إشكالية الفعل القرائي المتعلق بالمقال المنشور على مواقع الشبكة العنكبوتية

إشكالية الفعل القرائي المتعلق بالمقال المنشور على مواقع الشبكة العنكبوتية
محمد شركي
لا توجد طريقة معلومة وذات مصداقية لقياس الفعل القرائي المتعلق بالمقال المنشور على مواقع الشبكة العنكبوتية ما عدا طريقة استنطاق التعليقات . ومعلوم أن التعليقات على المقالات في هذه المواقع تفتقر إلى المصداقية لأن جل المعلقين يفضلون عدم الكشف عن هوياتهم . وقد يبدو للبعض أن عدم الكشف عن الهوية أمر غير ذي أهمية ، والحقيقة أن هذا الحكم غير دقيق لأن عامل التستر عن الهوية لدى المعلقين يلعب دورا كبيرا في تحديد طبيعة التعليقات وأهدافها . فعلى غرار فعل البوح للمعترفين من مرضى نفسانيين ،وشواذ،ومجرمين توفر لهم ظروف عدم الكشف عن هوياتهم تأتي تعليقات المعلقين الذين يشعرون بالأمان بسبب توفر إمكانية إخفاء هوياتهم ،فيكون منهم البوح لهذا تتمركز تعليقاتهم حول محاولة النيل من أصحاب المقالات عوض التركيز على مضامينها، وبهذا تتحول التعليقات إلى نوع من التنفيس عن المكبوت الشبيه بتنفيس المرضى النفسانيين . وبهذا لا يتحقق الفعل القرائي الحقيقي بل يتم التمويه من خلاله على التنفيس عن المكبوت . ولتوضيح هذا الأمر أعرض الأمثلة الآتية : حررت أربع مقالات الأولى انتقدت فيه وقوف الأئمة والخطباء أمام مبنى البرلمان للمطالبة بتحسين أوضاعهم بما فيها المادية ، والثانية انتقدت فيه تلكؤ موظف المالية بنيابة بركان في صرف مستحقات المفتشين ، والثالثة انتقدت فيه موقف المقاطعين للاستفتاء على مشروع الدستور. والرابعة انتقدت فيها تراشق التهم بين الفئات بسبب الخلاف حول مشروع الدستور. ولكل مقالة من هذه المقالات ظرفها الخاص ، وهدفها الخاص . ففي المقالة الأولى لم أنكر على الأئمة والخطباء مطالبتهم بحقوقهم ، ولم أنف مظلمتهم بل انتقدتهم في قصد جهة فيها من لهم حساسية مفرطة لكل ما له علاقة بالدين ،ووددت أو أنهم قصدوا الجهة المعنية بمعالجة مطالبهم . وفي المقالة الثانية تحدث عن أرصدة مالية وضعتها أكاديمية الجهة الشرقية تحت تصرف نيابة بركان ، ولا يقتضي صرفها سوى تبرير الصرف لدى المراقبة المالية من خلال الوثائق المضبوطة في أوانها ، وهو ما عجز عنه الموظف المكلف بالمالية ،أو تعمد عدم تصفيته ،مع أنه يبادر بصرف مستحقاته في حين يلجأ إلى المبررات الواهية لصفية مستحقات المفتشين . ومع أن مطالبة الأئمة والخطباء بحقوق مادية ومعنوية لا زالت مجرد مطالب أمام البرلمان ليست هي مطالبة المفتشين بمستحقات حقيقية وواقعية وموجودة ،لهذا فلا مبرر للقياس مع وجود الفارق كما يقال ، وهو ما حاول أحد المعلقين فعله من أجل أن ينكر علي نقدي لوقفة الأئمة والخطباء لأنه فهم أنني أطالب بمستحقاتي وأمنع الأئمة والخطباء من المطالبة بحقوقهم ، وهو فعل قرائي غير صحيح وفيه سوء فهم وخلط لا يلزم إلا صاحبه ،لأن القصد في انتقاد الأئمة والخطباء كان هو الوقوف أمام البرلمان وليس انتقاد مطالبتهم بالحقوق وشتان بين الهدفين . فهذا نموذج من استهداف المعلق لصاحب المقال بسبب خلفية لا علاقة لها بمضمون المقال ولا تعكس الفعل القرائي الصائب ، وهو بذلك محض تنفيس عن مكبوت والدليل القاطع على ذلك هو تضمن التعليق لما يشبه الوعظ والنصح علما بأن التعليق طبيعته الحجاج . وما قيل عن هذا التعليق يصدق على التعليق الخاص بالمقالتين الثالثة والرابعة ذلك أن المقالة الثالثة كانت نقدا موجها لفئة المقاطعين لمشروع الدستور قصد التهرب من الكشف عن حجم ووزن هذه الفئة في المجتمع والتي ستركب كل من لم يشارك في الاستفتاء حتى لو تعلق الأمر بعدم اهتمام أو انشغال أو عدم التسجيل في لوائح الاستفتاء لتضليل الرأي العام بأنها فئة الأغلبية ، بينما انتقدت المقالة الرابعة قذف الفئة المقاطعة لمشروع الدستور للفئة المؤيدة له ونعتها بالشماكرية . فأنا عندما انتقدت في المقالة الثالثة الفئة المقاطعة لم أنعتهم بنعت مشين ،بل ركز نقدي على فعلهم وهو فعل التمويه على حجم فئتهم ، وهذا ليس بالقذف أو الشتم كما هي دلالة لفظة الشماكرية الواضحة القذف والتجريح ،لهذا لا يمكن مقارنة النقد بالتجريح . ولقد كان بالإمكان انتقاد موقف مؤيدي الدستور دون تجريحهم أو قذفهم أو الحط من شأنهم. والملاحظ من هذه الأمثلة أن الفعل القرائي الذي تعكسه بعض التعليقات هو عبارة عن بوح وتنفيس عن مكبوت تجاه أصحاب المقالات ، ولا علاقة له بمضامين المقالات . وأعتقد أنه لا بد من فعل الإقراء ومن فعل المقارأة ومن فعل الاستقراء ـ بمعنى طلب القراءة وليس بمعنى التتبع ـ من أجل تصحيح الفعل القرائي لدى بعض القراء المعلقين على مواقع الشبكة العنكبوتية حتى يتطابق المقروء الذي تعكسه تعليقاتهم مع المقالات ، وإلا فعلى أصحاب البوح والتنفيس من المعلقين أن يشيروا إلى الغاية من التعليق بقولهم هذا تعليق بوح و تنفيس ، وفي هذه الحالة من العبث ربطه بمضمون المقال باعتبار هدفه الذي هو النيل من القائل لا نقد القول .
1 Comment
انت تريد تعليقات على مقاسك ولا تقبل الرأي الآخر وتصادر حقه في ايراد قراءته والتي هي قابلة للنقاش والتصويب لا الى الرد العنيف من طرفك سيدي.اما ذكر الاسم فلا قيمة له والقيمة للرأي ذاته اللهم الا اذا كنت تريد الرد عليه بما عهد فيك من التحامل على مخالفيك وذكرما يتعلق بذواتهم للرد على افكارهم وليست هذه من شيم من يؤمن بحرية الفكر اما التعليق الذي يعمد فيه صاحبه الى التجريح او الذم او ما شابه فهو مرفوض أصلا ولا ينبغي نشره وهذا دور هيئة تحرير الجريدة.ن عهد الادلاء ببطاقة التعريف الوطنية قد زال واصبح محله رقابة الناشر الالكتروني الذي يحق له ان يحجب كتابة كل مخالف لمواثيق النشر المعلنة