Home»International»ذاكرة جرادة : المعتقل السياسي أومليل الحاج أحمد بن موسى

ذاكرة جرادة : المعتقل السياسي أومليل الحاج أحمد بن موسى

0
Shares
PinterestGoogle+

لم  أتمالك نفسي وأنا أقرأ رسائل  أومليل الحاج أحمد بن موسى إلى أبنائه الستة وزوجته ، والتي من دون شك  كان  السجان  يطلع علي أسرارها  وخباياها  قبل وصولها إليهم ، وأتصفح أوراقه لأول مرة  ،  وجدت نفسي  أواجه  حالة  وجدانية  قوية .
وأمام  صدق ومصداقية هذا المعتقل السياسي ، وتضحياته  كعامل منجمي ساهم في تغذية شرايين الوطن بالطاقة المستخرجة من الفحم الحجري ، وكنقابي وسياسي محب لأسرته وبلده  ، ومن صميم عجز قلمي وفكري على أن يوفيانه حقه كمعتقل رأي مهما كتبت ، قررت أن أنحث هذه الجمل  من ترسبات واقع  وتاريخ جرادة العنيد ، لعلني أقوم بأبسط واجب نحوه ، كذاكرة  لعمال جرادة ، وكرمز من رموز التضحية  .

عندما يطغى الاستبداد ، ويسود الوهم بضيق صدر الوطن عن احتضان آمال وأحلام محبيه ومواطنيه ، ويجثم انعدام  الثقة على الأنفاس  ، يبدل الأمن  خوفا ،  وتمسخ الطمأنينة  قلقا  ، ويصبح برالأوفياء  بالوطن عقوقا  ، وتضحياتهم من أجله مغامرة فاشلة ، وتنتزع من المواطنين  صفاتهم الآدمية ، والكرامة  المتأصلة فيهم ، ويحال دون التعبير عن   انبثاق ملكاتهم ومواهبهم ، واستعمال صفاتهم البشرية بشكل كامل  .وتقلص المواطنة  في مواجهتهم  إلى أدنى حدودها  بين فكي كماشة الاستبداد ،  لتتلاشى  في النهاية  ، ويتوقف البدل والعطاء ، ويصبح الوطن باحة  للاغتراب والاكتئاب ، وجسر عبور قسري نحو الفناء والموت البطيء .

جسر عبور قسري  نحو الفناء والموت مر منه المناضل  أومليل الحاج أحمد بن موسى ،  لكنه لم يمت بل لا زال بيننا  منتصب القامة  كغيره من العمال ، و معتقلي الرأي ضحايا سنوات الجمر.
كان عضوا نشيطا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل ،  قالت زوجته السيدة بن سعيد عائشة ، وكنت  أحس وكأنني منخرطة معه  في النضال ، لمتابعتي لأنشطته الحزبية والنقابية عن كتب ،والتي لم يكن يخفي عني منها شيئا ، حتى أدق تفاصيلها  ، وكانت عائلتنا متماسكة أنا وزوجي وأبنائنا  ونعيش سعادة كاملة ،  ومرتاحين ماديا ومعنويا ،  تستطرد رفيقة دربه  في رسالة لها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان .

لم يعد المناضل أومليل قادرا على احتضان أبنائه وبناته والتعبير عن حبه لهم سوى عبر رسائل معدودة جاءت بعد ستة أشهر من اجتثاثه من باطن الأرض أي مقر عمله بأنفاق الفحم بجرادة ، واعتقاله من طرف الدرك الملكي يوم 14/01/1974  ، وتم اقتياده إلى مقر سكناه رقم 2004 بحي علال بن عبد الله ( الحي الأوروبي)، حاسي  بلال بجرادة ، حيث تم تفتيش منزله تفتيشا دقيقا  ، وتم الحفر في بعض بقاعه بحثا عن سلاح مفترض،  لم يجدوا منه سوى وثائق ومقررات حزبية  ونقابية ، وأعداد من جريدة المحرر . خلال عملية التفتيش المحمومة هذه ، لم يسلم أومليل الحاج من تعسف معتقليه  شتما وركلا على  مرأى ومسمع من أبنائه وزوجته .
نعم لم يجد الدرك  بحوزته  من سلاح سوى ما ذكر ، وأفكاره التي تترجم حبه لوطنه والتي لم يستطع معتقلوه مصادرتها منه ، ولخصتها زوجته  ببساطتها المعهودة في  »  سعيه من أجل الوحدة الترابية لبلده ودفاعه  عن النظام الديمقراطي المحضور آنذاك ، وشبه المستحيل ،  ولم يتعد  الإطار المعترف به قانونيا   ، من أجل هذا ولأجله فقط تعرض لما تعرض له من اعتقال وتعذيب   ………  »

