مداخلة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي في ندوة القرآن والمجتمع

مداخلة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي في ندوة القرآن والمجتمع
محمد شركي
كنت قد عقدت العزم على حضور مداخلة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي في ندوة القرآن والمجتمع الذي أقيمت في مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة إلا أن الله عز وجل لم ييسر حضوري لمانع حال دون وصولي إلى المركزفي الموعد ولله ما شاء ، فالتمست المداخلة عند الأخوين الفاضلين الأستاذ بنعيسى قماد ، والأستاذ عبد المجيد بن مسعود ، فزودني الأول بتغطية شفهية، بينما زودني الثاني بتغطية شفوية ، وبعناصر مكتوبة في شكل خطاطة ، وضعتها نصب عيني ، وتمثلت أستاذي الفاضل الذي تشربت طريقة عرضه ومحاضرته ، وأنا الذي تتلمذت على يديه مدة أربع سنوات بجامعة فاس .
بدأ الأستاذ الفاضل بالثناء على مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية كما أخبرت بذلك ، معتبرا إياه مشروعا رائدا لخدمة العلم والمعرفة . ولما قدمه مقدمه للجمهور منتظرا منه الجديد ،عبر فضيلته عن تواضعه المعهود ، ولم ير في ما جاء به جديدا إلا أن يستجاب لمن يدعو له بالتوفيق ، فدعا الحاضرون له بالتوفيق والسداد ، وهو الذي دأب على سؤال ربه دائما بين يدي كل كلمة يلقيها أن ينطقه بالحكمة فضلا منه ونعمة ، فأنطقه الله تعالى بما يلي حسب الراويين ، وما شهدت إلا بما أخبرت وما أنا إلا ناقل خبر عمن رواه ،وما توفقي إلا بالله عز وجل.
بدأ العلامة حديثه عن حاجة الأمة في هذا الظرف إلى جيل سماه الجيل الراسخ في العلم والناسخ له . والعلم عند فضيلته هو ما جاء من عند الله عز وجل ، وهو العلم الهادي إلى سواء السبيل ، واستشهد بقوله تعالى : (( قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)) وبقوله تعالى : (( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين )). وقال فضيلته لا بد من هذه النعوت التي تبصر بالبصائر الربانية لمواجهة المصائب التي رانت على قلوب الأمة ، وغشت أبصارها ،فلم تر المستقبل كما ينبغي أن تراه . ولاحظ فضيلته أن الأمة تعاني من حاجة ماسة إلى العلم بكتاب الله عز وجل ، وهي حاجة تتطلب الجهد وليس الراحة، ولهذا لا بد من مشاريع علمية جادة ورائدة لمعرفة كتاب الله عز وجل.
وبعد هذا التمهيد عرض فضيلته تصميم مداخلته على الشكل الآتي :
1 ـ مقدمة تدور حول حاجة الأمة إلى معجم مفهومي للقرآن الكريم
2 ـ مفهوم السلام في التداول العولمي
3 ـ مفهوم السلام في القرآن الكريم
4 ـ شروط تحقيق السلام الاجتماعي
5 ـ خاتمة تدور حول هدى الله عز وجل.
أما ما تحتاجه الأمة من معجم مفهومي للقرآن الكريم فقد دفع فضيلته للتنويه بمعاجم علماء المسلمين من أمثال الراغب الأصفهاني ، ومحمد الفراهي الهندي ، وحسن المصطفوي … وغيرهم ، ويرى فضيلته أن الأمة في حاجة ماسة لدراسة مصطلحات القرآن الكريم ،لأن ذلك هو الخطوة الأولى نحو طريق التجديد الصحيح ما دام وجود الأمة متوقف على القرآن الكريم بالضرورة .
وأما مفهوم السلام في التداول العولمي ، فقد حذا بفضيلته للتذكير بهدف العولمة التي تقصي التنوع الثقافي ، ويصير عالميا ما تريده هي فقط . والعناصر المكونة للمواطنة في التصور العولمي ليست واحدة ، وإنما هي موحدة أي مركبة من عناصر متعددة غير منسجمة ولا متناغمة ، يختلط فيها الديني بالطيني على حد تعبير فضيلته . وهذا التصور العولمي يحقق ذاته على حساب غيره .
