الشعب السوري المسكين ضحية صمت قوى الإجرام في عالم اليوم

الشعب السوري المسكين ضحية صمت قوى الإجرام في عالم اليوم
محمد شركي
من المعلوم أن العالم اليوم ، وهوالذي نشأ بعد ما يعرف بالثورة الصناعية ،كرس كل ما كان في العالم القديم من أخلاق وقيم منحطة ، نظرا لتهافت ما يسمى الدول الغربية على المادة بشراهة غير مسبوقة في التاريخ بسبب ظاهرة التصنيع . ولقد صار العالم اليوم بالنسبة لهذه الدول مجرد موارد ثروات توفر لمصانعها العملاقة حاجياتها الضخمة . ولما كانت الدول الغربية الحديثة منحدرة من عقيدة صليبية منحرفة تقوم على أساس عنصري يرفع من قدر أهل الصليب فوق أقدار كل شعوب العالم ، فإن مآل التكنولوجيا إليها زادها طغيانا ، حيث وظفت عنصريتها الصليبية في عقيدة العلمانية التي تبنتها محل العقيدة الصليبية بعد حالة الانبهار بالتطور التكنولوجي الذي أطغاها طغيانا غير مسبوق ، وجعلها تؤله نفسها . وفي أحضان الصليبية العنصرية الحاقدة ،نشأت الصهيونية الأشد عنصرية وحقدا. ومع اجتماع الصليبيين والصهاينة على العنصرية انطلقت حركات الاحتلال الواسعة خلال القرن التاسع عشر. وكان لا بد أن يتسلط ،ويتركز هذا الاحتلال على العالم الإسلامي ،وتحديدا الجزء العربي منه الذي يضم أهم الثروات ، وأهم الأماكن الدينية والحضارية . ولقد كانت الدول العربية على قدر واحد من الجشع ، والطمع في العالم العربي ، ولا يمكن التمييز بين نازية أوفاشية ، أو رأسمالية إمبريالية ، أو شيوعية . ولقد أكد شجعها جميعا تكالبها على العالم العربي ، وصراعها فيما بينها بسبب ذلك خلال الحربين العالميتين . ومع بلوغ الدول الغربية هذا الحد من التردي الأخلاقي ، دخلت البشرية عصر موت القيم الإنسانية ، وتحول العالم إلى حيز تسوده قيم اللصوصية والإجرام ، وصارت أنظمة الغرب عبارة عن عصابات إجرامية تستخدم الشعارات للتمويه على حقيقتها البشعة . ولا غرابة أن يصير المجتمع الأمريكي ، وهو المجتمع الذي كانت نواته الأولى من عصابات المجرمين واللصوص الذين هاجروا من القارة العجوز إلى العالم الجديد بدافع الشره والطمع ،هو المجتمع الذي يقود الغرب في حروب كونية سببها التكالب على الثروات ، ومناطق النفوذ، والأسواق لتسويق ما يصنع في مصانعه. وكانت النتيجة الحتمية لسيادة قيم اللصوصية والإجرام في العالم بزعامة الغرب ،هي وقوع الشعوب العربية والإسلامية ضحية هذه القيم المنحطة . وكان أكبر الشعوب العربية ضحية هو الشعب الفلسطيني الذي سلط عليه الغرب العصابات الصهيونية من أجل اجتثاته ،واقتلاعه من أرضه بالقوة والإرهاب . وكانت هذه هي بداية قصة ظلم الشعوب العربية قاطبة ، ذلك أن محاولة هذه الشعوب استرجاع فلسطين ،جعلها مستهدفة من قبل الغرب بشتى الوسائل والطرق. ولقد ضرب الغرب عرض الحائط كل القيم الإنسانية عندما أجاز شرذمة الصهاينة في سيطرتهم على أرض فلسطين العربية ، وصارت هذه القاعدة سارية المفعول في كل مكان أراد الغرب الاستحواذ عليه بذريعة من الذرائع الواهية والمكشوفة . ولم تكتف العصابات الصهيونية بالسيطرة على أرض فلسطين بل حاولت التوسع في البلاد العربية المجاورة لها من أجل تأمين حدود ما سيطرت عليه واغتصبته .