Home»Correspondants»جرادة : التنمية المفترى عليها

جرادة : التنمية المفترى عليها

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بونيف محمد
رغم أن التنمية هي مسلسل دائم ومستمر ، وتراكمي ، وشمولي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وله علاقة بالتوازن والتكافؤ بين الأقاليم والجهات من خلال توزيع ملائم وعادل للمشاريع التنموية، والموارد البشرية والمالية ، من أجل توفير شروط وظروف التنمية ، وله علاقة بالوضع العام في البلاد ونوع السياسة المتبعة ، ودرجة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولا يمكن التطرق إلى التنمية إلا من خلال هذه المستويات ، إلا أن كثرة الجمعيات التنموية بجرادة وانتشار الحديث عن التنمية محليا، جعلني أبدي رأيي المتواضع والأولي انطلاقا من واقع المدينة كما أراه ، علني أستفز الفضول أو أستنبت نقاشا مفيدا .
1 ـ تعرض المدية إلى إشاعة قديمة ومغرضة

مررت بشأن مدينة جرادة وعلى امتداد تاريخ النشاط المنجمي  بها ، أفكار هدامة ، وإشاعات ، مفادها أنها ستختفي من خارطة المغرب مباشرة بعد نضوب الفحم ، أو ستصبح مجرد حي صغير ، مما جعل ساكنتها لا تنعم بالاستقرار على مدى هذا التاريخ الهام ، ورغم ذلك ظلت المدينة قائمة ، وشامخة ومعاندة ، ومعطاءة ، تغذي شرايين الاقتصاد الوطني بالطاقة . وكانت تذر أرباحا طائلة استغلت للنهوض بمناطق أخرى ، ولم تستثمر مع كامل الأسف في خلق بوادر تنمية محلية بها ، هذا فضلا عن أن جرادة امتصت البطالة من مناطق عديدة في المغرب . وساهمت ساكنتها في حفظ أمن رقعة شاسعة امتدت إلى عدة جهات، لوجود المدينة في منطقة حدودية وغابوية مسالكها وعرة .
ظلت جرادة رغم سواد فحمها وواقعها ، كالشمعة تحترق لتضيء محيطها ، ولكنها اعتبرت بالنسبة للبعض كبقرة حلوب تذبح بعد نضوب حليبها .
ـ جرادة مابعد الإغلاق.

أما بعد إغلاق مفاحم جرادة ، يتضح انطلاقا من التهميش الذي تعيشه المدينة ، ومن تشخيص واقعها ، أن التوازن الذي تفرضه شروط التنمية المستدامة بين النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة ، وبين الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من جهة ثانية ، على الأقل ، غير متوفر، أولا لضعف موارد المدينة الاقتصادية والاجتماعية والعبث بالمتاح منها واستنزافه ونهبه ، وثانيا بسبب الأزمة الكبيرة التي تعرفها البيئة ، هذه الأخيرة التي يؤدي عدم احترامها والحفاظ علي سلامتها إلى المساس بحاضر ومستقبل المدينة ونواحيها ، وبقدرة الأجيال القادمة على تحقيق رغباتها وسد حاجياتها ، خاصة أن الغابة والأرض ، هي رأسمال المدينة ونواحيها .

