أين قانون حماية الصحفي مقابل قانون محاكمته ؟؟؟
لا زالت ردود الأفعال على حادثة اعتقال صحفي جريدة المساء المغربية السيد رشيد نيني تتوالى ، ويجمع الرأي العام الوطني على أن هذا الاعتقال إنما هو خرق صارخ لحرية التعبير ، وأن اعتقال هذا الصحفي هو اعتقال سياسي يراد به تخويف كل من تحدثه نفسه بالسير على نهج هذا الصحفي صاحب الجرأة والجسارة على معالجة ما لا يجرؤ عليه غيره من الصحفيين ليكون ذلك خطا أحمر لا يفكر أحد في الاقتراب منه . ومعلوم أن الإعلام وهو السلطة الرابعة قانونه الذي يضبطه واضح لا غبار عليه إذ يضمن هذا القانون ما يسمى حق الرد على كل خبر ينشر. فإذا كان الصحفي رشيد نيني قد نشر أخبارا غير صحيحة على حد زعم من اعتقله لمحاكمته ومعاقبته فكان من المفروض ووفق قواعد اللعبة الإعلامية أن يرد عليه من يكذب ويسفه أخباره بالدليل القاطع والحجة الدامغة لأن قضاء الإعلام هو الرأي العام ، فهو الذي يحكم بين المنتازعين إعلاميا وفق ما يقدمونه من حجج وبراهين على ادعاءاتهم. فالخبر كما يعرف بلاغيا هو كل كلام يحتمل الصدق والكذب ، وما أقرب هذا التعريف البلاغي من تعريف الخبر الإعلامي . فما ينشر وما يذاع عبر وسائل الإعلام المختلفة ليس وحيا يوحى بل هو كلام بشر يأخذ منه ويرد ، ويؤكد ويكذب. وما أكثر ما يروج بين الناس في العالم يوميا من أخبار كاذبة تسمى الإشاعات ولا يوجد قانون جنائي يتابع هذه الإشاعات أو يقاضيها وإلا وقف كل الناس في العالم يوميا أمام القضاء ليحاسبوا على تداولهم لهذه الأخبار أو الإشاعات. وما الإعلام سوى وسيلة عمومية لتداول الأخبار بغض الطرف عن مصداقيتها أو عدم مصداقيتها . واللعبة الإعلامية لعبة جماهيرية لا دخل فيها لقضاء أو عدالة لأن الناس يتداولون الأخبار فيما بينهم ، وعندهم عقول تميز الصدق من الكذب ، والغث من السمين .
ولنفرض أن الصحفي رشيد نيني روج لأخبار كاذبة هل بإمكانه أن يعطل عقول الناس فلا تستطيع اكتشاف كذبه ؟ والناس في كل الأديان والمعتقدات والثقافات لا تحاسب عما تقول وإنما تناقش فيما تقول ، ولا توجد قوانين تجرم الأقوال إلا في ثقافات مستبدة بالرأي كثقافة الفراعنة التي شعارها حسب التعبير القرآني (( لا أريكم إلا ما أرى )) لأن غيرها في نظرها لا رأي له ولا يرى كما ترى هي . ولقد ناقش الوحي المنزل من السماء آراء الناس ورد عليها بما يفحم ويقنع دون أن يحاكم أصحابها . فقوله تعالى على سبيل التمثيل لا الحصر : (( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير )) فالكفار روجوا لخبر مفاده لا بعث بعد الموت ، والله عز وجل فند زعمهم بدليل وحجة مفادها أن البعث يسير ما دام الخلق كذلك إذ لا يعجز الخالق عن أن يكون باعثا . ولم يحاكم الله عز وجل هؤلاء على خبرهم غير الصحيح بل ناقشهم بنفس أسلوبهم ، فحين قالوا : (( من يحيي العظام وهي رميم )) والله عز وجل رد عليهم : (( يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )) كما رد عليهم بقوله : (( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم )). فهذا نموذج قرآني لمقارعة الخبر بالخبر والرأي بالرأي . فإذا كان الله عز وجل الخالق القاهر فوق الخلق لم يحاكم خلقه على خبر كاذب ورأي خاطىء فكيف يجوز للبشر أن يحاكم بعضه بعضا عوض أن يناقش بعضه بعضا ، ويفحم بعضه بعضا بالدليل والحجة ؟ فعلى الصحفي رشيد نيني أو غيره أن يقول ما شاء لأن قوله لن يكون وحيا لا يأتيه باطلا من بين يده ولا من خلفه ، وهو قول موجه إعلاميا للرأي العام ، والرأي العام له عقل يميز به الصحيح من الزائف ، وعلى من يكذب رأي الصحفي أن يثبت ذلك لأن حق الرد مضمون للجميع ، والحكم بين الصحفي ومن يرد عليه مهما كان هو الرأي العام وليس المحاكم والشرطة والسجون. وفي اعتقادي أن إثبات كذب الصحفي رشيد نيني أو غيره بالدليل القاطع والحجة الدامغة أشد عليه من السجن لأن ذلك يفقده المصداقية لدى الرأي العام ، أما محاكمته فتثير الشك في موقف من يحاكمه ، وفي هذه الحال يكون السجن أحب إليه ما دامت مصداقيته الإعلامية لم تمس.
فعلى الذين يحتجزون هذا الصحفي أن يراجعوا موقفهم ، وأن يردوا عليه من خلال أعمدة على غرار عموده الصحفي ، و يكذبوا ما ينشره بالحجة والدليل على طريقة القرآن الكريم ، ومن حقهم ذلك ، ويرضوا بالرأي العام حكما بينهم وبينه . وإذا ما فكروا في قانون معاقبة الصحفي فعليهم أن يفكروا في قانون حماية الصحفي ، وفي احترام حرية الرأي وحرية التعبير في دولة الحق والقانون والحريات .
Aucun commentaire