Home»Correspondants»الترويج للتخويف من الدولة الدينية حيلة مكشوفة من أجل إقصاء الإسلام من حياة البشرية

الترويج للتخويف من الدولة الدينية حيلة مكشوفة من أجل إقصاء الإسلام من حياة البشرية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

الترويج للتخويف من الدولة الدينية حيلة مكشوفة من أجل إقصاء الإسلام من حياة البشرية

 

محمد شركي

 

لفظة دولة في اللغة العربية من فعل دال يدول الزمان إذا دار وانقلب من حال إلى حال. والدولة كل ما يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك . ويقال للدهر دول أي تقلبات . وتطلق الدولة أيضا على المال  والسلطة والغلبة عندما يتم تداولها. ولما كانت الحياة  البشرية تقوم على أساس تداول المال والغلبة، فقد أصبحت لفظة دولة تطلق  على كل كيان بشري له خصائصه التي تميزه تاريخا وجغرافية وثقافة ، ويتداول المال والسلطة. وقد تطلق لفظة دولة إجمالا على بلاد من البلدان ، كما أنها تطلق على الهيئة الحاكمة للبلاد أو صاحبة السلطة  أو الغلبة والمال . ولقد مر مفهوم الدولة بمراحل مختلفة باختلاف العصور حتى انتهى إلى ما هو عليه اليوم ، وقد يتطور هذا المفهوم بتطور البشرية مستقبلا . والدولة قد تنسب تاريخيا أو جغرافيا أو إيديولوجيا إلخ … ومما  تنسب إليه الدولة قولهم : دولة مدنية ،ودولة دينية . والذي يتبادر إلى الأذهان عند سماع هذه النسب  أن الأمر يتعلق  بنوعين من الدولة على طرفي نقيض ، وهو مجرد توهم ذلك أن ذكر الدولة الدينية مقابل الدولة المدنية مغالطة واضحة. فنسبة مدنية تعود في اللغة العربية إلى فعل مدن يمدن مدونا ، وهو فعل ممات عند أهل اللغة  بالمكان إذا أقام ، ومدن المدينة إذا أتاها ، ومدن ـ بتضعيف الدال ـ المدائن إذا بناها ومصرها . والمدينة هي المصر الجامع ، وإذا كبرت سميت مدائن. فنسبة الدولة إلى المدينة يراد به الإشارة إلى التمدن  ، وهو التخلق بأخلاق أو بقيم أهل المدن . والناس عندما يجمعهم مصر جامع تحكمهم علاقات قوامها تبادل المصالح . وإذا كان من معاني الدولة كما مر بنا تداول المال والغلبة ، فإن الدولة المدنية معناها تدول مصر جامع  المال والغلبة أو الاقتصاد والسياسة بلغة العصر، والتصرف فيهما وفق قيم معينة تكون موضوع إجماع أهل هذا المصر الجامع. أما نسبة دينية فيراد بها التدين  من فعل دان يدين دينا إذا كانت له عادة أو ملة يلتزم بها ، ومن ثم يطلق لفظ دين على الطاعة. والدولة الدينية عند من يستعملون هذه النسبة يراد بها المصر الجامع الذي يدين بملة من الملل  ويظهر الخضوع والطاعة لها . وإذا تداول أهل المصر الجامع المتدينون المال والغلبة سمي تداولهم هذا دولة دينية . وعند المقارنة بين الدولة الدينية والدولة المدنية نجد أنفسنا أمام قاسم مشترك بينهما وهو تداول  الأمصار الجامعة المال والغلبة أو السلطة والسياسة والاقتصاد . والخلاف بين الدولتين يعود إلى الخلفيات العقدية التي تحكم كل منهما ، ذلك أن تداول المال والسلطة بينهما  يختلف باعتبار هذه الخلفيات العقدية . ويذهب كثير من الناس إلى أن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام قد أسس دولة دينية ، والحقيقة أنه  غير قيم دولة من قيم الجاهلية إلى قيم الإسلام . ولقد كان المصر الجامع للعرب   قبل بعثته عليه السلام  يتداول المال  والغلبة ، ولكن بقيم جاهلية  حيث كان تداول المال بأنواع من الربا  وهو  ظلم وغبن  يفرضه الأغنياء على الفقراء ، كما كان تداول الغلبة بأنواع من الجور حيث يخضع الضعيف للقوي. وعن هذه الغلبة تولدت المعاملات الاجتماعية الفاسدة منها فساد الأنكحة  على سبيل المثال لا الحصر. وجاء تداول النبي صلى الله عليه وسلم  للمال  والغلبة بشكل مخالف للتداول الجاهلي لهما باعتماد التوجيهات الإلهية  خلاف  التصرفات البشرية التي قوامها الأهواء

