Home»National»أزمة الإرادة

أزمة الإرادة

0
Shares
PinterestGoogle+

يظهر لي والله أعلم أن ما يميز الإنسان عن غيره من الحيوانات ليس العقل كما هو شائع ، فمن البشر من هو كالأنعام بل هو أضل ، لم يمنع عقله اندحاره إلى مهاوي هذه الدركات ، بل الفاصل المحدد لزيال الإنسان الحيوانَ ، هو مبادؤه المنفذة وأسطر على هذا الوصف، إذ أن المبادئ العامة فكرا وادعاء شعور ملك للجميع ، ويسهل على الكل ادعاؤها، حتى إنه ليخيل إليك وأنت تسمع حديث المثقفين وغيرهم فيما يسميه البعض ـ الشفوي ـ أن المجتمع فاضل بامتياز لولا أن تواجهك حقائق الواقع المصنوع بأيدي من تجف لهدرته الحلاقم …

صحيح أن الذين اعتبروا العقل مميزا للإنسان على سائر الحيوانات قد يقولون أن هذه المبادئ هي نتاج الاستعمال السليم للعقل ، فهي إذا عائدة بالضرورة على العقل، غير أني أعتقد أننا في زمن أحوج ما نكون إلى التخصيص واختصار طريق المتتاليات والنتائج المنطقية ، لأن التعميم أولا يفتح الباب واسعا للتأويل ، ثم لأن المستقبل لم يعد بذلك الفهم السليم، تتزاحم بعقله الأفكار والمصطلحات حتى تختلط عليه الأمور ، ثم إن التخصيص أدعى لخلق وقع قوي في النفس وباعث حقيقي على اتباع المشار به حلا …

العقل في القرآن وظيفة قلبية، ، يقول الله تعالى  ـ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ـ نلاحظ كيف يجتمع القلب بالعقل ، فالعقل وظيفة قلبية ، يصدر أمره عما استقر به من موالاة ومعاداة وهوى وغيرها من المشاعر ،  والقلب عاقل واع لا يتخبط في المشاعر الهوجاء، لكن الأهم في كل ذلك هو هذه الإشارة الضمنية إلى العملية ، إلى التنفيذ، إلى المبادرة المطلوبة ـ فتكون لهم … يعقلون .. ـ وهنا نجد أن العبرة من العقل هي التنفيذ، هي المبادرة ، هي الإرادة للاستجابة وهذا لعمري من أهم المفاتيح التي نعاني منها كثيرا على جميع الأصعدة وهي مما حذر منه الشرع وتجارب الأمم كثيرا ، فوصف التخلف عن التنفيذ بصور قدمت لنا بشعة لئلا نقربها ، كالكذب ، والنفاق والرياء وغيرها من أمراض ـ عدم التنفيذ ـ يقولون ما لا يفعلون ـ والتفاوت بينها ناتج عن درجات عدم التنفيذ مع إدخال عامل النية بالحسبان…

أقول أن هذا المفتاح ضروري على كل الأصعدة ، لأن أزمة العلماء اليوم مثلا هي هذه الهوة بين ما يعلمون من شرع الله ومقاصده وروحه ، وبين مواقفهم العملية المتخاذلة عن وظيفة التبليغ والتقويم والنصح والثورة إن اقتضى الحال ، وإن من أركان الاجتهاد المطلوب اليوم في شرعنا بعد النقل والعقل فهما سليما للمقاصد والواقع ، الإرادة للتنفيذ والإرادة للتبليغ ، والإرادة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولنا من تاريخ علمائنا الأجلاء دليل .. وأزمة السياسيين حكاما وفاعلين في المجال أعظم ، إذ أن فلسفة السياسة أصلا مؤسسة على الكذب والمراوغة والبهتان وغيرها ، ولا يرجى في المجال تغيير حقيقي إن لم يتأسس بوعي وشعور وعمل سياسيينا ، العملية والإرادة للتنفيذ والوضوح والصراحة والمسؤولية ، يدفعهم لذلك شعور ذاتي بأهمية ذلك وتجبرهم عليها اليقظة الشعبية والمشاركة المسؤولة لعامة الشعب ، في جو من الوضوح العام والمسؤولية الشاملة والصراحة التامة …

أختم هذه الخاطرة بما قرأته عند أحد العلماء يوما ، قال: الوصف في كلمات خطاب ، أو على صفحات كتاب ، لا يعدو أن يكون كلاما  من الكلام ـ انتهى . ما أكثر الكلام نسأل الله تعالى أن يجعل لنا من أنفسنا باعثا حقيقيا على الاستجابة وهمة للتنفيذ…

  آمين

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *