دور الإعلام في توعية الرأي العام

كل الأنظمة في دول العالم على اختلاف تصنيفها من حيث التقدم أو التخلف أو النمو تحاول استخدام الإعلام لصالحها ، ولترسيخ أقدامها ، وتمديد أعمارها لمدد أطول ، كما تحاول تسخيره لأغراضها ، لهذا تضيق من الإعلام المستقل عنها ، وتتمنى لو أن فكرة هذا النوع من الإعلام لم توجد أصلا أول مرة . ومن المعلوم أن الرأي العام في كل دول العالم على اختلافها ضالته هي الحقيقة البعيدة عن بهرجة وتمويه إعلام الأنظمة الرسمي ، وهي أنظمة صارت لها أجهزة متخصصة في التمويه على الحقائق ، وتقديمها للرأي العام وفق الطبخة الإعلامية الرسمية المتحدثة باسم الأنظمة ، والخاضعة لطروحاتها. ومع مرور الزمن تزداد شكوك الرأي العام العالمي في مصداقية إعلام الأنظمة الرسمي. ولقد تأكد ازدياد هذه الشكوك من خلال المقارنة التي يجريها الرأي العام يوميا بين إعلام الأنظمة الرسمي ، والإعلام المستقل بخصوص حدث واحد يقع في وقت واحد ، وفي زمن واحد ، ويكون تقديمه إعلاميا مختلفا اختلافا واضحا كبعد المشرق عن المغرب بين توعين من الإعلام ،مما يعني أن الإعلام يختلف حسب تبعيته للأنظمة أو استقلاله عنها . ويوميا تعرض وسائل إعلام الأنظمة الرسمية الأحداث بطريقة مغايرة لعرض وسائل الإعلام المستقلة . ففي البلاد العربية التي تعرف حراكات شعبية تقدم وسائل الإعلام التابعة للأنظمة وقائع هذه الحراكات وفق املاءات الأنظمة وما يخدم وجودها واستمرارها ومصالحها ، في حين تعرض نفس الوقائع بشكل مغاير عبر وسائل الإعلام المستقلة . والرأي العام يستطيع التمييز بين عرض الإعلامين الرسمي التابع للأنظمة ، والمستقل عنها خصوصا وأن العصر عصر تكنولوجيا معلوماتية بامتياز حيث صار الرأي العام يستطيع الوصول إلى الحقائق عبر هواتفه الخلوية التي تنقل الأحداث بعدساتها وتوزعها على المواقع الإلكترونية التي تجمع بينها الشبكة العنكبوتية . وبالحصول على الحقيقة عبر وسائل الاتصال المتطورة التي هي في حيازة الرأي العام ، وفي متناوله يستطيع هذا الرأي العام أن يعرف بهرجة الحقائق وتمويهها من طرف الإعلام الرسمي التابع للأنظمة ، ومن ثم الحكم على مصداقيته التي لا زالت تتناقص يوما بعد يوم على إثر ما يسجل عليه من تمويه للحقائق التي لم يعد ينفع معها التمويه. وأمام منافسة الإعلام المستقل للإعلام الرسمي وإحراجه من خلال الكشف عن الحقيقة تستشيط الأنظمة غضبا ضد الإعلام المستقل ، وقد يصل الأمر إلى درجة منعه أو إدانته واتهامه ومحاكمته من أجل إسكاته تحت ذرائع القانون. وأمام تقديم إعلام الأنظمة الرسمي لمواده الإعلامية التي تتسم بتزكية كل فعل صادر عن هذه الأنظمة بحيث تخلو هذه المواد من رائحة ما يسمى النقد يلجأ الرأي العام إلى الإعلام المستقل ليروي غلته من النقد المفقود في الإعلام الرسمي لما يصدر عن الأنظمة . وبسبب وقوع الإعلام الرسمي في هذا الخطأ الفادح ، وهو تغييب النقد فيما يخص أداء الأنظمة يفسح المجال للإعلام المستقل ليسد مسده باستحضار هذا النقد المغيب والذي يخفي وراءه الحقائق التي هي ضالة الرأي العام المنشودة .
وقد يتابع الإنسان العربي أو غير العربي الأخبار المقدمة من طرف الإعلام الرسمي في بلده ، دون أن يثق فيها بعد افتقادها للمصداقية عنده ، فيلجأ إلى الإعلام المستقل على اختلاف أنواعه من أجل الوصول إلى الحقيقة الضائعة أو المغيبة. وبسبب اعتماد الإعلام الرسمي على تمويه الحقيقة ، واعتماد الإعلام المستقل على كشفها يتكون وعي لدى الرأي العام . ومشكلة الإعلام الرسمي أنه يخادع نفسه عندما يظن أنه يتحكم في الرأي العام بواسطة مواده الإعلامية المغشوشة ، وهو في الحقيقة يساهم بطريقة مباشرة في توجيه الرأي العام إلى البحث عن الحقيقة عند الإعلام المستقل ، ومن ثم فإنه يقلص المسافة بين الرأي العام والوعي الصحيح . والدليل على تنامي وعي الرأي العام هو نسبة إقباله على الإعلام المستقل بشتى أنواعه. ولقد أصبح الإعلام المستقل يقلق إعلام الأنظمة حتى أن بعض الجهات دأبت على المطالبة بما سمته تخليق الإعلام المستقل خصوصا العنكبوتي الذي فقدت السيطرة عليه . والتخليق إنما تقصد به هذه الجهات قطع الطريق على مواد الإعلام المستقل التي تفضح مواد الإعلام الرسمي المتهافتة والمكذوبة . وفي الآونة الأخيرة تعالت الأصوات المتوجسة من الإعلام المستقل لسن قيود عليه تكبل من حريته ، وتجعل الحقائق بعيدة المنال بالنسبة للرأي العام الذي يكون مضطرا لاستهلاك المواد الإعلامية الرسمية المتهافتة في حال التضييق على الإعلام المستقل ولكن هيهات أن يتحقق حلم التضييق على هذا الإعلام في زمن الثورة التكنولوجية الكاسحة . فقد تصادر المنابر الإعلامية العنكبوتية كما يحصل اليوم في بعض البلدان العربية التي تعرف ثورات ولكن لن يمنع ذلك الرأي العام من تداول المعلومات والحقائق عبر الهواتف الخلوية بالصوت والصورة التي تنقلها خارج حدود البلدان التي تحاول حضر الإعلام المستقل العنكبوتي وغير العنكبوتي. وعلى الإعلام الرسمي ينطبق المثل القائل : » رب ضارة نافعة » لأنه يساهم مشكورا في توعية الرأي العام مع أنه يموه الحقائق مما يجعل هذا الرأي العام وبدافع فقدان الثقة فيه يبحث جادا عن هذه الحقائق ، ويطلبها عند الإعلام المستقل الذي يجب عليه أن يحافظ على ثقة الرأي العام فيه .
Aucun commentaire