. والبشرية في العصر الحاضر ونظرا للتطور المادي والتكنولوجي النوعي الذي عرفته وهو غير مسبوق صار الإنسان يرى في نفسه إلها بسبب سيطرته على المادة بفضل التطور العلمي ، لهذا أخذ تداول المال والغلبة مفهوما يناسب المكانة التي أعطاها الإنسان لنفسه  في الكون ، وهو ما جعله يشعر بأنه في غنى عن  توجيهات الخالق جل جلاله . ومن هنا  أصبحت الدولة المدنية في عصرنا تعني  الدولة التي  يتداول فيها المال والغلبة أو الاقتصاد والسياسة دون الحاجة إلى التوجيهات الإلهية ، في حين أن الدولة الدينية تعني تداول الاقتصاد والسياسة على ضوء التوجيهات الإلهية . وعوض أن ينبه الناس إلى اختلاف الدولتين من حيث طرق تعاملهما مع الاقتصاد والسياسة ، يحاول  أنصار الدولة المدنية إيهامهم بأن الدولة الدينية  تختلف  قلبا وقالبا عن الدولة المدنية ، وأنها دولة طقوسية ، وهذه مغالطة مكشوفة ، وواضحة الغاية . فإنسان  الدولة المدنية لا يختلف عن إنسان الدولة الدينية إلا في خلفيته العقدية ،ذلك أن الأول ينزل نفسه منزلة الإله الذي يحق له أن يشرع وفق هواه ، بينما الثاني ينزل نفسه منزلة خليفة الإله المستخلف في الأرض والذي يخضع لشرعه ، وهو يتصرف في مال تعود ملكيته لله تعالى وفي غلبة لا يغالبه فيها أحد . وبهذا الطرح يزول الإشكال بين ما يسمى الدولة المدنية والدولة الدينية . والفلسفة الماركسية تؤكد أن سبب وجود الدولة أصلا هو الصراع على تداول المال بين البشر، وأنها تزول بزوال هذا الصراع ، كما أنها لم تكن موجودة قبل هذا الصراع  يوم كان المال متداولا التداول المشاع بين الناس . وقد يحدث نوع من التعايش بين الدولة المدنية والدولة الدينية أو هو بتعبير دقيق نوع من المداراة بينهما، فتقبل كل منهما بعض ما في الأخرى تجنبا للصدام كما هو الحال في عصرنا حيث تحاول بعض الدول التوفيق بين  الدين في شقه الطقوسي ، وبين تداول المال والغلبة أو الاقتصاد والسياسة  بشكل مدني . وهذا التلفيق  تقبله الدول المدنية  من الدول المتدينة طقوسيا ، ولكنها لا تقبل منها تداول المال والغلبة  على ضوء الشرع أو التوجيهات الإلهية ، ومن ثم فهي تحاربها حربا لا هوادة فيها ، وتروج للدعاية ضدها لتخويف الناس منها الشيء الذي يتحول إلى ما يسمى الإسلام فوبيا . وسر رفض الدولة المدنية للدولة الدينية هو اختلاف أساليبهما في تداول المال والغلبة . فلا يعقل  أن يكون تداول المال في الدولة المدنية قائما على أساس المعاملات الربوية ، وتسمح هذه الدولة بوجود دولة  تتداول المال بمعاملات غير ربوية. وما يقال عن تداول المال يقال عن تداول الغلبة  سواء كانت سياسية أم اجتماعية أو ثقافية . فلا تقبل الدولة المدنية  نوع العلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة الدينية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر العلاقة بين الجنسين في الدولة المدنية تقوم على أساس حرية مجردة من قيم أخلاقية  دينية و لها قيمها الأخلاقية المدنية الخاصة بها  ، لهذا لا تمنع هذه العلاقة إذا لم تكن مضبوطة بضوابط الشرع  في الدولة المدنية كما هو الشأن في الدولة الدينية

. فالزنا الممنوع في مفهوم الدولة الدينية عبارة عن علاقة سوية في مفهوم الدولة المدنية . وعلى غرار هذا المثال يقع الخلاف بين التصورات البشرية في الدولة الدينية وفي الدولة المدنية ، وهو ما يخلق الصراع بينهما . وتتهم الدولة المدنية الدولة الدينية بأنها  استئصالية  وإقصائية ، والحقيقة أن هذا الحكم فيه تجن على الدولة الدينية بناء على تجارب بعض رعايا الدولة الدينية الذين قد لا يجيدون تنزيل  الشرع التنزيل الصحيح  كما هو حال حركة طالبان  التي رأت فيها الدول المدنية الغربية  خطرا عليها  من خلال  تنزيل متشدد ومبالغ فيه للشريعة . فمجرد تحطيم تمثال بوذا أعطى انطباعا لأنصار الدولة المدنية الغربية بأن نموذج الدولة الدينية على النمط الطالباني يهدد الحضارة البشرية لما توحي به تصرفاته من أفكار استئصالية وإقصائية . ومن الخطأ أن يعمم النموذج الطالباني  على كل نماذج الدول الدينية  كما تروج لذلك الدول المدنية الغربية التي تخشى من إقبال البشرية على نموذج الدولة الدينية الصحيح وغير المتطرف أو المتشدد  . فعلى سبيل المثال لا الحصر  تضطر الدول المدنية الغربية إلى الإقرار  بوجهة نظر الدول الدينية في بعض الآفات الاجتماعية كتعاطي المسكرات والمخدرات  والمفترات . وما تخشاه الدول المدنية الغربية هو أن  تستأنس البشرية  بنوع تداول المال والغلبة  في الدولة الدينية ، فيكون ذلك إيذانا بزوالها ، لهذا نجدها تجتهد في منع ظهور نموذج الدولة الدينية  الصحيحة ، مقابل تشجيع نماذج ضالة  لا تشكل خطرا عليها ، أو نماذج تعيش انفصاما بين ما هو طقوسي  وبين تداول المال والغلبة  تداول الدول المدنية الغربية وفق شرائع الأهواء المؤلهة للإنسان ، والمقصية للإله جل في علاه .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.