وكان هذا طريق ظلم الشعوب العربية ، ذلك أن كل شعب تحرك لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني ،كان يعاقب من طرف الغرب عن طريق الصهاينة بالعدوان . وترتب عن هذا الظلم الصليبي الصهيوني قيام أنظمة عربية منهزمة ، وفاسدة ، ارتزقت بالقضية الفلسطينية دون أن تقدم لها شيئا ،بل كان وجود هذه الأنظمة يخدم العدو الصهيوني أفضل خدمة . ولقد كان من المفروض ألا يهدأ لهذه الأنظمة بال حتى تسترد ما ضاع، إلا أنها وجدت ضالتها في حالة لا حرب ولا سلم مع العدو الصهيوني تمهيدا للتطبيع مع الاحتلال ، والهرولة والانبطاح مقابل قمع شعوبها الرافضة للتطبيع . ووجد الغرب والصهاينة ضالتهم في هذه الأنظمة التي قبلت الأمر الواقع ، وصارت تطالب بحدود مع كيان مغتصب لأرضها ، وبسلام معه مقابل أن يرد لها شيئا مما أخذه بالقوة غصبا عنها . ولما كان الغرب ملة واحدة بقطبيه الرأسمالي والشيوعي ،فإنه وتبعا لبحثه عن مصادر الثروات ،والنفوذ ،والأسواق ،تقاسم مناطق النفوذ في الأقطار العربية ، وأدار صراعاته المادية المحضة في هذه المناطق ، وركب كل قطب جزءا من الأنظمة العربية التي حولت صراع القطبين إلى صراع بينها تحت شعارات التخوين المتبادلة فيما بينها مع أن الجميع كان ضالعا في الخيانة بسبب تطبيعه مع الاحتلال ،والسكوت عنه. وكانت الشعوب العربية المسكينة ضحية صراع أنظمتها المنهزمة الخاضعة ،والتابعة للغرب بقطبيه والتي لا زالت كذلك . ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في العالم بسبب سياسة الشره الغربي ازداد طمع الغرب بشقيه في العالم العربي ، وفساد أحوال الشعوب العربية في ظل أنظمة فاسدة ، فجاءت الانتفاضة العربية اقتداء بانتفاضة الحجارة الفلسطينية من أجل التخلص من الأنظمة الفاسدة قبل التحول للتخلص من الغرب ومن السرطان الصهيوني . ومن أجل الإجهاز على الانتفاضة العربية حاول الغرب الارتزاق بها ،ورمي عصفورين بحجر ،من جهة التخلص من أنظمة فاسدة لم تعد تقدم له الخدمة المنشودة ، ومن جهة أخرى الظهور بمظهر المتعاطف مع الشعوب العربية من أجل ثنيها عن استكمال أهداف انتفاضتها ، وهو تحقيق ما لم تستطع الأنظمة العربية الفاسدة تحقيقه بعد الارتزاق بالقضية الفلسطينية لعقود طويلة . وأصبح الغرب يبحث عن بدلائل لبعض الأنظمة العربية الزائلة مقابل الاحتفاظ بغيرها ،حتى يحين أوان التخلي عنها أيضا بحلول نهاية خدمتها له . والغرب اليوم مشغول بما سيؤول إليه الحال في الدول العربية التي تخلصت من أنظمتها الفاسدة ، وعينه على هذه الدول، وعلى غيرها حتى لا تنتهي حكاية اغتصابه للعالم العربي . ولما كانت الثورات العربية فجائية ، وغير متوقعة ، فإن الغرب ارتبك ، ووقع في التناقض فيما يتعلق بتزكية هذه الثورات ، والتوجس منها في نفس الوقت ،خصوصا وأنها ثورات كشفت عن تشبث الأمة العربية بعقيدتها الإسلامية بالرغم من طول مدة تسويق العقائد الفاسدة لجعل الشقة بعيدة بين الإسلام وأهله . ومن مظاهر التناقض في السياسة الغربية تناقض المواقف فيما يتعلق بالتعامل مع الثورات العربية . فإذا كان النظام الليبي الفاسدة والزائل، هو نفس النظام السوري الفاسد حتى أنهما كانا تحت غطاء طائفي واحد يرتزق بما يسمى الممانعة ، وهو في الحقيقة محض تبعية للمعسكر الشيوعي المنافس للمعسكر الرأسمالي على خيرات العالم العربي ، ومحض تمويه على الصراع بين المعسكرين ، فإن موقف المعسكر الرأسمالي اختلف بالنسبة للنظامين حيث تم التوصل إلى التخلي عن النظام الليبي من طرف المعسكر الشيوعي مقابل تسوية مادية ، في حين ظل أمر النظام السوري دون تفاهم بين المعسكرين بسبب تعثر التسوية المادية بينهما ليس غير. والنتيجة أن الشعب السوري المسكين يدفع الثمن باهظا بأرواح أبنائه بعدما عمد النظام الشيوعي المتمثل في روسيا والصين إلى الفيتو كأسلوب سمسرة من أجل الضغط لتحقيق التسوية المادية في ظل أزمة اقتصادية خانقة ، الكل يتسابق من أجل الخروج من عنق زجاجتها . ومشكلة الشعب السوري المسكين أن قضيته صارت مطية تركبها أطراف عديدة ، ويستغلها أبشع استغلال . فمن جهة يستغلها المعسكر الرأسمالي من أجل تمديد عمر الكيان الصهيوني في المنطقة ، وتبرير احتلال الجولان . ومن جهة أخرى يستغلها المعسكر الشيوعي من أجل الحصول على حصته من ثروات المنطقة العربية . ومن جهة ثالثة تستغلها بعض الأنظمة الجرثومية المحسوبة على الإسلام كالنظام الرافضي الإيراني ،الذي يراهن على القطر السوري للتخلص من الحصار الذي يضربه عليه الغرب ، ومن أجل إيجاد صيغة تعايش معه بعد طول مدة مسرحية الخلاف الوهمي معه . فكل الأطراف تحاول ركوب القضية السورية من أجل مصالحها الخاصة ، والضحية هو الشعب السوري المسكين . وفي خضم تضحيات الشعب السوري يدور صراع مفتعل بين الأطراف ذات المصالح في المنطقة ، وهو صراع لا يتجاوز الدعاية الإعلامية من أجل تأمين المصالح على حساب الشعب السوري والمنطقة العربية . فالتلويح بالضربة الصهيونية للدولة الصفوية الرافضية محض ذر للرماد في العيون ،لأن مصالح الطرفين لا تسمح بصراع مسلح ، والغرب الواقف وراء الكيان الصهيوني ،لن يسمح بمثل هذا الصدام الذي لا يخدم مصالحه ، ومن بينها توفير الحماية للكيان الصهيوني ، وتمديد عمره الذي لم ينفعه استيطان فاشل . ومن مصلحة الأمة العربية أن يقع الصدام بين العدو الصهيوني ، والعدو الرافضي ، وأن يشغل الله عز وجل الظالم بالظالم لتدميرهما معا ، ولكنهما لن يصطدما أبدا بل القضية مجرد مسرحية هزلية من أجل تهيئة سوق السمسرة والمساومة الجارية على قدم وساق بواسطة وسطاء السوء من الأنظمة العربية الفاسدة مع المعسكرين الشيوعي والرأسمالي .والأمة العربية لن ينالها من مختلف الأطراف الطامعة في خيراتها ، والمرتزقة بقضاياها إلا الشر المستطير. فشر المعسكر الرأسمالي كشر المعسكر الشيوعي كشر الجرثومة الخبيثة الرافضية .




Aucun commentaire