فالكارثة البيئية التي عرفتها المدينة مند سنوات ، ما زالت مستمرة لحد الآن ويتم السكوت عنها ، وتتمثل في جرائم قطع الأشجار على نطاق واسع ، إما من أجل استعمالها في آبار الفحم أو لبيعها لأرباب المخابز والحمامات سرا وعلانية ، ورمي النفايات المنزلية من طرف البلدية في المحيط القريب من المدينة ، وكذا التلوث الناتج عن المحطة الحرارية الذي حول المدينة إلى حاضنة ووكر للأمراض التنفسية ، والحساسية ………، وسرع وثيرة زحف الرمال والتصحر، خاصة وأن الجهة الشرقية تعتمد على الرعي وتربية المواشي . كل هذا مقابل بعض فرص الشغل الهزيلة واستخراج بقايا الفحم بشكل عشوائي ، مما أدى إلى انتشار الأنفاق ونفايات الفحم الملوثة في محيط المدينة القريب والبعيد ، واستفحال المرض المهني السيليكوز .
تدفع الأجيال الحالية كما ستدفع اللاحقة ثمن هذا التوجه الكارثي الذي يجهز على حقها في السلامة البدنية وفي بيئة سليمة ، ويجهض كل بوادر خلق تنمية محلية حقيقية .
يحدث كل هذا رغم أن المغرب يؤكد دائما التزامه بعدم استعمال الفحم والملوثات المصنفة بالخطيرة والعدوة للبيئة ، والمؤثرة على الإنسان وسائر الكائنات الحية .
3 ـ أي دور للمجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة بالمدينة .

اختارت الدول المتقدمة والنامية على السواء، في النصف الثاني من القرن العشرين الأخذ بنظام الحكم المحلي، وتوزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية في الدولة وبين الهيآت الإدارية المنتخبة محليا . والمغرب مند إعلانه رسميا اعتماده الجهوية كمدخل للتنمية الاقتصادية في مخطط 1973 ، أقر التنمية المحلية كاختيار مبدئي .
وإذا كان دور المجتمع المدني دوليا في تحقيق التنمية أصبح بديهيا خاصة في الدول الديمقراطية ، فإنه أصبح مطلبا استعجاليا بالنسبة للدول العربية ومنها بلادنا ، خاصة وأن التطوع والعمل الجماعي كانا ولازالا راسخين في تقاليدنا خاصة في البوادي ، وأصبح إشراك المجتمع المدني من متطلبات الديمقراطية محليا وإقليميا ووطنيا .
انطلاقا مما سبق لا يمكن الحديث عن التنمية بالمدينة دون الحديث عن دور الجماعة الترابية خاصة العمالة والمجلس البلدي ، ودون الحديث عن المجتمع المدني .
فعمالة جرادة ، و سائر السلطات محليا ، تعاملت مند مدة طويلة مع المجتمع المدني بتغليب الهاجس الأمني ، ولم تنظر إليه كشريك ضروري إلا في حدود دنيا ، فإذا تتبعنا تصرفات السلطات عموما والعمالة مند مدة ،وكيف تم تدبير المرحلة في علاقتها به ، نجد أن التنافر والاصطدامات كانت هي السمة الغالبة ، و أورد هنا بعض الأحداث كدليل على ما قلته ،مثل اعتقال بعض أعضاء الجمعية الوطنية بعد تعرضهم للضرب يوم 28/05/2008 على إثر وقفة احتجاجية وإدانتهم بعقوبات سجنيه تراوحت بين خمس وسبع سنوات .
الاعتقالات التي همت العديد من الفئات وشملت حتى القطاع التلاميذي .والتي تمت على إثر احتجاجات عمال أنفاق الفحم نتيجة ممارسة أحد المقاولين الذي التزم أمام السلطات بشراء الفحم بتمن مغر إلا أنه تملص من وعوده بعد أن أنتج العمال ما قيمته حوالي 60 مليون سنتيما من الفحم ،وذلك يوم الجمعة 25/12/2009 .
الاعتداءات التي أصيب فيها العديد من المواطنين ، والمتابعات التي تمت بعد دفن عاملين من عمال آبار الفحم وهما جمال وزار وعبد النور لكعيوي، إثر تعرضهما لحادث منجمي وذلك يوم 11/10/2013 .
الاعتداء الأخير يوم 2/10/2014 على مرضى السيليكوز بالضرب والتهديد، مما أدى إلى إصابات متفاوتة الخطورة نقل بعضهم على إثرها في حالة صحية حرجة إلى المستشفى الإقليمي