وأما مفهوم السلام في القرآن الكريم فيعتمد فضيلته في تعريفه ما نصح به من قبل وهو استشارة علماء مصطلح القرآن من أمثال الذين سبقت الإشارة إليهم . فالسلام والسلم عند الراغب الأصفهاني هو التعري من الآفات .والدخول في السلام وهو الإسلام يعني أن يسلم كل واحد . والسلام عند المصطفوي يقابل الخصومة في النفس ومع الغير. ويخلص فضيلته إلى أن مدار ما يقصده هؤلاء بالسلام والسلم ، له مظهران : الواحد باطن والآخر ظاهر أي هو سلام داخلي نفسي أو مع النفس ، وسلام خارجي مع الغير، وهو عبارة عن اعتدال حاصل بين أجزاء . والسلام في نظر فضيلته صفة يسعد بها من حفظ من مسببات الآفات ، وهو نتيجة اتزانه واعتداله . والأجزاء تكون في تمام الاتزان والاعتدال عندما تعطى حقها الكامل منهما ، فلا تجور ولا يجار عليها . وتحدث فضيلته عن السلام النفسي أو الداخلي والذي مصدره الإيمان بالله عز وجل ، ويستشهد عليه فضيلته بقوله تعالى : (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) فطمأنينة القلوب هي نتيجة السلام النفسي . ويذكر فضيلته أن الخالق سبحانه أعلم بما يحقق السلام النفسي للخلق ، وهو الذي هدى النفوس إلى التصور الصحيح من خلال ما سهله لها من علم بعالم الشهادة وعالم الغيب . واستشهد فضيلته على خلاف طمأنينة النفس وسلامها النفسي بقوله تعالى : (( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق )) . وذهب فضيلته إلى أن التنظيم الذي وضعه الله تعالى لخلقه هو الذي يجعل هذا الخلق مؤهلا للعيش في سلام ، واستشهد فضيلته بقوله تعالى : (( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) فالسعادة مع الهدى ، والشقاوة مع الإعراض عن ذكر الله تعالى. والضلال يسبب للإنسان الحيرة والقلق ، حيث تتيه بوصلته على حد وصف فضيلته . وعليه فالسلام صفة تمنح لمن اتبع هدى الله عز وجل ، واستشهد فضيلته على ذلك أيضا بقوله تعالى : (( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة )) وقوله جل وعلا : (( ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )). و يتساءل فضيلته كيف يمكن الوصول إلى هذا الفهم ؟ فيسوق الجواب عنه من قول الله تعالى : (( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )). فالنور يعطي قدرا من السلام ، ولا هداية لمن لم يتبعه ، فهو طريق المقاصد الكبرى من حفظ للدين والنفس والمال والنسل والعرض ، وهي مقاصد شبيهة على حد قول فضيلته بالمساطر القانونية التي إذا ما انضبط لها الناس منحهم الله عز وجل حالة السلام الاجتماعي ، واستشهد فضيلته بقوله تعالى : (( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما )) ورأى أن الإعراض عن اللغو يفضي إلى السلام .
وعن شروط تحقق السلام تحدث فضيلته عن ثلاثة مستويات مقتبسة من حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتعلق بسؤال جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وهي :
1 ـ سلام على مستوى الإسلام ويمثل في نظره 50٪ من السلام الاجتماعي من خلال امتثال الأوامر ، والانتهاء عن النواهي ، وبالإسلام يقام القسط .
2 ـ سلام على مستوى الإيمان ، واستشهد فضيلته بقوله تعالى : (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) وبالإيمان تكون التقوى.
3 ـ سلام على مستوى الإحسان وهو أرقى درجة الإيمان .
ويرى فضيلته أن السلام الاجتماعي يكون بسيادة الإيثار في الأمة ، لا بسيادة الأثرة كما هو حال السلام في التداول العولمي. وخلص فضيلته إلى أن وجود السلام الاجتماعي مؤشر على سيادة الإسلام ، فإن لم يوجد فالإسلام غير مطبق ، والمجتمع بعيد عن شرع الله عز وجل .
وفي الخاتمة يركز فضيلته على هدى الله حصرا ، وهو هدى يكون على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والأمة قاطبة . ويذهب إلى أنه متى اتبعنا هدى الله عز و جل سعدنا بالسلام ، واستشهد مرة أخرى بقوله تعالى : (( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى )) ، كما استشهد بقوله جل وعلا : (( الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )) .
وعلى طريقة فضيلته في البسط الهادف ساق خلال حديثه في هذا السياق المثل العامي القائل : » قال درت لك السمن في الرفيسة قال في الحلق يبان » وهو قول يقال لكل ذي ادعاء مطالب بالبرهان . وختم بقوله إن الله تعالى قسم رحمته مائة قسمة ، فأنزل قسمة واحدة إلى الأرض منها نعمة الهدى . ونبه فضيلته إلى أن تقوى الله لا تكون إلا بالعلم الذي أنزله الله عز وجل وتلا قوله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) وجزم فضيلته أن الربانية في المؤمنين لا تتحقق إلا بالعلم بكتاب الله عز وجل .
هذا ما استطعت أن أتصوره أو أتخيله من مداخلة فضيلة العلامة التي تأسفت كثيرا لما فاتني الاستماع إليها ، وقد فاتني خير كثير كما هتف لي بذلك أخي الفاضل السيد بنعيسى قماد بناء على راويتين شفويتين لمن حضر كما أسلفت ، وبناء على خطاطة للأخ الفاضل السيد عبد المجيد بن مسعود ، وأحسبه ثقة في نقل الخبر وليس من رأى وحضر كمن غاب وسمع . فإن وفقت في نقل مداخلة شيخي الفاضل فبفضل الله ونعمته ، وإن قصرت فمن نفسي ومن الشيطان . والحمد لله التي تتم بنعمته الصالحات .
Aucun commentaire