مفهوم الحداثة

مفـــهوم الحـــــداثــــة
يعيش مجتمعنا مؤخرا مجموعة من التقلبات « السيكوسوسيولوجية » التي يبدوا للعيان ومنذ الوهلة الأولى أنها انقلاب على الزمن الماضي ، وانجذاب نحو الزمن الجديد أو مايسميه البعض بالحداثة .فإذا كانت بعض المفاهيم والعادات قد اندثرت أو في أحسن الأحوال قد « تقادمت »، فإن ما يجلب الانتباه للوهلة الأولى هو مايسحر الحواس ويجذبها ويجعلها تتأثر من المستهلك اليومي الذي يحبس الأنفاس أو يبعث على التقزز حسب الحالات طبعا
وأمام كل هذه المظاهر والعادات والسلوكات الجديدة ، أخذ البعض يتكلم عن مفهوم جديد اسمه « موت الماضي » وميلاد الحداثة . لكن مالمقصود بالحداثة؟ وكيف ظهرت؟
سنناقش الأمور من الزاوية الفلسفية لأن مايهمنا هنا هو المفهوم في حد ذاته : كيف ظهر ونمى قبل أن يتطور الى ماهو عليه اليوم.
يقصد بالحداثة تلك النقلة النوعية المرتبطة بالقرون : الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشرللميلاد ، وما تلاها بعد ذلك لما بدأت ملامح العقلنة تظهر وتطفو بشكل واضح على سطح القارة الأروبية حين شملت كل مظاهر الحياة الإجتماعية، بالمعنى الذي نقحم فيه كل التوجهات الأخرى الثقافية منها ،والإقتصادية ، والسياسية أي كدينامية اجتماعية وثقافية لدرجة جعلت بعض السوسيولوجيين يميلون للقول من خلال دعاويهم المتكررة مع كل سوسيولوجي، الى ضرورة ابعاد الحداثة عن كل تصور فلسفي وطرحها في اطار سوسيولوجي ضيق اعتمادا على النزعة الوظيفية السوسيولوجية التي تتعمد قول ذلك لابعاد الحداثة عن تصورها الجوهري واقحامها ضمن التغيرات الاجتماعية التي تشمل جانبها الإقتصادي والسياسي والعلمي والثقافي. حتى تسير بركب حضاري يعطيها صيرورة كلية متعاضدة بالمعنى الذي تتكامل فيه وهو معنى « الرسملة أي تجميع الموارد سواء بالمعنى المالي أو العملي وهو، ما يعنيه في النهاية بالتعبئة وذلك كله محاولة من هؤلاء السوسيولوجيين لابعاد الحداثة عن الفلسفة
على ضوء كل هذه الأحداث، تقوم فلسفة هيجل الموجهة للحداثة كأول فيلسوف فهم الحداثة ووعاها وعكسها في نسقه الفلسفي . ان هيجل يبدأ أولا بتوضيح مفهوم الحداثة ذلك حينما يورد التقسيم الكلاسيكي الذي يعتمد في الدراسات التاريخية والذي تم حوالي سنة 1800م . هذا التقسيم الذي يقسم العصور الى مراحل ثلاثة: مرحلة العصور القديمة، ومرحلة العصور الوسطى، ومرحلة العصور الحديثة. هذه الأخيرة هي التي تشير الى القرون: 15و16و17وم أما الأحداث التي تعبر عن ذلك فهي : الإكتشافات الجغرافية المتمثلة بالخصوص في اكتشاف القارة الأمريكية الذي اصطلح عليه بالعالم الجديد والنهضة الأروبية التي انطلقت من ايطاليا وعمت باقي الدول الأخرى بما فيها انجلترا وفرنسا ، أضف الى ذلك الإصلاح الديني المتمثل في المذهب البروتستانتي
أمام كل هذه الأحداث يذهب هيجل للقول بأن الإنتقال من العصور الوسطى الى العصور الحديثة هي نقلة غير عادية ، هي نقلة نوعية وجد كاملة اختلفت كلية عن تلك النقلة التي تمت من العصور القديمة الى الحديثة ، لذلك فممفهوم العصور الحديثة لم ياخذ كامل دلالته الا حينما فقد دلالته الزمنية ليشير الى فترة جديدة جد كلية . لذا وجدنا هيجل يستبدل مفهوم العصور الحديثة بمفهوم « الزمن الجديد » . هذا المفهوم الذي استعمله بعدما أن أقصى دلالته الدينية والتي كانت تشير في الغرب المسيحي الى زمن منتظر لم يحل بعد لأنه لايمكن له أن يظهر الا بعد يوم القيامة.
واذن ، فهيجل يقصيه من مفهومه الديني المحظ ويعطيه مفهوما دنيويا، هذا الذي يشير الى أن الزمن الذي نحن بصدد الحديث عنه كان قد بدأ في القرن 15م . وهو القرن الذي شكل عتبة تاريخية مفصلة وحاسمة في ظهور الحداثة وهذا لم يتم الا في القرن 18م بعد مرور حوالي ثلاثة قرون عن ظهور الحداثة ، أي أننا لم ندرك هذه الحداثة الا من خلال رؤية استيعابية
يتضح اذن أن روح الزمن هي، احدى المفاهيم التي ميزت فلسفة هيجل، فهو بعدما أن اعطى مفهوما جديدا للأزمنة الحديثة التي عوضها بالزمن الجديد والذي قلنا عنه أنه قد استلهمها من الكنيسة ، نراه يقول بأن المستقبل هو الذي يجثم على هذا الزمن الجديد مقابل العالم القديم الذي يجثم عليه الماضي. ذلك أن الزمن الجديد هو تطلع وانفتاح دائم للمستقبل لمعرفة ماسيحمله من جديد لأن عصرنا هو عصر انشداد الحاضر للمستقبل – يتبع
محمد كيحل مدرس الفلسفة
1 Comment
ces spcial