الخطوط الحمراء بين الوزير الأول بنكيران ووزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي

بين الوزير الأول بنكيران ووزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي
من خلال التعبير عن مواقفهم ومواقف دولهم وشعوبهم من مجموعة من القضايا الكبرى ، وأثناء مشاوراتهم مع نضرائهم أمام الإعلام المرئي والمسموع ،ومن خلال إدارتهم للحوارات تتجلى قيمة المسؤولين الكبار ومدى احترامهم لأنفسهم ولوطنهم وللقيم الإنسانية ، وما يولونه من اعتبار واهتمام لشعوبهم ومؤسساتهم وتنظيماتهم الجهوية والوطنية، وما يؤمنوبه من هوامش للحرية واقتسام السلطة ،
في هذا الإطار استوقفني واستفز فضولي مقال نشرته جريدة أخبار اليوم في صفحتها الثالثة تحت عنوان » بنكيران يطمئن جوبي عن مصالح فرنسا بالمغرب » تضمن تصريحا ت الوزير الأول بنكيران وألان جوبي وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارة هذا الأخير لبلادنا ، وجاء في تصريحات الوزير بنكيران أن « علاقة المغرب بفرنسا استراتيجية وخط أحمر « . أي لا يجوز المساس بها .من حقي ومن حق القارئ أن يتساءل عن هذه العلاقة ؟ أهي خط أحمر بالنسبة لفرنسا والاتحاد الأوروبي ؟ طبعا لا، ليس من شيم طبقاتنا السائدة أن تضع أي خط أحمر بالنسبة لهؤلاء خاصة إذا كانت هذه العلاقة في صالحهم . أم هي خط أحمر بالنسبة لحكومة السيد بنكيران الجديدة ؟أم هي كذلك بالنسبة للشعب المغربي ومفروض عليه القبول بها شاء أم أبى ؟ أم هي خط أحمر بالنسبة لأحزاب الحركة الوطنية المغربية ومعها جل المغاربة المؤيدين للتحرر الاقتصادي والسياسي والذين كانوا يطمحون مند فجرالاستقلال (الذي تعتبره شكليا ) بتحويل القطاعات التي تنتج من أجل التصدير إلى قطاعات تنتج من أجل الاستهلاك الوطني وسن سياسة وطنية صناعية وفلا حية أساسية تخلصنا من التبعية للرأسمالية العالمية وتقلباتها ومنها الفرنسية ، وتشجيع القطاعات العمومية الإستراتيجية من أجل إقلاع البلاد السياسي والاقتصادي ؟ أم أن المقترحات الأخيرة الراسخة رسوخ الحركة الوطنية ، لا تقدر عليها ولا تتحملها بورجوازيتنا الرثة التي تقتات على فتات صنيعتها الرأسمالية الخارجية . ولا زال المفكرون المغاربة والعرب ومعهم آخرون أجانب خاصة مفكرو أمريكا اللاتينية ينظرون للتخلف ويبحثون كيفية التخلص من براثن التبعية ، بل منهم من دفع حياته ثمنا لهذا التوجه مثل الشهيد مهدي عامل ( حسن حمدان ).
ورغم أنه جاء إلى المغرب لضمان مصالح فرنسا في بلادنا كضمان صفقة T.G.V بدا وكأنه أحس بثقل ووزن لغة الخط الأحمر على بعض المغاربة ، واحتراما لنفسه وللشعب المغربي وللقيم الأوروبية والفرنسية صرح ألان جوبي أن الخطوط الحمراء بالنسبة لأوروبا وبلاده هي احترام الحقوق والحريات وقواعد الديمقراطية ، كما عبر عن قلق كبير يسود الرأي العام الفرنسي بخصوص دعم الحكومة الفرنسية لحكومات عربية جديدة دون التأكد من احترامها لحقوق الإنسان في بلدانها .
لم يتكلم ألان جوبي من فراغ بل احترم وحسب ويحسب ألف حساب لهيآت المجتمع المدني الفرنسي اليقظة والتي يخشى محاسبتها ، ويكفي أن نعرف أن هناك ما يزيد عن 27 مابين نقابة وجمعية وهيآت تنشط على مستوى فرنسا ولها مكانتها وثقلها و بإمكانها إجبار فرنسا على التخلي عن أي مشروع تنموي أو استثماري يضر بشعب من الشعوب أو لا يوافق عليه ،وقد تزعمت المطالبة بإلغاء ديون بعض الدول وطالبت الشعوب بفرض عدم آدائها لأنها مولت دكتاتوريات ومجالات لا تناسب أولويات التنمية الحقيقية ، ورهنت حق الشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي والسياسي وتدبير وإنماء ثرواتها .
ومما يؤكد أيضا الاحترام والوزن الذي يحظى به المجتمع المدني الفرنسي في تحديد مواقف الدولة الفرنسية من مجموعة من القضايا التي تهم الشعوب تصريحات جوزي بوفي وهو نائب فرنسي بالبرلمان الأوروبي ( مناضل كبير ضد العولمة ، قاد ويقود حركات المجتمع المدني الفرنسي في مجموعة من القضايا الكبرى وينتمي أيضا للخضر ويشتغل في المجال الفلاحي ) الأخيرة بخصوص اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، بحيث دافع عن الشعب المغربي وكأنه مواطن مغربي في مواجهة دول الاتحاد الأوروبي وضمنها بلده وشرح انعكاسات هذه الاتفاقية الخطيرة على آلاف الأسر المغربية ، وقد اضطرت مجموعة من المؤيدين للاتفاقية لمناشدته للقبول بها ، من بينهم رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية الذي بعث لبوفي رسالة مفتوحة محاولا إقناعه .
فالخطوط الحمراء عندنا تعني فرض أمر الواقع وكبح الاختلاف، وعند ألان جوبي في بلده ومحيطها تعني احترام وتقدير المواطن واحترام هامش اقتسام السلطة وتوسيع المجال العمومي لممارستها والاعتراف بقدرات ومهام المجتمع المدني النبيلة في علاقتها بالشعوب الأخرى .
محمد بونبف جرادة
Aucun commentaire