياليا لو صمد الى ايامنا حيث التهافت على اشده اذا كانت الفاكهة طبيعية وبدرجة نسبية من الحلاوة.
والى جانب ماسبق،فقد كان بعض الفلاحين يعرضون مصنوعات من الحلفاء(اصناجن) مليئة بنوع فريد من فاكهة المشمش البلدي ناهيك عن أخرى من فاكهة الصبار.
كانت هذه المنتوجات المحلية تنفذ بسرعة البرق بسبب جودتها، وكان مرتادو السوق يلجأون الى كل الوسائل لاقتنائها ولو تطلب الأمر المقايضة عند غياب النقود!
عندما أزور سوق البلدة في الوقت الراهن، أشعر بالحسرة وأنا لا أجد اثرا لتلك المنتوجات التي غابت بالموازاة مع غياب منتجيها!
ولا يقتصر الامر على الفواكه، فقد خلا السوق من منتجات محلية عديدة كانت تسمح برواج منقطع النظير خلال حقبة كاملة، مما يفرض الحاجة الى التفكير في احياء ما يمكن احياؤه، لأن أهلنا كانوا قد حققوا نوعا من الاكتفاء الذاتي في الامور الاساسية.
تحية لكل ابناء بلدتنا الصامدين امام قبح الأشياء في هذا الزمن.





Aucun commentaire