حوار في مقبرة

مررتُ اليوم بإحدى المقابر.أمعنتُ النظر في تلك القبور المترامية،بحثت عن الأغنياء وعن الفقراء،عن من سكنوا القصور و عن من سكنوا الأكواخ، فلم استطع التفريق بينهم. سألت نفسي: أحقّا هؤلاء المقبورون عاشوا بيننا؟ احقّاً اكلوا الطّعام و مشووا فوق الأرض؟ هل كانوا فقراء أم كانوا أغنياء؟ ومالي لا أفرّق بينهم! و بينما أنا أتساءل و أفكّر و أتدبّر، و إذا بصوت يصل إلى مسامعي! صوت ينبعث من وسط أهل القبور، صوت شيخٍ كبير يخاطبني، فقال: يا بنيّ لا تتعجّب من حالنا، فاليوم أنت هناك وغداً ستكون هنا بيننا. يا بنيّ لقد كنت في يوم من الأيّام مثلك، شاب يافع مقبل على الحياة، لي أحلام و أهداف. حققت بعضها و أخفقت في تحقيق البعض الآخر.مرّة الأيّام و السّنين، فأصبحت كهلا ثمّ صرت إلى ما صرت إليه الآن. و حين سكنت بين القبور أدركت أنّ الحياة أتفه من أن تُعاش وأقلّ قيمة من أن ندرف عليها الدّموع. يا بنيّ لو يعلم أهل الأرض ما فعل بنا باطن الأرض، لتركوا ما بأيديهم و جعلوا حياتهم كلّها سجدة واحدة لمن خلق الأرض. يا بنيّ ستتزيّن الدنيا لك كما تتزيّن العروس لعريسها، فإيّاك أن تُغر و إيّاك أن تعشقها، فهي جميلة تفتن العقول و القلوب الضعيفة، و ما أكثر الضّعفاء! فلا تكن منهم و انج بنفسك قبل فوات الأوان. أين هي يا بنيّ الأقوام الغابرة؟ أين ساداتهم؟ أين ملوكهم؟ لقد مزّقهم التّراب و أكلت الدّيدان أحشائهم. طوفان الموت قادم يا بنيّ وسيأتي على الأخضر واليابس، فجِد لك قاربا متيناً علّه يُنجيك.عمّ السّكون فجأة، ثم سمعت أمّي تنادي: كمال استيقظ فقد حان وقت الذهاب إلى العمل. أدركت حينها أنّ الموت و الحياة وجهان لعملة واحدة، لكن كلّ منّا ينظر إلى الوجه الذي يريد.
2 Comments
ma3ndi mangol fhad chi rabi ykhalas
C’est génial mr kamal