.
ويتجلى أيضا تهميش المجتمع المدني والإجهاز على دوره وإسهامه في تنمية جرادة ونواحيها ، في اختراق العديد من الجمعيات التنموية وحتى بعض الجمعيات الأخرى ، فضيق أفق مكاتبها جعلها ترى في العمالة مصدر ومنبع الدورة الاقتصادية بالمدينة، وقطب التنمية الوحيد ، وسهل إسكاتها ولو بوعود معسولة وزائفة ، خاصة في ظل ما عاشه ويعيشه المجلس البلدي من مشاكل أصبحت بنيوية ومعروفة لدى العام والخاص قلصت برأيي من دوره الهام إلى جانب طاقات المدينة ، وأصبح العمل الجمعوي عند الكثيرين أداة للمساومة ، وحصل القليل منهم على مكتسبات محدودة لا تتناسب مع حجم التنازلات التي قدموها ، وتخلت بهذا مجموعة من الجمعيات عن دورها الذي لا يمكن أن تقوم به إلا في إطار استقلاليتها عن السلطة ، وهو الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للساكنة وتأهيل العنصر البشري بالمدينة ، وغرس قيم حقوق الإنسان و التعاون والتشارك ، والإسهام كقوة اقتراحية في النهوض بمستوى المدينة الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . وغاب نتيجة هذه المساومات عدد من الأشخاص عن الساحة النضالية وخرجوا في النهاية بخفي حنين .
4 ـ تخلي المجلس البلدي عن دوره .

مند مدة طويلة والمجلس البلدي بجرادة يتخبط في مشاكل عديدة ، من أبرز الأحداث التي جعلت عيوبه تطفوا على السطح وتصل إلى المحاكم والجرائد الوطنية الورقية والإليكترونية ، خروج بعض المستشارين وعددهم ستة بأربعة بلاغات ، الأول بتاريخ 2/11/2007 والثاني بتاريخ 20/11/2007 والرابع 2/02/2008 ، فضحوا من خلالها الخروقات التي ارتكبت من طرف رئيس البلدية وبعض المستشارين ،من بينها السطو على بعض ممتلكات البلدية ، ، وارتكاب مجموعة من الخروقات خلال دورة المجلس العادية ليوم 2 نونبر 2007 لدراسة مشروع ميزانية 2008 ،وتفويت القطع العارية بحي الزيتون لفائدة بعض مستشاري الأغلبية المسيرة للمجلس البلدي وعائلاتهم ، الترامي على أراضي الملك العمومي خاصة تلك الموجودة بجوار المجزرة من طرف رئيس البلدية وأحد المستشارين ، نهب إرث شركة مفاحم جرادة ،و تبذير المال العام ، وضع عراقيل أمام الاستثمارات بالمدينة …وطالت هذه المشاكل حتى حقوق موظفي البلدية الذين دخلوا بدورهم في إضرابات طويلة الأمد واحتجاجات واعتصامات داخل بنايات البلدية ، وأرسلت مجموعة من الرسائل إلى المسؤولين وطنيا وجهويا كوزير العدل ووزير المالية للمطالبة بفتح تحقيق في خروقات رئيس البلدية ومن معه ، وتعيش بلدية جرادة إهمالا كبيرا واللا مبالاة والاستهتار بمصالح المواطنين ، وآخرها انعدام الرسوم المحلية (التمبر ) لعدة أيام وآخرها يوم الاثنين 27/10/2014 مما زاد من تدمر المواطنين والموظفين بالبلدية على السواء ، وخلق جوا مشحونا وبلبلة لاحدود لها ، ومن سخرية القدر أن بعض المواطنين يرون أن تحويل بناية المجلس البلدي إلى سوق للمدينة، أو مقهى كبيرة أجدى من الصورة التي هي عليه الآن .
هذا بالإضافة إلى البطالة والفقر، والوضع الصحي المتأزم ، وتزايد أعداد الفئات المتواضعي المستوى التعليمي ، والأرامل والمهمشين، وظهور بوادرنضوب بقايا الفحم التي تشغل حوالي ألفي عامل بالرغم من الاستغلال المفرط وما سيخلفه من أزمات .
رغم كل ما سبق ، إصلاح هذا الوضع ليس صعبا إذا توفرت الإرادة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.