كما لم يفرط  أومليل الحاج أحمد بن موسى  في واجبه النضالي كنقابي وحزبي  ، لم يفرط أيضا في واجبه المادي والمعنوي تجاه أبنائه وهو في السجن .
ورغم أن عمله المنجمي  » Chef Porion »   (رئيس ورشة منجمية  )صنفه ضمن الفئة الميسورة ذات الدخل المحترم ، وفي المرتبة الثانية بعد المهندسين إلا أن السجن  انتصب أمامه كآفة  كبرى أفقدته  وعائلته  مصدر عيشهم ، وجعلته يطلب من أكبر أبنائه  في إحدى رسائله أن يستلم من أحد أصدقائه 100 درهم   استلفها منه  قبل اعتقاله ، وكذلك 150 درهما من ساعي بريد هو الآخر استلفها منه . 250 درهما  ، قد يكون هذا الرصيد البسيط هو ما تبقى لديه من ثمار عمله .
ما  أصعب  أن يحس المرء أنه يكدح ويعصر ذاته ، ويستنزف ما بقي وما هو متاح من طاقاته الجسمية والنفسية والفكرية  ، وكأنه يقطع شرائح  من جسمه لينهض بواجباته تجاه أحبائه وفلذات كبده ورفيقة دربه ، إنه العذاب الجسدي والنفسي  ، الذي ينضاف إلى ما تعرض له  من تعذيب  وهو معصب العينين ، ومكبل الأطراف بالسلاسل ، ومجبرا على ارتداء قناع على وجهه ، حيث تم اقتلاع أظافره بالكماشة من جذورها ، وإجلاسه على القنينة ، وتجويعه ، ووضع خرق مشبعة بمحتويات المراحيض على مسالكه التنفسية ،  و كان ينام على الأرض مباشرة ، ويرهق بالسؤال عن مكان إخفائه لسلاح لا يوجد إلا في مخيلة معتقليه .

يتجلى أيضا الهم الذي حمله المناضل أومليل الحاج أحمد بن موسى  ، والتعذيب النفسي الذي كان يحس به  في المعتقل ، والحرمان الكبير الذي كان يعانيه من حيلولة السجن دون قيامه بواجب تربية أبنائه  ، من خلال رسائله القليلة التي كان يبعث بها من السجن ، حيث كان يركز وهو يخاطب أبناءه على أدق التفاصيل ، كالنظافة  عند الذهاب إلى المدرسة ، والحرص على الدرس والتحصيل ، حتى زيارتهم له كان يريدها خارج أوقات الدراسة ، وكان يحرص على معرفة نتائجهم الدراسية . أما إحساسه   بجسامة المسؤولية الملقاة على السيدة عائشة  بن سعيد زوجته،  وحبه لها ،  فكان يمرره  عن طريق أبنائه بدعوتهم للاستماع إليها وهي التي تستيقظ قبلهم لتحضير طعام فطورهم وتسهر الليل من أجل راحتهم ووووو…….

عبثا حاولت زوجة المعتقل عبر مراسلاتها العديدة ، الحصول على  تحويل السجن،  لفترة معينة،  إلى  إقامة جبرية في منزله قصد معالجته  عندما تدهورت حالته الصحية  بالسجن المدني بتازة ، لأنه كان يعاني من المرض المهني ( السيليكوز ) الذي تفاقم بسبب التعذيب ، ورطوبة سجن القنيطرة الذي قضى به عامين ، والنوم على الإسفلت مباشرة ، وما له من عواقب وخيمة على مرضى السيليكوز الذين يتأثرون بالبرودة والرطوبة     …………وقد تم سابقا  تأخير جلسة  المحكمة  ليوم  20/10/1975 بسبب تفاقم  مرضه،  ونقل إلى مستشفى الغساني بفاس.

تنقل المناضل أو مليل  بين عدة سجون وهي : السجن المدني بفاس سنة     1974و قضى به سنتين  ،  والسجن المدني بالرباط ،  والسجن المركزي بالقنيطرة سنة   1977 الذي قضى به سنتين رغم محاولات زوجته المتكررة لنقله منه ، نظرا للرطوبة التي أثرت على صحته   ، والسجن المدني بتازة  سنة  1979 .
كان أمله  أن تنطق المحكمة  ببراءته  كبيرا ، خاصة عندما أطلق صراح  عاملين آخرين  من جيرانه في سكنه بجرادة ، كان لهما نفس التهمة ونفس الانتماء  ، إلا أنه حكم عليه بعشر سنوات  سجنا  نافدة . وتوفي قبل أن تنقضي المدة المحكوم بها وذلك يوم 22/01/1980.

أومليل الحاج أحمد بن موسى ، أراد له  الاستبداد أن يكون مجرد  أرقام أسندت له  وتغيرت   وهم يطوفون يه من سجن لآخر، وأراد لحياته  أن تكون قوسين  أغلقا ، بينهما تاريخ ميلاده سنة 1924    بسوس الأقصى ، وتاريخ مجيء  الناعي ببرقية موقعة من طرف مدير السجن المدني بتازة يوم 22/01/1980 تحمل خبر وفاته  بمستشفى ابن رشد بتازة  ، لكنه استعصى ويستعصي على النسيان ، لأنه  كان  يحمل قضية وفكرا  ، ولأنه  ضمن ضحايا  حملات الاختطاف والاختفاء   القسري،  والاعتقال التعسفي  ، والتعذيب  ،    ولأنه ضمن ذاكرة عمال جرادة  الحية ، وضمن أولائك الذين ضحو ا  بالنفس والنفيس لتنعم الأجيال الصاعدة   بما انتزع من مكتسبات جزئية .
(يتبع)
بونيف محمد .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. علال سالمي
    20/05/2014 at 09:18

    تحية كريمة للاخ محمد بونيف و شكرا على هذه الالتفاتة اتجاه احد الاسماء التي طبعت نضال ابناء جراء في يوم ما..ما نحتاج له اليوم خاصة من لدن ابناء البلدة الذين عاشوا المرحلة او عاينوها او من هم الان بهيئات حقوقية و حتى سياسية و نقابية هو اعادة كتابة تاريخ جرادة; والمنطقة… بكل ماتحمله الكلمة من معنى ..تاريخها النضالي ..تاريخها السياسي..تاريخها الثقافي..الخ..
    مرة اخرى شكرا جزيلا لك

  2. mouhib
    20/05/2014 at 22:01

    Bravo monsieur pour ce rappel historique, pour que tout le monde sache que des hommes ,de vrais hommes sont passés par JERADA.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *